لن ينسى الصهاينة عموما وكيان الاحتلال خصوصا السابع من أكتوبر 2023. في ذلك اليوم المجيد تحطمت الأسطورة الصهيونية، وتبددت الحصانة الأمنية للداخل الإسرائيلي، وانكشف زيف القوة الاستثنائية بهالاتها الدعائية.
في ذلك اليوم وما بعده، عجز خبراء المؤامرات، ومُصنْعو أفتك الأسلحة، ومحترفو قتل النساء والأطفال، عن تفسير ما حدث، فكل الواجهة الغربية قد بذلت أقصى الجهود ووفرت كل أسباب السطوة والهيمنة والإرهاب، لترسيخ المفهوم الأمني وفق نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على الردع، والتفوق الاستخباري، والحسم السريع، مع ذلك سقطت «النظرية» على أيدي مجموعة من المقاومين المحاصرين منذ ما يقارب العشرين عام.
كما وحينها تداعت القيادات الأمريكية والغربية لمواساة الكيان بهذا المصاب غير المتوقع. وفيما ذهبت عصابات العدو المسلحة أو ما يسمى بالجيش لمواصلة الإجرام ضد الفلسطينيين، وجّه راسموا السياسات الصهيونية في المنطقة جهدهم لتحليل معطيات ذلك اليوم أملا في التوصل إلى معرفة الخلل الذي تسبب في هذا الاختراق الفادح.
أربكت التفسيرات الداخل «الإسرائيلي» وبدأت قذائف الاتهامات تنفجر في وجوه القيادات بما فيهم الـ»نتنياهو» الذي وجد أن أفضل طريق للهروب من مواجهة الحقائق التي تضعه ضمن المتسببين بهذه الكارثة الاستراتيجية إلى إعلان حرب إبادة لكل ما هو حيّ في قطاع غزة.
أعادت الأنظمة الإمبريالية المتواطئة تحديث دعمها للعدو ومنحوه الحماية من أي ملاحقة قانونية ليبدأ بارتكاب أجبن عدوان على شعب اعزل بكل أشكال الاستهداف والحصار.
كانت غزة لوحدها قبل أن ينضم اليها محور المقاومة، وفي المقلب الآخر كانت دول الاستكبار التي تأسست جميعها بالتفلّت من أي التزام أخلاقي أو إنساني وازدهرت بـ»سرقة» ثروات الشعوب، إلا أن كيان العدو لم يستطع استعادة ما تسمى بالنظرية الأمنية.
ولا يزال هذا العدو إلى اليوم يحاول التنفيس عن الحالة التي ولدها الطوفان المبارك بتصعيد عملياته، وكل ما شعر أن الفشل يأبى أن يفارقه يزيد في استهداف الأبرياء من أطفال ونساء ومسنين بالسلاح الناري أو سلاح التجويع.
وعندما يتحدث قيادي في القسام قبل أسابيع بأن عملية حي الزيتون ومخيم جباليا ضد العدو الإسرائيلي إنما هي باكورة عمليات “عصا موسى”، ويشير إلى جهوزية المجاهدين لتلقين العدو بما هو أنكى وأن ما «جرى ليس إلا غيضاً من فيض ما ينتظره في غزة»، متوعدا بالقول «إن المقاومة كما أسقطت “عربات جدعون” سابقاً بحجارة داود، فإن “عصا موسى” ستحمل معجزات في الميدان.»، فإن في نغمة الثقة والتحدي هذه ما يؤكد للعدو وداعميه أن الطوفان مستمر رغم همجية ما يسمى بـ»جيش» العدو وقيامه بتسوية المساحة الأكبر من غزة بالأرض.
تلى ذلك عمليات مباغتة، واشتباكات بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية، وتنفيذ كمائن ضد المجندين الصهاينة بالتزامن مع عمليات داخل الكيان المحتل ضد الغاصبين ليزيد هذا العنفوان المستمر من تأكيد الحقيقة بفشل العدو عن إسكات صوت المقاومة.
كان العدو ينتظر بعد ما قام به من جرائم ووحشية أن يظهر قادة المقاومة بيأس وإحباط لإعلان الاستسلام والرضوخ لكل شروطه، لتأتيه المفاجآت بما لم يحتسب، عمليات تنكيل نوعية ومتتابعة من جهة، وتصريحات كلها ثقة وثبات «تركل» غروره بقوة من جهة أخرى.
تيقنت المقاومة أن كيان الاحتلال- الذي فشل في تحقيق أي هدف استراتيجي خلال ما يقارب العامين، والذي فشل في الحفاظ على مجنديه المقاتلين من كمائنها وسقوط الكثير منهم بين صريع وجريح- من الصعب عليه أن يعوّض ما خسره وقد أصبح منهكا سياسيا وعسكريا واقتصاديا.