أدب الحوار في الإسلام


■الشيخ/ إبراهيم جمعة جمعة محمد –
ربى الإسلام أبناءه على الخلق الإسلامي الرفيع وعلى الأخلاق الفاضلة ومن هذه الأخلاق أدب الحوار التي سنتناول بعضاٍ منها في هذا الموضوع:

منها:
1- لا يستأثر بالكلام: يجب على المحاور والمتحدث بصفة عامة ألا يستأثر بالكلام لنفسه ويحرم الطرف الآخر من الكلام بالإطالة التي تخرج به عن حدود الذوق واللياقة فالاستئثار بالكلام كالاستئثار بالطعام كلاهما منقصة بصاحبه ولعل أسباب الإطالة في معظم الأحوال: إعجاب المرء بنفسه وتصوره أن علمه جديد على الناس – حب الشهرة والثناء – الغفلة عن تقدير الطرف الآخر من حيث العلم والوقت والموقف.
2- بحسن الاستماع: المتحدث البارع مستمع بارع فكن حسن الاستماع ولا تقاطع من تحاور بل استمع إليه كما تحب أن يستمع إليك إن كثيراٍ من الناس يخفقون في ترك أثر طيب في نفوس من يقابلونهم لأول مرة لأنهم لا يصغون إليهم باهتمام إنهم يحصرون همهم فيما سيقولونه لمستمعهم فإذا تكلم المستمع لم يلق له بالاٍ علماٍ بأن أكثر الناس يفضلون المستمع الجيد على المتكلم الجيد.
يقول ابن المقفع: تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ومن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه وقلة التلفت إلى الجواب والإقبال بالوجه والنظر إلى المتكلم والوعي لما يقول.
3- قوة البيان: إن قوة التعبير وفصاحة اللسان وحسن البيان من أركان المناقشة الجيدة والحوار الناجح فكم من حق ضاع لسوء التعبير عنه وكم من باطل ظهر لأن الذي يدعو إليه فصيح بليغ وقد كان أمير الشعراء أحمد شوقي لا يلقي قصائده بل يلقيها عنه سواه لأنه لا يحسن الإلقاء ولو ألقى هو قصيدته لذهب بشطر جمالها.
ولذلك ينبغي للمحاور الجيد أن يضبط كلامه ويتقن لغته لأن الكلام المحكم يترك أحسن الأثر في السامع الذي يفهمه ويجعله يحترم قائله ولنذكر أنه عندما كلف الله موسى عليه السلام بالتوجه إلى فرعون سأل الله تعالى جملة أشياء منها أن يرزقه الفصاحة والبيان “واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي” وليس من البيان استخدام الغريب من الألفاظ وما أجمل ما أوصى به الله رسوله أن يقول “وما أنا من المتكلفين” ومن أجمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم:”وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساٍ يوم القيامة” الثرثارون والمنشدقون والمتفيهقون” والثرثارون هم الذين يتكلفون كثرة الكلام والمتشددون هم الذين يتطاولون على الناس بكلامهم والمتفيهقون هم الذين يتكلمون بملء أفواههم ويتوسعون في الكلام إظهاراٍ لفضلهم على غيرهم.
4- يبدأ بالنقاط المشتركة: يبدأ في حديثه من نقاط الاتفاق فيبدأ بالمسلمات والبديهيات فالحديث على هذا النحو من شأنه أن يطيل أمد الحوار ويجعل بداياته هادئة من ناحية ومنطقية من ناحية أخرى وهذا كله مؤشر إيجابي على احتمالات النجاح ثم إن البدء بنقاط الاتفاق قد يفتح آفاقاٍ للتلاقي لم تكن واردة في الحسبان وهذا يقلل الفجوة ويحعل فرص الخير أفضل والقرآن الكريم يوجه إلى هذه القاعدة قال تعالى “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاٍ ولا يتخذ بعضنا بعضاٍ أرباباٍ من دون الله”.
وقوله تعالى: ” وِقْولْوا آمِنِا بالِذي أْنزلِ إلِيúنِا وِأْنزلِ إلِيúكْمú وِإلِهْنِا وِإلِهْكْمú وِاحدَ وِنِحúنْ لِهْ مْسúلمْونِ ” وقوله تعالى : يِا صِاحبِي السجúن أِأِرúبِابَ مْتِفِرقْونِ خِيúرَ أِم اللهْ الúوِاحدْ الúقِهِارْ “.
أما إذا بدأ الحوار بما هو موضع خلاف أو نزاع فإن ذلك قد ينسف الحوار من أوله أو على الأقل يغير القلوب ويكدر الخواطر ويجعل المتحاورين يفكرون بما يرد به بعضهم على بعض أكثر مما يفكرون في صحة الفكرة المطروحة ويتنافسون في غلبه بعضهم أكثر مما يتنافسون في خدمة الهدف الذي أقيم من أجله الحوار.
5- يبدأ بإثارة العاطفة وتوجيه الاهتمام: قال تعالى ” لِقِدú أِرúسِلúنِا نْوحٍا إلِى قِوúمه فِقِالِ يِا قِوúم اعúبْدْواú اللِهِ مِا لِكْم منú إلِهُ غِيúرْهْ إنيِ أِخِافْ عِلِيúكْمú عِذِابِ يِوúمُ عِظيمُ” وقوله تعالى ” وِإلِى مِدúيِنِ أِخِاهْمú شْعِيúبٍا قِالِ يِا قِوúم اعúبْدْواú اللهِ مِا لِكْم منú إلِهُ غِيúرْهْ وِلاِ تِنقْصْواú الúمكúيِالِ وِالúميزِانِ إنيِ أِرِاكْم بخِيúرُ وِإنيِ أِخِافْ عِلِيúكْمú عِذِابِ يِوúمُ مْحيطُ” وقوله تعالى ” قِالِ يِا قِوúم أِرِأِيúتْمú إن كْنتْ عِلِىِ بِينِةُ من رِبي وِرِزِقِني منúهْ رزúقٍا حِسِنٍا وِمِا أْريدْ أِنú أْخِالفِكْمú إلِى مِا أِنúهِاكْمú عِنúهْ إنú أْريدْ إلاِ الإصúلاِحِ مِا اسúتِطِعúتْ وِمِا تِوúفيقي إلاِ بالله عِلِيúه تِوِكِلúتْ وِإلِيúه أْنيبْ ِيِا قِوúم لاِ يِجúرمِنِكْمú شقِاقي أِن يْصيبِكْم مثúلْ مِا أِصِابِ قِوúمِ نْوحُ أِوú قِوúمِ هْودُ أِوú قِوúمِ صِالحُ وِمِا قِوúمْ لْوطُ منكْم ببِعيدُ”.
6- احترام الطرف الآخر: على المحاور أن يحترم الأطراف الأخرى التي يحاورها مسلمة كانت أو غير مسلمة ويمنحها حقها المتوجب لها من التقدير والتوفير ونحن مأمورون أن ننزل الناس منازلهم فإذا كان الحوار مع شخص مهم أو كبير في السن أو يحتل منصباٍ سياسياٍ أو اجتماعياٍ أو اقتصادياٍ ينبغي أن نحفظ له حرمة المنزلة التي يحتلها حتى ولو كان مسيحياٍ أو يهودياٍ أو وثنياٍ ونختار الألفاظ المناسبة لمكانته ونجامله “بالحق” ونثني على ما فيه من جوانب إيجابية وهذا كله لا ينافي عزة المؤمن ولا واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمهم في ذلك كله أن لا نقع في الملق الرخيص أو النفاق المرذول أو الكذب في إضفاء صفات لا يستحقها المخاطب.
وإن تعاملنا مع الآخرين بهذه الروح الواثقة المؤدية يضفي علينا صفة الذوق والأدب وحسن التأني وهي صفات حميدة يحسن بالمسلم أن يتحلى بها.
وقد خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عتبه بن ربيعة المشرك وناداه بكنيته وخاطبه بما يليق بمكانته فقال: ” قل يا أبا الوليد أسمع”.
والمتأمل في حوار إبراهيم عليه السلام وهو خليل الله مع أبيه الكافر عدو الله يتعلم منه دروساٍ كثيرة يتصل بهذا المقام استفتاح إبراهيم عليه السلام صدر كل جمله “يا أبت” تذكيراٍ له بالصلة القوية التي تربط بينهما وهي رابطة الأبوة والنبوة يقول تعالى” وِاذúكْرú في الúكتِاب إبúرِاهيمِ إنِهْ كِانِ صديقٍا نِبيٍا. إذú قِالِ لأِبيه يِا أِبِت لمِ تِعúبْدْ مِا لِا يِسúمِعْ وِلِا يْبúصرْ وِلِا يْغúني عِنكِ شِيúئٍا. يِا أِبِت إني قِدú جِاءني منِ الúعلúم مِا لِمú يِأúتكِ فِاتِبعúني أِهúدكِ صرِاطٍا سِويٍا. يِا أِبِت لِا تِعúبْد الشِيúطِانِ إنِ الشِيúطِانِ كِانِ للرِحúمِن عِصيٍا. يِا أِبِت إني أِخِافْ أِن يِمِسِكِ عِذِابَ منِ الرِحúمِن فِتِكْونِ للشِيúطِان وِليٍا”.
ومن الإنصاف أن يبدي المحاور إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة والمعلومات الجديدة التي يوردها الطرف الآخر ويسلم بها وربما يقتبس المحاور من كلام صاحبه في وقت لا حق عبارة جيدة تفوه بها في وقت سابق وهذا يفتح قلب الطرف الآخر لقبول آرائه والمفروض أن تكون الثقة متوفرة بين الجانبين عند إرادة الحوار فلا يؤول الكلام إلا بخير ما دام هناك مجال للتأويل الحسن.
وليكن في بالنا أن ذكر الإنسان بما يكره وتنقصه وإظهار جهله وقصوره في العلم (إذا كان المقصود منه مجرد الذم والعيب والنقص أمر محرم وخاصة إذا كان من العلماء المقتدى بهم في الدين).
ومن المبادئ السلوكية التي تعارف عليها الصالحون الإنصاف من النفس وعدم الانتصار لها وأن يوقر صغيرنا كبيرنا وأن يعطف كبيرنا على صغيرنا وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا.
وكان الإمام الشافعي يقول ما كلمت أحداٍ قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعاون وتكون عليه رعاية الله وحفظه وما ناظرني احد فباليت أظهرت الحجة على لسانه أو على لساني.
أما إذا كان النقاش فيه مصلحة عامة للمسلمين وكان القصد إظهار الحق فإن تبيين الخطأ واجب ليحذر من الاقتداء به.
وأما أهل البدع والضلالة ومن تشبه بالعلماء وليس منهم فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم دون فحش في القول او إساءة في النقد وإنما الإنكار عليهم بالحجج الشرعية والأدلة المعتبرة قال أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني فقال عليك بتقوى الله وإن امرؤ غيرك بشيء يعلمه فيك فلا تعيره بشيء فيه يكن وباله عليه وأجره لك ولا تسبن شيئا.
وقالت السيدة عائشة – رضي الله عنها- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.
والنبي- صلى الله عليه وسلم- وهو صاحب الخلق العظيم” لم يكن بالسباب ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ومن وصاياه- صلى الله عليه وسلم-” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم”.
يحاور بالتي هي أحسن:
يقول تعالى أمراٍ نبيه –صلى الله عليه وسلم- كيف يدعو الناس ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”.
ويقول تعال مخاطباٍ نبييه الكريمين موسى وهارون- عليهما السلام:
(اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكرى أذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاٍ ليناٍ لعله يتذكر أو يخشى”
فهذا حبيبنا محمداٍ صلى الله عليه وسلم” أمره ربه أن يجادل بالحسنى وهم أساءوا إليه وكذبوه.
وآذوه وهذا كليم الله موسى وأخوه هارون عليهما السلام يرسلهما ربهما إلى فرعون الذي طغى ويأمرهما أن يلينا القول أملاٍ أن يتذكر أو يخشى فهل نحن أكرم على الله من أنبيائه¿ وهل من ندعوهم أطغى من فرعون¿ إذن فالواجب علينا ألا نسفه آراء من نحاورهم وأن نظهر لهم الاحترام ولو كان على غير رأينا قال تعالى: “ولاِ تِسْبْواú الِذينِ يِدúعْونِ من دْون الله فِيِسْبْواú اللهِ عِدúوٍا بغِيúر علúمُ”.
وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

* عضو البعثة الأزهرية

قد يعجبك ايضا