آفــة مرغــوبة


ميسون عبده عثمان التميمي –
يمشي على قارعة الطريق بابتسامته البريئة .. يجول بين تلك الحافلات بقدميه الحافيتين يتكلم مع هذا وذاك ..ما إن ينتهي دوامي الجامعي اتجه نحوها لأرى فيها جديدا قديما ..علكة خضراء يلوكونها بأفواههم يستلذونها رغم صغر سنهم الذي لا يتجاوز العاشرة تقريبا وفي وسط ذلك الهدوء النسبي المرتقب حتى تمتلئ الحافلة بركابها من مختلف الأعمار يلفت انتباهي طفلان صغيران كبيران ليسا كبيرين بعمرهما أو تفكيرهما ولكنهما كبيران في الأخير بتصرفاتهما سيجارة في يد أحدهما .. يطلق الدخان من أنفه وكأنه أحد تجار المافيا والآخر بيده كيس مليء بالقات تلك العشبة التي لم تعد للكبار فقط..
يصعدون وبكل فخر يمشي أبوهم وراءهم وكأنه يقول لدي ما ليس لديكم لدي أجيال تحمل رايات الغد بكل شجاعة وقوة..
أي شجاعة تقصد أيها الأب وعن أي قوة وأي مستقبل تتكلم ما دام عماد المستقبل فيها هو من سيفسدها..!
التفت إلى الجانب الآخر لأرى العصي تلوح والاصوات تتعالى لأجل ذلك السم الاخضر الذي لم يسكن له بال إلا وفتك بكل منزل باستثناء من رحم الله .. وفي المنتصف يقف من هم دون سن الرشد يريدون الدخول الى السوق لا لشراء شيء أساسي وإنما لشراء تلك الآفة يشرونها لأوليائهم ولهم أيضا أما بالخفاء مما استطاع جمعه من مصروفه اليومي وأما ظاهرا .. العجيب هنا أن تسمع الآباء يقولون إن أبناءهم أصبحوا يعرفون هذه النبتة أكثر منهم ويدركون الجيدة منها تماما مما دفعهم إلى إرسالهم للشراء..
في منتصف الطريق يمد يده إليك لتحاسبه .. نظرت إليه بنظرة استحياء .. وتساءلت أين من المفترض بك أن تكون أيها الصغير¿ ولöم أنت هنا..¿ أمن أجل لقمة العيش يخالط من يكبرونه سنا يأخذ ما لديهم ولعل ما لديهم إيجابي..!!
أين والديك¿ وماذا تصنع بمالك¿ أتنفق على أسرتك¿ وأين هي أسرتك ولöم لم يبرز دورها هنا¿
وهل ستقضي حياتك هكذا تترحل بين الحافلات دون لا شيء¿!
ماذا عن مستقبلك وحياتك¿! وما جدوى ذلك المال الذي يذهب نصفه لشراء ذلك السم الأخضر قبل أن يصل إلى أسرتك .. ياصغيري إنك في غنى عن هذه العلكة الخضراء التي ما إن تلوكها بفمك وتبتسم حتى يخيل إلي أنك تأكل شيءا فيه من حلاوة العسل وفائدته..!! قد تكون بعيدا عن هذه الحقيقة أو أنك تدركها كما يدركها غيرك ولكنك تتجاهل هذه المأساة التي تقع فيها أنت وأمثالك فقد أظهرت دراسات طبية حديثة أن معظم حالات السرطان التي يصاب بها الأطفال في اليمن تأتي بسبب مباشر من القات والتنباك.
تعود ..
فيما مضى كنت أنظر إلى كل هذا باستغراب وكأني أرى عالما آخر أحيانا أحاول التحدث مع أحد أولئك الصغار ولكن طريقتهم التي تعودوا عليها في الشارع تجعل من هذا الأمر يبدو صعبا .. ولكن الشيء الوحيد الذي يأخذ مجراه في نفسي هي الحسرة على فقدان تلك البراءة الجميلة وأتساءل أين دورنا في انتشال أطفالنا ومجتمعنا بأكمله من هذه الآفة..¿
وفي حقيقة الأمر حتى لا أنسى أولئك الذين يدافعون عن براءة الطفولة وجمالها ويسعون لبناء مستقبل قوي ابتداء من عندك أنت أيها الصغير نجد البعض يستنكر هذا السلوك.
حرصا منهم على عدم وقوع صغارهم في هذا الإدمان الذي يأخذ في الانتشار يوما تلو الآخر بين أفراد هذه الشريحة العمرية المهمة .. أما القلة المستمتعة برؤيتك أيها الصغير وأنت تمضغ السم الأخضر هم من نخاف على المستقبل منهم .. لأن مكانك الحقيقي أنت ياعماد المستقبل بي دفاترك وأقلامك .. وفي بيئة تساعد على نضج ملكاتك وليس العكس.

قد يعجبك ايضا