الولاء السياسي والوظيفة العامة .. ازدواج ماحق!!


■ لابد من بناء مرتكزات الدولة لتكافؤ الفرص
ما إن يطغى الولاء السياسي على الوظيفة العامة حتى تختل مبادئ العدالة في أي بلد وهذا ما تعاني منه مؤسسات الدولة بكل أشكالها المختلفة منذ سنوات ما ترتب عليه فساد يكبح عجلة الحاضر وينافس المستقبل.. ذلك ما أكده في هذا الاستطلاع عدد من المراقبين الذين يرون أن الأحزاب عليها أن تحافظ على أطرها الوطنية قبل أطرها الحزبية ..
البداية كانت مع رئيس قسم السياسة بكلية التجارة بجامعة صنعاء د.بكيل الزنداني حيث يرى أن مستو? الوعي المجتمعي غاية في الأهمية في كثير من الحالات التي تعيشها المجتمعات في العالم النامي حيث يصعب التفريق مابين العمل الحزبي والوظيفة العامة. ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين: الأول غياب القانون المنظم للعلاقة مابين العمل الحزبي الضيق والوظيفة العامة التي هي ملك الأمة وانعدام تطبيقه إن وجد هذا القانون بسبب ضيق الأفق لد? القائمين عل? إدارة العمل السياسي في الدولة سواء كانت أحزاباٍ أو نخباٍ عسكرية والسبب الآخر هو غياب المؤسسات الضامنة لحقوق المواطنين ف? حال استغلال الوظيفة العامة لصالح العمل الحزبي.

استغلال الوظيفة
يتابع د.بكيل: لذلك يتم استقطاب الموظفين العامين لصالح الأحزاب والنخب عل? حساب الوظيفة العامة التي لها علاقة مباشرة بحياة المواطن اليومية والتي لا يجب الزج بها في الصراع السياسي ومن هذا المنطلق وبقصد أو من دون قصد تجد الموظف العام قد وجد نفسه في قلب الصراع السياسي دون أن يدرك خطورة مثل هذا السلوك ليس عليه فقط بل عل? الأجيال القادمة أيضاٍ لأن الوظيفة العامة سوف تتحول من ملك للشعب إل? ملك للقو? السياسية المتنفذة في الدولة وبالتالي تتحول هذه الوظيفة إل? مادة وأداة للصراع السياسي الذي يؤثر عل? مستو? الإنتاج الوطني ومن ثم مستو? التنمية في المجالات المختلفة.
د.بكيل يستدل على ما هو حادث ف? اليمن وعبر سنوات مختلفة ويرى أن الوظيفة العامة استغلت أبشع استغلالاٍ لصالح بعض القو? المتنفذة وبشكل غير لائق أبداٍ واليوم يدفع المواطن الثمن كبيراٍ نتيجة لهذا السلوك الذي مارسته القو? السياسية. يضيف أيضاٍ مثل هذا السلوك يحدث شرخاٍ عميقاٍ داخل المجتمع نتيجة للظلم الذي يحس به كثير من أبناء اليمن الواحد وقد تنتج عنه صراعات لا تنتهي أبداٍ إلا بتفعيل قانون يمنع ويحرم الخلط مابين العمل الحزبي والوظيفة العامة ويكون قابلاٍ للتنفيذ.

معايير وأسس
من جانبه يرى أستاذ القانون الدستوري جامعة صنعاء رئيس قسم القانون العام د.محمد الغابري أن الولاء السياسي داخل الوظيفة العامة نتيجة وجود جوهري في عمل سلطات الدولة المختلفة من أدناها إلى أعلاها لأن العمل الإداري يخضع لمعايير وأسس وقوانين ولوائح وأنظمة ويؤكد: إذا اختل هذا الجانب أو سيرت المؤسسة وفقاٍ للهوى السياسي فإنه يسير نحو هدمها وانهيارها وإيجاد عدم المساواة وتسخير مؤسسات الدولة لأغراض شخصية ومن هنا يحدث انحراف ممارسة السلطة الذي يؤدي إلى فساد وعدم تحقيق الأهداف والأغراض التي أنشئت من أجلها هذه المؤسسات وهي خدمة الوطن والمجتمع.

تدمير لمرتكزات الدولة
في المقابل يلفت أستاذ علم الاجتماع جامعة صنعاء د.فؤاد الصلاحي إلى أنه “وفقاٍ لمختلف القوانين ونص الدستور لا يمكن استخدام الوظيفة العامة أو توظيفها لصالح العمل الحزبي والسياسي لأن في ذلك ممارسة فساد معلن” .. ويقول: الولاء السياسي للحزب أو غيره يجب أن يقترن بالارتباط الحزبي والاقتناع بفكر الحزب أما الوظيفة العامة في مجال مدني فتخضعه للتنافس لمبدأ المواطنة المتساوية لكن واقعنا اليمني من سنوات سابقة يعكس استخدام الوظيفة العامة لصالح حزب معين أو حلفائه من الأحزاب ومراكز القوى.. ويرى أن هذا الأمر لا يزال واضحاٍ في ممارسات الحكومات المتعاقبة من ثلاث سنوات وهو يعني في دلالاته “ممارسة للفساد وتدميراٍ لمرتكزات الدولة وإلغاء لمبدأ دستوري وهو تكافؤ الفرص” حد تأكيده.

حق لكل مواطن
كذلك أستاذ الإعلام المساعد في كلية الآداب جامعة تعز د.عبدالحكيم مكارم يشدد على وجوب فك الاشتباك بين الوظيفة العامة والولاء السياسي.
يقول: إن الوظيفة العامة ترتبط بشكل مباشر بالمواطنة وما يترتب عليها من خدمات لا تتعلق بحزب أو جهة أو منطقة أو سلالة لأن الوظيفة العامة حق لكل مواطن أن يحصل عليها إذا ما توفرت فيه معايير تلك الوظيفة ومتى ما سْيست معايير الوظيفة العامة فإنه وبلاشك سينعكس على خدماتها وحصرها على فئة أو حزب بعينه وبالتالي تفتت المؤسسة الحكومية إلى ولاءات ومراكز نفوذ أشبه بإقطاعيات تبادل المصالح والمنافع وتتلاشى الدولة وتضعف وتنحصر المواطنة في مسميات الحزبية والطائفية وتتسع دائرة الأحقاد والنقمة بين مكونات المجتمع وتتفشى ظاهرة النفاق الاجتماعي على حساب المواطنة المتساوية وقيم العدالة والمساواة والمدنية وتغيب القانون.

السياسة في مكاتبنا
ولا يبتعد الكاتب والمحلل السياسي د.يوسف الحاضري كثيراٍ بل يغوص في عمق إشكالية الازدواج الحزبي بالوظيفي قائلاٍ: للأسف ارتبط موضوع الوظيفة العامة بخيار الولاء السياسي, وأصبحت ثقافة عامة انتهجها القائمون على السياسة وتعامل بها الباحثون عن الوظيفة , فأصبحت ثقافة مجتمعية تتصدر أهداف الجميع, إما للحصول على أكبر عدد من الولاءات خاصة من أشخاص مؤثرين على المستوى السياسي والإعلامي والمجتمعي والعسكري, ومن هذا المنطلق يتعامل الموظف مع وظيفته ومخرجاته وأهميتها للمجتمع والوطن وفقاٍ لما سينعكس بفائدتها على ذلك الولاء السياسي.
ينتقل الحاضري إلى الازدواج الحزبي مع الوظيفي العام حيث يقول: يتم ربط أي إنجازات بشخص أو بجماعة أو بحزب واضعاٍ كل الفضل لها, عوضاٍ عن إهمال أعمال قد تكون مهمة للمجتمع والإنسان بسبب أنها لن تنعكس إيجابا بالجهة السياسية وكلما جاء مكون سياسي حول يكيف الوظيفة والقائمين عليها لصالحه, ولعلنا نشاهد حتى الإعلام الرسمي وكيف يتعامل مع القائم على النظام على مر تواجده في الحكم, وكل هذا ينعكس سلباٍ مع الأيام على الأداء الوظيفي الإيجابي والنجاح المترتب على تلك الوظيفة من أداء مهماتها على أكمل وجه, والإتباع المربوط بالقائم على العمل حتى وإن كان إتباعاٍ أعوجاٍ يؤدي إلى نتيجة عوجاء, لأننا أسسنا السياسة في مكاتبنا! ولم نتركها خارج أسوار الوظيفة حتى ما إن نخرج من الوظيفة حتى نعاود مهامنا السياسية.

عصابات الدولة
من الوسط العسكري يلفت العقيد الركن محمد باعلوي من مكتب قائد قوات الاحتياط إلى أن “هذه الحالة ليست موجودة إلا في العالم العربي والإسلامية… ويقول: وإذا كانت السلطة القائمة وطنية بكل معنى الكلمة فإنه لا مجال لأن تكون هناك ولاءات سياسية على حساب الوظيفة العامة ولا مكان لهذا المفهوم في مثل هكذا دولة.. أما إذا كان القابضون على مفاصل الدولة شلة أو حزب أو قبيلة أو… الخ فإن الولاءات ستتعدد وعلى حساب الوظيفة العامة ويرى أن ذلك شيء طبيعي ويستحيل معالجته مهما ناقشنا وكتبنا وأجهدنا أنفسنا… طالما وجدت شلة أو جماعة أو عصابة في السلطة لا تقيم وزناٍ للعدالة والمساواة وهي السبب الرئيسي لكل ما يصيب جهاز الدولة من خلل وانهيار.

مخالفات وتجاوزات
المجتمع الذي يبدو أكثر المتضررين من إشكالية هذا الازدواج الماحق .. ذلك ما أكده الناشط الحقوقي علي ناصر الجلعي يقول: الولاء السياسي يفقد الوظيفة العامة هيبتها لأن معيار الوظيفة العامة هو تقديم خدمات لكل المواطنين وفقا للقوانين النافذة لكن تقديم الولاء السياسي يفتح أبواب الفساد وتجاوز القانون وتقديم الخدمات لمن لا يستحقها وجعل أشياء كثيرة جدا تفسد الوظيفة العامة ما يترتب عليه ارتكاب مخالفات وتجاوزات كثيرة تنعكس سلبياٍ على مستوى الهيئة أو المؤسسة.

صراع سياسي
مؤتمر الحوار الوطني لامس هذه الإشكالية في مختلف فرق عمله وحاولت مخرجاته وضع ضوابط فك الاشتباك بين الحزبي والوظيفي العام يقول عضو مؤتمر الحوار منير الوجيه: “حينما تكون هنالك مؤسسات للدولة حاضنة للجميع بمعنى أنها بعيدة عن الصراع السياسي فسوف نرى مؤسسات مستقرة لا تتغير ولا تتأثر بأي تغير سياسي وفقط ما سينتج هي إدارة للدولة كأي شركة” .. يضيف معلقاٍ على الواقع الحالي: “لكن في بلداننا حينما يكون هنالك استحقاق ديمقراطي أو صراع سياسي تجد أن الصراع ليس على السلطة التي هي إدارة مؤسسات الدولة وإنما يتم الصراع على الدولة ذاتها بسبب أن هذه المؤسسات بنيت على أساس ولاء سياسي وحزبي مقيت وهذا ما يسبب انهيار المؤسسات لأن الوظيفة العامة التي تدير الدولة قدم فيها الولاء السياسي على الولاء الوطني”.

قد يعجبك ايضا