كلما مرت الأيام تتكشف للبشر أشياء جديدة لم تكن في الحسبان ، لم يكونوا متوقعين بأن تتحول بهذا الشكل إلى الضد مما أنشئت من أجله ، هذا الأمر ينطبق تماماً على مؤسسة الأمم المتحدة وروافدها ، وفي المقدمة مجلس الأمن ( عفواً مجلس الخوف الأمريكي) فأمريكا حينما تفردت بالقرار وأصبحت هي الحاكم الفعلي تتدبر كل شيء وتُدير كل شيء استحوذت على هيئة الأمم المتحدة ، واستغلت كونها دولة المقر فتحكمت في قرارات هذه الهيئة وما يصدر عن المنظمة ، وبالتالي تحول مجلس الأمن- وهو أعلى قمة في هذه المؤسسة- من مجلس الأمن الدولي ، الذي يحفظ الأمن والاستقرار في العالم ويوفر مناخات الاطمئنان النفسي للدول الضعيفة ، تحول إلى مجلس الخوف الأمريكي يُشرع للحروب ويرهن الشعوب ويجعلها خاضعة لإرادة أمريكا الذاتية ، كل ذلك باسم القرار الدولي .
مما تقدم نُدرك أن القرار الدولي شاخ ، والمنظمة الراعية له تحولت إلى مُجرد وعاء لاستلام المساعدات والعمل على نهبها ، من دون مبالغة نقول إن منظمة الأمم المتحدة وكل ما يتصل بها من هيئات ومنظمات أصبحت البؤر النتنة للفساد والنهب، بل هي من تشرعن الفساد وتُعطيه صبغة رسمية تحت مظلة دولية ، من يتابع ميزانيات هذه المنظمة لمدة عام واحد فقط سيلاحظ كيف أن الفساد استشرى وأصبح فعلاً مقبولاً ومتداولاً على مرأى ومسمع من البشر ، وتحت مظلة العولمة وما يتصل بها من إفراطات ومهازل لا وجود لها إلا في أذهان الصهاينة والأمريكان .
اليوم للأسف الشديد أمريكا بلد الديمقراطية تُحكم بإرادة رجل واحد وبرغباته الذاتية وبمستويات شذوذه السياسي ، ورغبته في أن يتحكم بكل صغيرة وكبيرة ، ويجعل العالم مجرد ساحة لممارسة هوايته المفضلة وهي الاستعباد والاستحمار ، الاستعباد للشعوب التي لا تزال تُفكر ولو بشيء بسيط من الحرية ، والاستحمار للدول الخانعة تلقائياً مثل دول الخليج وما شابهها .
إذاً النظام العالمي أصبح بحاجة إلى تجديد وإلى ثورة داخلية تُزيل الغثاء الذي تراكم في ذلك المبنى الطويل القابع وسط مدينة نيويورك، بعد أن أصبح المبنى مُجرد إسطبل للمغامرات والمراهنات غير السوية ، وتحول إلى سجن كبير لأصحاب الإرادات الشاذة من يطلقون على أنفسهم حُكاماً لشعوبهم، ويلتقون في هذا المكان كل عام ، لا لتبادل الخبرات والاستفادة من البعض ، ولكن لسماع التوجيهات والفرمانات الأمريكية ، والعودة إلى بيت الطاعة لممارسة الحكم واضطهاد الشعوب على نفس الشاكلة ، مع ذلك فإن هذه الأمريكا تُسمي نفسها قبلة الحرية الديمقراطية، لا أدري عن أي حرية أو ديمقراطية يتحدثون في هذه الأجواء المعتمة الملوثة بالحقارات البشرية والممارسات غير السوية التي تخنق البشر وتُشكل عائق أمام تقدم الحياة وتطورها بالشكل الذي يُريده الإنسان أو يتطلع إليه .
وهذا يجعلنا نتساءل بمرارة عن جدوى بقاء ما يُسمى بالمؤسسة الدولية ، بعد أن أصبحت أمريكية تتلقى تعليماتها المباشرة من البيت الأبيض أو من البنتاغون الأمريكي ، دون أدنى مراعاة لمشاعر الدول الأخرى وتطلعاتها الإنسانية ، يتعاظم هذا الأمر في زمن الترامب لأنه يعتبر نفسه السيد الوحيد في عالم كُلهم عبيد ، ولا يُعطي بالاً إلا لدولة الكيان الصهيوني فقط باعتبارها الربيبة والصنيعة الذاتية لأمريكا والغرب .
ولا ننسى هُنا أن نُشير إلى نزوات الدولة العجوز بريطانيا ، فهي التي لا تزال تتحكم في تلابيب القرار الدولي وتضع الخطط والبرامج ، ثم تطلب من أمريكا أن تنفذها على أرض الواقع وتضع لذلك حكايات مغلفة بالديمقراطية والحرية، في حين أنهما أصبحتا مفقودتان عبر السلوكيات والممارسات اليومية .
وهُنا تكمن المشكلة ولابد من ثورة عارمة في نطاق الأمم المتحدة تُغير كل شيء وتصنع هيئة قادرة على حل مشاكل الشعوب بتجرد ودون الانصياع لأي توجيهات فوقية ، والله من وراء القصد …
