أكاديميون:الوضع لم يعد يحتمل سياسة الكيل بمكيالين

تبدل المواقف والتباينات في الممارسات والتحالفات السياسية المتناقضة بين كل وأخرى .. حتى أننا نجد هذا أو ذاك الحزب يمسي وله موقف معين أو تقارب في الحوار .. فلا يصبح إلا وهو ينقض ما كان بالأمس .. ومن هذا المنطلق كان لصحيفة (الثورة) وقفة مع عدد من الأكاديميين والسياسيين للاطلاع على وجهة نظرهم حول أسلوب ممارسة سياسة (الكيل بمكيالين) من قبل أغلب الأحزاب¿ وما مدى تأثير ذلك على واقع السياسة اليمنية, وانعكاساتها على حال البلد¿.. فإلى المحصلة:
بدأ الدكتور أحمد النهمي – أستاذ بجامعة ذمار- حديثه بتشخيص للمشكلة في أن الأحزاب السياسية في اليمن ما زالت مواقفها تنطلق من عقلية المصالح الضيقة للحزبº ولم ترتق بعد إلى دائرة المصلحة الوطنية العليا وبأن الشواهد على ذلك كثيرة سواء على مستوى الحياة الداخلية للأحزاب التي تستنسخ قياداتها من نفس الوجوه والدائرة القريبة منها, ومن النادر أن تخضع أمانات الحزب ودوائره العليا لرغبة أعضاء المؤتمرات الحزبية وقناعاتهم وما عليك إلا أن تنظر في الأسماء التي تقود أغلب أحزابنا اليمنية وستجدها نفسها هي التي عرفناها منذ مطلع التسعينيات بعد الإعلان عن الوحدة اليمنية وما نتج عنها من تعددية سياسية. وعلى المستوى الخارجي للأحزاب فإن الأحزاب كانت تنظر للوظيفة العامة وآليات تدويرها وضوابط استحقاقاتها وتوجه النقد اللاذع للسلطة وحزبها الحاكم وشاءت الأقدار أن تنتقل هذه الأحزاب من موقعها في المعارضة إلى موقع السلطة ومصدر القرار فتخلت عن تنظيراتها السابقة ومارست أسوأ أنواع المحسوبية والإقصاء فاحتكرت لجماعتها المقربة ومن يدور في فلكها مواقع وظيفية كثيرة داخل الجهاز الإداري للدولة بدون مفاضلة ولا تنافس ولا مؤهلات سوى مؤهل الولاء للحزب والاقتراب من دائرة قيادته .. وإنه لشيء مؤسف هذا التباين بين التنظير والتطبيق.
مراقبة الآخر
من جانبه يرجع الدكتور عبد الرحمن مانع -أكاديمي ودبلوماسي بوزارة الخارجية- السبب إلى الفهم الخاطئ للحزبية لأنه في العالم تنشئ الأحزاب للتنافس على بناء الوطن, وكل منها يراقب الآخر ماذا قدم وماذا أنجز للوطن سواء كان في المعارضة أو في الحكم. لكن –للأسف- في بلادنا تفهم الحزبية على أنها تحقيق مكاسب شخصية والوطن في خبر كانا.
مؤكداٍ أن الأحزاب السياسية لو كانت تتحاور من أجل اليمن لما اختلفت واستغرقت كل هذا الوقت .. بسبب أن كل حزب يحاور بما سيحققه من مكاسب لحزبه فقط والأكثر كارثيا وضرراٍ بالوطن أن كل حزب يبحث عن أطراف خارجية لدعمه فأصبحت الأحزاب في اليمن عبارة عن وكلاء وأيادُ لأطراف خارجية في اليمن .
داعيا بأن يعود الجميع إلى وعيهم ويجعلون مصلحة الوطن والشعب هي الأولى والأهم من مصالحهم الضيقة, ودفن الماضي, لأن البحث في الماضي وتصفية الحسابات لا يعود إلا بالضرر على الجميع.
قصور في الرؤية
من جهته يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد السلام المخلافي أن الأحزاب اليمنية في حالة سلوكية انحرافية فيما يتعلق بتطورات المشهد السياسي الحالي في اليمن .. ومن المتوقع أن يؤدي هذا السلوك إلى تصاعد مد الصراع وعدم الاستقرار والوصول إلى نتائج مرضية تحقق آمال اليمنيين في تحقق الأمن وتنهي مخاوفهم اللاهثة الباحثة عن النجاة من دوامات الصراع القائمة والمتفاقمة .. على أنه ينبغي التنبيه في المشهد اليمني إلى عدد من العوامل المأثرة والمتمثلة في أن بعض الأحزاب اليمنية لا تمثل مصالح خاصة بها وإنما هي ممثل أو نائب عن دول خارجية لا يهمها بدرجة أساسية إلا أن تسير حركة الأحداث باتجاه مزيد من الصراع والاضطراب والتفكك وليس لهذا ما يلجمه في الساحة الداخلية وما هو قائم إنما يضاعف من أثره ودوره الخطير .
ونبه الدكتور المخلافي إلى أن هنالك خطأ مركزياٍ فادحاٍ يتمثل في إزاحة القواعد التي كانت بمثابة دوائر لمحاكمة سلوك الأحزاب وغيرهم من الفاعلين أو المشاركين  في التصعيد القائم والدخول بدلا من ذلك في مساومات تتسم بالقصور في الرؤية الاستراتيجية ولا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة معقولة بمعيارية المصلحة الوطنية  العامة . إن إلجام السلوك القائم – الكيل بمكيالين – هو العودة إلى المعايير العامة المتفق عليها وهي كفيلة بتحقيق التصويب الذاتي للحراك الداخلي أياٍ كانت نواياه وتوجهاته وإيقاف التدخل الخارجي أياٍ كانت قوته .
وختم حديثه: قائلاٍ “التاريخ يعلمنا أن الأوطان تنزلق إلى الفوضى عندما يسعى كل فاعل أو طرف سياسي إلى إيجاد قواعد ومعايير خاصة به وتخدم مصالحه وليست محل إجماع وطني وليست متسقة مع منطق المعرفة والقانون وحقائق السياسة والتاريخ في أوضاع تتسم بالسيولة وعدم الاستقرار”. 
عشق الأوطان
من جانبه أكد الدكتور محمد العماري –أستاذ بجامعة ذمار- أن صناعة حضارة الشعوب لم تأت بالمماحكات والو لاءات للأنظمة الأجنبية, ولكنها نتاج للتنافس الشريف في عشق الأوطان, وصناعة تاريخه المجيد. وأن التاريخ يخلد الأفراد والجماعات الذين اثروا المصلحة العلياء على المصلحة الخاصة من خلال رؤاهم وبرامجهم المبدئية والواضحة التي لا تحتمل الازدواجية أو التناقض أو الإرضاء أو العمالة, كما هو حاصل لدى معظم أحزاب اليمن التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه الآن من تشرذم وعصبية ومناطقية ومذهبية.
وأردف قائلاٍ: “نحن في اليمن بحاجة إلى تبني فكر وحب الوطن الذي نتنفس هواءه ونستظل تحت سمائه منذ عبق التاريخ جيلا بعد جيل, وبما أن اليمنيين ممثلون بأحزابهم السياسية أبناء هذه البلدة الطيبة وليسوا غزاة أو مهاجرين أو سكاناٍ مؤقتون تنتظرهم أرض بديلةº فيجب على هذه الأحزاب أن تعمل على رفع عزة اليمن وتقدمه واستقراره وتنميته الشاملة على كافة المستويات (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية..).

قد يعجبك ايضا