يتوهم البعض من تيار الانبطاح والارتهان أن محور المقاومة أو تيار الريديكالية في مواجهة الاحتلال والهيمنة الاستعمارية قد أنهكته معركة الطوفان خاصة بعد اغتيال قادة «حزب الله» وفي مقدمتهم الشهيد المجاهد حسن نصر الله، وتحييد الحزب من خلال تطبيق القرار 1701 ومحاولة تصفية المقاومة الفلسطينية والعدوان على إيران وسقوط النظام في سوريا، وأحكام الحصار على صنعاء، عوامل أو أحداث كفيلة بنظر تيار الارتهان ليزعموا بنهاية المقاومة وان عصر « السلام الأمريكي _الصهيوني» سوف يعم وأن عهد الرخاء لدول وشعوب المنطقة قادم على أيدي أمريكا والرئيس ترامب..!
أعتقد أن كل هذه المزاعم مجرد أحلام طوباوية في مناخ شتوي عربي يتوهم فيه البعض أن في «سراب البقيع ماء» وأن مرحلة قلق انتهت وتلك مجرد أوهام، فلا المقاومة قابلة للفناء والموت، ولا المحور الريديكالي المقاوم قابل للأفول والتسليم بمنطق الانبطاح طالما لم يحقق الشعب العربي في فلسطين حريته وأهدافه في إقامة دولته التي وان وقفت في حدود 1967م مؤقتا فإن هذه الحدود كفيلة بجلب بقية فلسطين وإن على المدى البعيد..
ندرك أن المقاومة ضربت وضُربت بقسوة وان المحور اهتز لكن ما ندركه يقينا أن العدو لم يحقق أهدافه ولم ينتصر رغم وقوف أنظمة العالم بأسره إلى جانبه وفي المقدمة النظام الرسمي العربي، إذ وبعد أكثر من عامين من حرب الإبادة الممنهجة والمتفق عليها سلفا فإن العدو الذي أزبد وأرعد وارتكب من الجرائم بحق الشعب العربي ما لم يسبقه إلى مثلها كل طغاة الأرض خرج مهزوما أمنيا وعسكريا واستخباريا وماليا وحضاريا وأخلاقيا، وخرج محاصرا من كل شعوب العالم الحر الذين يعيدون علاقتهم بهذا الكيان المجرم، بل إن أصدقاءه من العرب يقفون بدورهم مذهولين من الحال الذي وصل إليه العدو صديقهم السري ممن كانوا يراهنون عليه، وكأن هو يراهن أن هذه الحرب إذا ما انتهت سوف تفرش له السجاد الأحمر في أكثر من عاصمة عربية وان اتفاق «ابراهام» المزعوم سوف يفتح له أبواب القصور المغلقة..!
نعم ضرب أصحاب الحق من أصحاب الباطل بسلاح الباطل لكن الباطل لن ينتصر اطلاقا على أصحاب الحق..
ما آلت إليه معركة الطوفان هي أنها زرعت بذور أزمات متعددة في مفاصل المنطقة بأسرها، وفي وجدان وذاكرة الرأي العالمي الذي انقلبت نظرته للكيان وسقطت كل مزاعمه وأساطيره، فيما الاحتقانات انتقلت من النطاق العربي الفلسطيني إلى كل النطاقات الإقليمية والدولية لدرجة أن رعاة الكيان وحلفاءه أصبحوا أكثر خجلا من علاقتهم بهذا الكيان وأكثر خوفا من تبعات جرائمه وما دونته بشاعة العدو في ذاكرة الشعوب سواء منها الشعوب العربية والإسلامية، أو شعوب العالم الحر الذين خرجوا لشوارع مدنهم رافضين الجرائم الصهيونية والصمت الدولي عنها..
بعيدا عما تسوقه بعض وسائل الإعلام العربية والدولية عن اماني وتطلعات الأنظمة والنخب التابعة لها فإن الواقع يؤكد عكس كل تلك التطلعات والأماني، فلا تهجير شعب من وطنه ممكنا، وتهجير الشعب العربي من فلسطين أصبح أكثر من مستحيل، والتطبيع أصبح أكثر استحالة رغم المزاعم المسوقة عبر الإعلام، والمقاومة يستحيل إنهائها طالما هناك عدو محتل، والمؤشرات كلها تؤكد أن لا سوريا قابلة للاستقرار ولا لبنان ولا القلق سيغادر عقول ونفوس الحكام العرب ولا الصهاينة يمكنهم العيش بسلام، ولا أمريكا تقدر أن تقدم لهذا الكيان أكثر مما قدمته له..!
الضغط على المقاومة في الداخل الفلسطيني لن يؤدي إلى نتيجة، لأن العدو يطلب المستحيل، فهو يريد أن يحقق بالسياسة ما عجز عن تحقيقه بالحرب الإجرامية والأزمات متشعبة ومعقدة، فالدولة الفلسطينية المعترف بها العالم مرفوضة من قبل العدو الذي يعبث بكل الاتجاهات والنطاقات ولم يحترم قرارات الأمم المتحدة، ولا مبادرة حلفائه أفلحت في إقناعه، لذلك ورغم ذلك هناك عقلانية دولية رغم كل هذا الصخب، هذه العقلانية لاشك تدين العدو وتجبره على الخضوع والخنوع لمنطق يحفظ للمنظومة الدولية مكانتها واحترامها حتى بين شعوبها وإن عنوة، لأن ما يذهب إليه العدو غير مقبول ولا يمكن أن يترك على عربدته، في المقابل لن تسلم المقاومة وحلفاؤها بمنطق العدو أيا كانت التبعات وبالتالي المنطقة برمتها مرشحة للانفجار وإن على مستويات متباينة فيما هناك عالم مترامي الأطراف يرصد ويراقب ولا يقبل استمرار هذه العربدة الصهيونية..؟
وتبقى فلسطين بكل تعقيداتها هي البوصلة التي تتجه إليها كل الأنظار.. والأيام القادمة كفيلة بتنقية أطياف المشهد.
