تتسارع في هذه الأيام موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، في مشهد يبدو وكأنه تحرّك متأخر لتصحيح مسار سياسي فاشل استمر عقودًا، أو بالأحرى محاولة مكشوفة لحفظ ماء الوجه أمام شعوب العالم التي ضاقت ذرعًا بالصمت والنفاق الدولي. والحقيقة التي لا يمكن تجاوزها أن فلسطين كدولة وشعب وتاريخ، أقدم وأعمق جذورًا من كثير من الدول التي تُسارع اليوم إلى الاعتراف بها، فهي ليست وليدة قرار أممي صدر في عام 1967م أو قبله، بل قضية ممتدة عبر آلاف السنين.
تحت ضغط الشارع الحرّ، واستقالة بعض الوزراء الرافضين للإبادة والحصار، اضطرت حكومات غربية إلى مراجعة مواقفها والتراجع خطوة إلى الوراء عبر منح اعتراف طال انتظاره، وكأنها تسعى للتكفير عن سنوات من الانحياز والتواطؤ مع الاحتلال.
غير أن إعادة التذكير بما يسمى “حل الدولتين” يضعنا مجددًا أمام قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1967م، وهو حل ظلّ رهينة بيد كيان استعماري لا يعترف بالقانون الدولي ولا يلتزم بأي من قراراته، بل أقام دولته المزعومة على الدماء والتشريد والاغتصاب، وما زال يعلن مشروعه التوسعي لما يسميه “إسرائيل الكبرى”.
لذلك فإن الاعتراف بفلسطين، رغم أهميته الرمزية والسياسية، يبقى ناقص المضمون إن لم يقترن بخطوات عملية تُلزم هذا الكيان بوقف جرائمه، ورفع الحصار الجائر، وإنهاء الاحتلال بشكل كامل غير منقوص.
ولا يمكن إنكار أن حراك الشعوب، وموجات الغضب الشعبي، والمظاهرات العارمة في مختلف العواصم، كان لها الدور الأبرز في دفع هذه الدول إلى مراجعة حساباتها، أو على الأقل الظهور بمظهر “المنصف” أمام جماهيرها ومحاولة حفظ ماء الوجه. فقد انكشفت الازدواجية، وأصبح معيار المصداقية يقاس بما يُنفذ على الأرض لا بما يُقال في المنابر.
وختاما: إن الاعتراف بدولة فلسطين ليس هبة ولا منّة من أحد، بل هو حق تاريخي وقانوني وسياسي تأخر كثيرًا. ومع ذلك، يبقى الاعتراف بلا قيمة حقيقية إذا لم يتبعه وقفٌ فوري للعدوان، ورفعٌ كامل للحصار، وإنهاءٌ شامل للاحتلال. أما محاولات الالتفاف والتلاعب بالمصطلحات خدمةً لمصالح ضيقة وأجندات خفية، فقد سقطت أمام وعي الشعوب التي استيقظت، وأمام حق فلسطيني ثابت لن يُدفن مهما طال ليل الظلم.