عبد الرحيم البازلي
لا تَبتئسْ!
فأنا أخوكَ هنا المُغًرَّبُ،
داخلي وطنٌ غريبٌ مثلنا الإثنانِ يبحثُ عن وطنْ.
لا تَبتئسْ!
فأنا أخوكْ.
حُمِّلتُ من كيد المدينةِ،
من غباءِ مسائها، وحماقةِ امرأةِ العزيز،
حَمَلْتُ أهلي كلهم نارًا على كتف المسافةِ،
ما التَفَتُّ، ولا ورثتُ من الأنين خيانةً لدمي، وسَلْهَا – كلما ابتلعتْ خطاي – كم استعان بغيضها حزني المسافرُ من … إلى أقصاهُ يحلُمُ أن يراكَ، يضُمَّ فيك بقِيَّتي؟!،
فأنا وأنت رهينتان تُضِلُّنا الأيامُ لا ندري إلى أين المصيرُ!
الحُبُّ سِجنُ الطيبين؛
لأنه كالنار يجلو كل شيءٍ فاسدٍ؛
ولأنه للروح أقربُ من وليمةِ نزوةٍ كانت تهيئُ أمرها امرأةٌ وتُقسِمُ أنها …
وأنا الأصمُّ .. يدَاي خاليتانِ من وجع التدَلُّلِ، والتَّسَلُّلِ في دهاليز الفراغِ،
ولستُ بالكَلِّ العييِّ بأمرِهِ؛
لو كنتُ بعتُ مُروءتي يومًا لكنتُ هناك عبدَ خطيئتي الأولى، ولكني المهاجرُ أستضيءُ بوحشتي وأمُرُّ منفردًا،
فما لونُ الحماقةِ في يَدِ الشاري وما طعمُ الثمنْ؟!!!
بالأمسِ أقصاني الحَنين،
وألفُ ذئبٍ بانتظاري خلف وجهِ التَّلِّ، فاسكنْ يا شقيقي؛ أنت جُبّكَ حيلتي
وأنا غلامُ الماءِ إبنُ بشارتي،
فإذا انصهرتُ على أسايَ أقمْ عَلَيَّ الظِّلَّ، واسفحْ دمعتينِ على هواكْ.
لا تبتئسْ!
فأنا أخوكَ هنا المُغَرَّبُ حين ضيَّعَني الطَّريقُ
هناك حاكمني الجميع بِحُبِّهِم، وبغوا عَلَيْ،
وأنا أنا،
ما ظلَّ صاحبُك المُضَاعُ وما غوَى،
أنا ما نَسِيتُ لكي أقولَ كما أبي: (إنِّي …)
لأني صُنتُ عَهدَ اللهِ لمّا مِتُّ خلف البابِ إلَّا من يقينْ،
ونزلتُ في سجنينِ – نفسيَ والهوى –
ما تُهْتُ حتى عندما هاجرتُ محكومًا عليهْ،
فلبِستَ من بعدي قميصَ حكايتي، وبدأتَ من حيث انتهيتُ أنا ليُضْنَى في الشجون هوى أبيكْ.
أرأيتَ كيف أناملي بيديك تغتابُ المواجع بي لديكْ!!!!
فأنا وأنت روايةُ ( الآتي إليهِ )،
فهل سنقرَؤُها معًا؟!!!.
ما زال عندي من حديث الدلو (حَسبُكَ أن تكونْ ….)، ونَسِيْتُ ماذا بعدْ؟
أنسانِيهِ حُبّ صحابتي..
الذئبُ
والرُّؤيا
وظلِّي
والقميصُ
وللقميصِ حكايةٌ أخرى،
وسكينٌ،
ومُتَّكَأٌ يغنِّي للنساءِ بحَيِّنَا،
يا صاحِبَيّ ( النَّاي ) إنِّي الآن ربُّكُمَا معًا،
مُذ جئتُ أحملُ في يدي اليُمنى مصابيحي وفي اليُسرى مفاتيحَ المدينةِ،
ما انتظرتُ للهفةِ الوُرَّادِ،
والوُرُّاد أوَّلُ من يذوبُ على رنين الدرهم العبثيْ،
وأجرأُ من يَمُرُّ على منصاتِ الرواج الآدميْ،
فأنا الأحقُّ بلَهفتي،
وبشارتي أَولى
بما في كأسِ هذا القلبِ من تَمرِ الحَنينْ.
أوَ ليس من أجرَى مع الشَّجَنِ السباقَ بقادرٍ أن يستقيلَ من المسافةِ!
أن يخونَ كما سرقتَ صُواعَ قلبي ذات يوم!
ليت المؤدِّبَ بَعضهُ بعضًا تَعلَّمَ مُحتواُه، ليستقرَّ الحقُّ فوق جفونِهَ
كالفجرِ يمتحنُ السكونْ.
أنا لم أكن أعشَى ينامُ على عصاهُ لكي تساومني الرياحُ بزيفها،
أو أن تمد إليَّ ثوب رُواغِها،
فمن البشير؟ هَواكَ؟!!
أم أن البشيرَ هو الذي ألقى عليَّ شجونَهُ ومضى يقولُ لربِّهِ: اذكرني لديك؟!!
وقل لأشجار الغوايةِ فيمَ قد قَطَّعنَ آذان الحكاية واقتلعن لسانها كيدًا وما فَكَّرنَ أن تأتيْ الشهادةُ بالبراءةِ من صَبيْ.
لا تبتئسْ!
فأنا أخوك
وأنت ذات فمي
وحُبكَ خمرةٌ للنور
يَجري تحتها لَحني بحبكَ
كُلما آويتُ في صَدري هواكَ،
وضمَّ قلبي فيك أهلي أجمعينْ.
