
يعتبر المخاض الذي تمر به اليمن هو المرتكز الأساسي لمخرجات الحوار الوطني التي تعتبر جسر الانتقال للمرحلة الجديدة ودولة الأقاليم وهذا الشأن يوجد العديد من المخاوف حول الهوية الوطنية التي قد تضمحل في وسط المشاكل والرؤى إذا لم يفهم أساسيات الدولة الاتحادية المزمع إعلانها وأثرها على الهوية الوطنية والانتماء الوطني فيكمن الخوف من تلاشيها وضياعها….
د. أحمد المخلافي جامعة صنعاء علوم سياسية يؤكد على أن النهج السياسي الثقافي الإقصائي وتغليب مبدأ التمجيد للقبيلة والمناطقية أدى مع مرور الوقت إلى تغييب وغياب الهوية الوطنية في إطار الدولة الموحدة وعدم القبول بالآخر واستيعاب أفكاره ورؤاه وهذا يزيد الخوف على تمزق الهوية التي لم توجد أصلاٍ بل إن الشكل الجديد سيقضي على استمرار الممارسات الإقصائية والتهميش التي تؤثر على النسيج الوطني لأنه ليس أكثر من مجرد حكم ذاتي واسع الصلاحيات.. على أن تقترن الإرادة السياسية مع التخطيط الدقيق لهذا الانتقال (تطبيع) وعلى مراحل تبدأ بالفيدرالية الإدارية وصولاٍ إلى الفيدرالية السياسية مع الأخذ بالاعتبار المشاكل الوطنية الكبرى التي تم ترحيلها لأن المشكلات التي نشأت في الجنوب بعد حرب صيف 94م وما نتج عنها من حراك شعبي في الجنوب يطالب باستعادة الدولة الشطرية بدأت سلمية وتحولت مسلحة وكذلك مشكلة صعدة التي ولدت حركة تتمدد في مختلف مناطق الوطن فضلاٍ عن ظل الأزمات التي تعصف باليمن ويضيف قائلاٍ: إن ما تعانيه البلاد نتيجة الوضع الأمني المنهار والاقتصاد الهش والدولة الضعيفة تجعل الفيدرالية مجازفة خطيرة تشكل تهديداٍ للهوية الوطنية ومستقبل اليمنº الهدف منها تقسيم دولة موحدة وتمزيقها إلى مجموعة أقاليم تديرها حكومة اتحادية سيترتب عليها نشوء دكتاتوريات قبلية صغيرة في الأقاليم ونخشى أن تتعمم ثقافة التعصب القبلي والمناطقي والطائفي ويتحول إلى نزاع بين الأقاليم لذلك يجب أن ندرك بأن الأوضاع لن تستقر في حالة غياب التوافق الوطني سواء كان شكل الدولة القادمة اندماجياٍ أو فيدرالياٍ حينها فقط يمكن أن نطمئن إلى عدم وجود ما يهدد سلامة الانتماء للوطن.
كيان
عبدالله ساري مصلحة الضرائب يضيف بأن الهوية الوطنية في ظل الدولة الاتحادية هي كيان إقليمي أو اتحادي لن يكتب له أي استمرارية أو النجاح المنشود إلا في ظل وجود دولة قوية تتمتع بمكوناتها المادية الكبيرة تكفي لرعاية الأقاليم أما في حال ضعف الدولة المركزية فإن هذا الضعف سوف يتحول إلى عامل لتفكيك هذه الكيانات وسوف تخضع الهوية الوطنية للولاءات المناطقيه والكيانات الصغيرة التي سوف تحاول أن تجد لها مكاناٍ في ظل عدم وجود دافع قوي للاحتفاظ بالهوية الوطنية.
أقاليم وهوية
من جهته يوضح الدكتور محمد بن عبدالله الحميري وكيل وزارة الزراعة والري بأن مستقبل الهوية الوطنية في إطار دولة اليمن الاتحادية وأقاليمها الستة هي الوضع الراهن لهويتنا الوطنية اليمنية لذلك سيكون المطلوب في المرحلة القادمة أن يتفرق الناس ويهتم كل منهم بشؤون الإقليم الذي ينتمي إليه ويقدمون مصلحتهم فيه ومصلحة الإقليم على مصلحة كل الأقاليم اليمنية الأخرى ومن جهة تواجد مصالح خارجية أجنبية تتعامل مع اليمنيين في كل إقليم بطريقة لا يمكن بدونها أن تتحقق مصالح الرعاة الداعمين للشعب اليمني والذين بسبب دعمهم سيتحصلون على أرجحية استثمارية في كل إقليم من مختلف أقاليم بلادنا التي سيتوزعون عليها.
انتماء
الدكتور علي البريهي دكتور علم اتصال وإعلام بجامعة صنعاء يجد أن تجسيد الهوية الوطنية من خلال المشاركة في الدولة الجديدة بالأقاليم الستة ستبرز فيها الهوية الوطنية الحقيقية التي غيبت لعقود وستعود روح الهوية الوطنية من خلال مشاركة أبناء اليمن في الحكم والثروة التي كانت حكرا على قلة فالأقاليم تعني توسيع المشاركة وتوزيع الثروة وهذا سيخلق انتماءٍ حقيقياٍ للوطن بدل الضياع الذي نعيشه فنحن غرباء في وطننا موكداٍ بأن وسائل الإعلام تلعب دوراٍ في توعيه الناس وحثهم على المشاركة والتعايش والبناء فالوطن للجميع وتنمية هذا الوطن مسؤولية الجميع.
ضعف وتفكك
بينما يرى من جهة أخرى المستشار وزارة التربية أ. عبد الوهاب أحمد الخياري أن مستقبل الهوية الوطنية في إطار الأقاليم سيحدث ضعف الثبات وركاكة الانتماء للوطن لأن كل إقليم سيعتبر نفسه دولة مستقلة وفي المستقبل إذا كانت الأقاليم جميعها تؤمن بوحدة الوطن أرضا وإنسانا وطبيعة وتوزيعاٍ عادلاٍ للثروة والحقوق والواجبات بالتساوي لكل أبناء الشعب فلا شك أن مستقبل الهوية الوطنية في إطار الأقاليم سيكون مستقبلاٍ يعزز من الولاء الوطني لدى كل الإفراد ..
مخاوف
ويضيف الصحفي والناشط الحقوقيعبدالله علي النويرة بأن الفيدرالية في الفترة الحالية مطلب غير واقعي كوننا نعيش في حالة من التشتت والتشرذم غير المعلن ولكنه موجود على الواقع وإن كنا نوهم أنفسنا أننا كتلة واحدة موحدة بحيث تتصف بالضعف والهزال لمصلحة الهوية الإقليمية التي سوف توجد نوعاٍ من التناحر بدلاٍ من أن تكون سبباٍ في التنافس للوصول إلى الأفضل وما حصل في المحافظات الجنوبية التي تم تناسي موضوع المشيخات والسلطنات والثارات والنعرات القبلية واعتقد الجميع أنه قد تم محوها من الذاكرة الجمعية ولكن بمجرد أن حصل نوع من الحرية والانفتاح والديمقراطية وإذا بكل ذلك الماضي البغيض يعود بقوة .
دستور وهوية
اما الدكتور يحيى الشعيبي وزير التعليم العالي سابقاٍ يرى انه يجب الانتظار لإعلان عن النسخة النهائية لمشروع الدستور الذي سيتم الاستفتاء عليه لأن الهوية ستكون واضحة المعالم وخاصة إذا التزمت لجنة صياغة الدستور بمخرجات الحوار الوطني فلن يكون هناك خوف من تأثر الهوية الوطنية إذا ما تحولت الدولة البسيطة إلى أقاليم في دولة موحدة فالاختلاف بين الدولة البسيطة والدولة الاتحادية سيكون في الجوانب الإدارية وتوزيع السلطة وتوزيع الثروة والاتجاه كلياٍ نحو اللامركزية الإدارية والمالية ولن تتأثر بذلك الهوية الوطنية على مستوى الوطن حتى وأن وجدت بعض الخصوصيات في الأقاليم المختلفة فلن تطغي على الهوية العامة لأبناء الوطن الواحد.
أشكالاٍ متنوعة
ويضيف المحامي والناشط الحقوقي فهد العميري بأن الهويات الضيقة سوف تتسع على حساب الهوية الوطنية التي عمل على تجذيرها قادة الحركة الوطنية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وسوف تأخذ أشكالاٍ متنوعة منها المناطقية والطائفية والأسرية وكل ذلك سوف ينعكس سلبا على تنمية اليمن وتقدمه وإنسانه إذ لم تكن مشكلتنا الحقيقية في شكل الدولة بقدر ما كانت في عصابة استحوذت على السلطة والثروة وعلى حساب بقية أبناء الشعب وأعاقت وما زالت تعيق بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة القائمة على الحرية والعدالة والكرامة والمواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان وحرياته .