أن تموت بمدينة تعز فهذا يعني أحد أمرين الأول أن فترة إقامة الموتى القدامى في قبورهم قد انتهت وعليه يجب أن يستعدوا لتسليم مفاتيح قبورهم للموتى الوافدين الجدد والخروج منها دون أي اعتراض أو مبررات من شأنها أن تدغدغ مشاعر الأحياء “فإكرام الميت ــ أيها الموتى ــ دفنه ” أما الأمر الثاني فهو تكليف الميت لأهاليه برحلة شاقة للبحث عن قبر لا يسكن فيه أحد وهذا لا يوجد إلا في الارياف كل هذه المعاناة لأن مدينة تعز لم تعد تمتلك مقبرة واحدة فارغة تحتضن جثث الموتى .. أسباب عدم وجود مقابر بمدينة تعز كثيرة تجدونها في التحقيق التالي إلى جانب موقف الجهات ذات الاختصاص بالمحافظة .. نتابع
لم يكن يتوقع أحد أنه سيأتي يوم على مدينة تعز لا تجد في جوفها متسعا لاحتضان أبنائها عند موتهم ولم يتوقع ـ أيضا ـ قدامى سكان المدينة أنهم سيخرجون من قبورهم يوما ما من الزمن بل أن الفكرة لم تخطر لهم بتاتا فالأوقاف التي تركها سكان المدينة المتعاقبون عبر السنين كفيلة بمسح هذه المسألة من خارطة المشاكل التي يعاني منها المواطنون يومنا هذا .
ماذا حدث
على عكس ما كان يتوقعه السكان القدامى للمدينة يحدث اليوم حيث تعرضت المقابر للسطو المنظم من قبل المواطنين والدولة والمتنفذين وتوسعت حملة الأطماع بشكل رسمي ابتداء من الفترة التي أعقبت ثورة 26سبتمبر واستمر الحال كذلك حتى يومنا هذا وقد أكد لنا عدد من رجال العصر ” المسنين ” من أبناء المدينة وأقسموا على ذلك أن أغلب البنية التحتية للدولة والكثير من منازل المواطنين وعقارات المتنفذين قد بنيت على أراضُ كانت موقوفة كمقابر ونظرا لاستمرار ظاهرة السطو على المقابر عبر السنين الماضية فقد محا معالم أغلبها الثالوث المرعب المتمثل بالبنية التحتية للدولة ومنازل المواطنين وطمع المتنفذين ولم يتبق منها سوى ست مقابر كلها ــ في الوقت الحالي ــ ممتلئة علما بأن العدد الحقيقي لمقابر تعز قبل أن تتعرض للسطو لا يعلم عددها أحد لكثرتها من جهة وعدم وجود بيانات رسمية من جهة أخرى ومع أنه لم يتبق من مقابر المدينة سوى ست مقابر إلا أن ما تبقى لم يسلم من أطماع الباحثين عن التوسع على اختلافهم حتى أن مساحة أغلبهن لن تتجاوز مئات الأمتار بعد أن كانت بالآلاف ومن تلك المقابر التي تعرضت للاعتداء مقبرة “الأجينات ” التي أوقفتها الأميرة جهة الطواشي زوجة الملك الأشرف سابع ملوك الدولة الرسولية التي كان طولها يمتد لآلاف الأمتار ابتداء من موقعها الحالي وحتى شارع 26 سبتمبر ـ حسب إفادة السكان القدامى ــ وهذا يعني أن ثلثي أرض المقبرة تقاسمتها الدولة لغرض البنية التحتية من شوارع ومرافق حكومية والمواطن لبناء منازل وعمارات .
موتى مضطهدون
بعد أن امتلأت المقابر الست المتواجدة حاليا بمدينة تعز عمد السكان هناك إلى دفن موتاهم بطرق ــ جدا ـ غريبة ومحزنة وشاقة للغاية في معظم الأحيان بل إن بعض طرق الدفن تعد مخالفة لتعاليم ديننا الاسلامي الحنيف الذي حفظ للانسان كرامته حيا وميتا وتقع طرق الدفن في مدينة تعز في ثلاث صور الأولى وهي الأكثر مأساوية طريقة الإحلال أي استخراج ما تبقى من رفات الموتى الذين انقضى على موتهم فترة من الزمن ودفن الموتى الجدد في أماكنهم ويلجأ إلى هذه الطريقة الكثير من سكان المدينة الأصليين من ذوي الطبقة ” المطحونة” أما الصورة الثانية لطرق الدفن فتتمثل بخروج الأهالي إلى المناطق الريفية القريبة من المدينة للبحث عن قبر يدفنون فيه موتاهم وهنا يجدون في الغالب متسعا لمبتغاهم ولكن بتكاليف مرتفعة نوعا ما وقريبا من هذه الطريقة تأتي الطريقة الثالثة ولكنها خاصة بسكان المدينة المنتقلين حديثا إليها من الأرياف مع احتفاظهم ببعض أملاكهم وخطوط الوصل مع أهاليهم هناك حيث يتم نقل المتوفى في المدينة إلى مقابر قراهم.
واقع مأساوي
مدير إدارة المساجد والمقابر بمكتب أوقاف تعز منصور الشيباني تطرق في بداية حديثه الصريح إلى واقع سعة المقابر وطرق الدفن من جهة والاعتداء عليها من جهة أخرى فقال ” من المؤسف حقا أن تتعرض أغلب مقابر المحافظة للاعتداءات المتكررة سواء في المدينة أو في القرى “الريف” وهو الأمر الذي نتج عنه قلة عدد المقابر وضيق مساحة المتبقي منها بالأخص في المدينة مما أدى إلى امتلاء مقابر المدينة الست بكاملها وقد اضطر هذا الواقع كثير من المواطنين إلى دفن موتاهم عن طريق الإحلال أي إخراج رفات أو عظام موتى سابقين لدفن الميت الجديد وقد سبق وأن قمنا بالتعاون مع قوات الأمن بضبط مثل هذه الحالات ” وعن الحلول التي يمكن أن تتخذ لحل المشكلة وسبب تأخيرها يقول ” تتمثل الحلول في البحث عن مقابر جديدة وإيقاف عمليات الاعتداء على المقابر لكن ما يؤسف عدم وجود جدية في هذا الموضوع بالرغم أننا قد طرحنا الموضوع على السلطة المحلية بالمحافظة قبل فترة كما أن موضوع وقف الاعتداءات يتوقف على تعاون الجهات الأمنية والنيابات التي لم تبت حتى اللحظة في الكثير من القضايا المرفوعة إليها في هذا الجانب “
البركة بالموجود
” ما فات مات ولك الساعة التي أنت فيها ” ربما هذا هو لسان حال أغلبية المواطنين بمحافظة تعز الذين لم يعودوا يطمعوا باسترجاع موقوفات المقابر التي راحت هدرا منذ أعقاب ثورة سبتمبر وحتى نهاية القرن الماضي ما يبحثون عنه هو تحرك الدولة لحماية ما تبقى من تلك المقابر من أطماع المتنفذين الذين استغلوا ترهل وتراخي الدولة وقال المواطن سعيد عبدالجليل أن الكثير من المقابر خصوصا التي تقع على أطراف المدينة تتعرض بين الحين والآخر لاعتداءات ومحاولات بسط عليها وقد قمنا أكثر من مرة بإبلاغ الجهات المختصة بحماية الأوقاف بذلك غير أنهم لا يحركون ساكنا أما المواطن ” ع .م ” فقد بذل مجهود أكبر فقام بمتابعة بلاغه إلى مكتب أوقاف تعز وقدم لهم أربعة أسماء انتهكت حرمات المقابر وكان آخرها مقبرة “جبل العراقي “الكائنة فوق سوق قمل وهو ذات الأمر الذي اكدته وثيقة صادرة من مكتب أوقاف المديرية تحت توقيع مديرها عبدالكريم يوسف وبنفس الأسماء توجه بها إلى مدير عام مكتب الأوقاف بالمحافظة الذي بدوره وجه إدارة المساجد والمقابر لتحرير مذكرة لضبط الجناة وتقديمهم للنيابة غير أن الأمر على أرض الواقع يختلف تماما عما هو في المذكرات الرسمية فالناس لا يرون شئيا .
مسؤولية الدولة
أعلنت المقابر بمدينة تعز منذ سنين عن إمتلاءها تماما يأتي ذلك في الوقت الذي تحتاج المدينة سنويا إلى توفير مساحة لـحوالي 13 ألف ميت لا تقل عن 26 ألف متر تقريبا بمعدل مترين لكل ميت وذلك على اعتبار أن معدل الوفيات يبلغ 11 شخص في الألف أي حوالي 40 ألف حالة وفاة بالمحافظة البالغ تعدادها تقريبا 4 مليون نسمة 30% منها نصيب المدينة وعليه وبالضرورة يتوجب على قيادة المحافظة العمل على البحث عن مقابر جديدة من جهة وإيقاف عمليات الانتهاكات للمقابر من جهة أخرى ما لم فإن المسئولية عليهم حرام .