“جثث” ثلاجات المستشفيات تنتظر “إفراج الدفن”


(إكرام الميت دفنه) لم يجد هذا الأمر طريقه عند البعض ممن يرفضون دفن موتاهم إكراما بل تركوهم حبيسي أدراج ثلاجة المستشفى التي أهانت كرامتهم بالتعفن ثلاجات الموتى بالمستشفيات الحكومية تعاني من تراكم شديد للجثث ولم تبق جثة لا تعاني من تعفن كامل لها فهناك جثث تسكن أدراج الثلاجات منذ سنين ولم يتم تشريحها إلى الآن لأسباب كثيرة منها التكاليف الباهظة لقيمة التشريح ومنها تأخر بت القضاء في القضايا الجنائية المتعلقة بها ومنها قلة الأطباء الشرعيين فإلى متى سيظل هذا الاستهتار¿ وأين ستسكن الجثث القادمة والمستشفيات تعاني اكتظاظاٍ لا حدود له¿

(ع.ع ): إحدى الجثث المجهولة الهوية التي توفى صاحبها وعمره يقارب الخمسين عاماٍ ولم يتم التعرف على هويته مكثت في ثلاجة المستشفى لمدة ثمانية أشهر دون علم الأهل إلى أن جاء قرار الدفن من المحكمة وبعد أن تم الدفن بأيام جاء الأهل يبحثون عن مفقودهم والتعرف على الصورة إلا أنهم لم يعترضوا على الدفن الذي أقرت به النيابة .
أما ( أ.أ ): مجني عليه كانت وفاته جنائية لا يزال في الثلاجة منذ عام مضى.. إلا أن أهله رفضوا دفنه وإكرامه إلى أن يتم الاقتصاص له من الجاني -حد قولهم- ولازالت القضية عالقة والمجني عليه يمكث في الثلاجة إذ وملامحه تختفي تدريجياٍ.
ازدحام الجثث
علي الحكمي – مسؤول الثلاجة بمستشفى الثورة العام يقول: يوجد في الثلاجة حوالي 46 درجاٍ بينما الجثث تفوق الـ100 جثة حيث يتم وضع ثلاث جثث في كل درج ويعتبر ذلك زيادة عما تتحمله الثلاجات فهناك جثث تركها بعض أصحابها لأكثر من سنتين بسبب عدم معرفة الجاني وعدم بت القضاء في بعض القضايا مجهولة الهوية. وأكد أنه لا يأتي أمر الدفن إلا وقد اختفت ملامح الجثة تماماٍ وتعفنت وهذا ينافي الدين لأنه بعد أن يكشف عليها الطبيب الشرعي ويصورها المعمل الجنائي لا داعي لمكوث الجثة في الثلاجة.
وحول إذا ما كانت هنالك مواد معينة تستخدم لحفظ الجثث مدة أطول داخل الثلاجة يقول: لا يستخدم شيء غير برد الثلاجة فقط وفي حال انقطع التيار الكهربائي فإن هناك مولداٍ تابعاٍ للمستشفى وقال: لقد عانينا بالفعل في 2011م عندما تعطل المولد وكانت الكهرباء منقطعة مما أدى إلى حدوث تعفن في الثلاجة والجثث ومن ثم تم نقلها من ثلاجة إلى أخرى مباشرة .
ثلاجات خاصة
وأضاف الحكمي: وصلت إلينا جثتان نتيجة قضية قتل فاضطررنا إلى عدم قبولها لعدم وجود مكان في ثلاجة المستشفى إلا أن الأهل قاموا بشراء ثلاجة خاصة بمحلات بيع المواد الغذائية وإدخال جثث المقتولين فيها. وناشد الجهات المعنية سرعة متابعة القضايا أولاٍ بأول في النيابة والمحاكم ورفع التقارير واستكمال الدفن حتى لا تبقى جثة في الثلاجة وقتاٍ طويلاٍ إكراماٍ للميت وتفادياٍ للازدحام الشديد داخل ثلاجة المستشفى .
دور البحث الجنائي
أما طبيعة عمل البحث الجنائي فهي استقبال جميع الحالات الجنائية والجثث المجهولة والمعلومة وإخراجها طبقاٍ لمحمد الزايدي – مسئول البحث الجنائي بمستشفى الثورة العام بصنعاء الذي يؤكد أنهم يقومون بكل الإجراءات عند دخول الجثث المجهولة وتصويرها حتى يتم التعرف على الشخص من الصورة إذا كان هناك من يبحث عنه وإذا ثبت أنه نفس الشخص يكون إخراج الجثة عبر المتابعة في النيابة سواء كانت الوفاة جنائية أو طبيعية بعد الكشف عليها من قبل الطبيب الشرعي ومن ثم تسليمها لذويها. وعن الجثث التي لم يتم التعرف عليها قال: نقوم بدفنها بأمر من النيابة وذلك بعد الإعلان عنها في الصحيفة الرسمية مؤكداٍ أنه أحياناٍ يتم دفن جثث لمجهولين وقد مضى على وجودها أكثر من سنة ومن ثم يأتي الأهل ويتعرفوا على الصورة فنوضح لهم بأنه تم الدفن بإجراءات قانونية بعد تكفينهم والصلاة عليهم وثم ندلهم على مكان القبر.
وأما بالنسبة للأشخاص المجهولين أشار مسؤول البحث إلى أن هناك جثثاٍ تأتي من قبل أقسام الشرطة بشكل مستمر كان السبب قتلاٍ بسلاح ناري أو طعناٍ أو شجاراٍ أو سقوطاٍ أو انتحاراٍ أو طبيعياٍ ويتجاوز أعمارها بين 20 و40 عاماٍ. وأما الجثث المجهولة فالغالب أعمارها بين 45 و70عاماٍ وهي إما (لمجانين أو من لا أقارب لهم) وعندما يتوفى شخص في قضية جنائية في أي مستشفى خاص يتم إيصال الجثة إلى مستشفى الثورة العام فمنها ما يبقى في الثلاجة ومنها ما يتم إخراجه اليوم الثاني مباشرة في حال وجود أهل الجثة.
ولفت الزايدي إلىٍ أنه في حين تزدحم الثلاجة يتم الرفع بكشف أسماء الجثث عبر مذكرة من إدارة المستشفى إلى النيابة العامة حيث أكد وجود إشكاليات لعدم وجود أدراج خالية داخل الثلاجة إضافة إلى أن العاملين بالثلاجة لا يتمكنون من استيعاب الجثث القادمة لأن الطاقة الاستيعابية للثلاجة لا تزيد عن 46 جثة.
جثث مجهولة
كما أوضح مسؤول البحث الجنائي بمستشفى الثورة بصنعاء أن هناك الكثير من الجثث التي تم الإعلان عن دفنها إلا أنه يتم توقيف الدفن بمذكرة من النيابة بسبب أقارب صاحب الجثة أما الدفن الجماعي فيتم بعد الإعلان في صحيفة الثورة بشهر ومن يقرأ الإعلان يأتي لاستلام الجثة بأمر من النيابة بسهولة والذي لم يأت يتم دفن الجثة من قبلنا وبعض الأحيان تحدث لنا مشاكل مع أقارب الموتى الذين تم دفنهم. مبيناٍ أن النيابة تعمل حالياٍ على ان يتم الدفن في العام مرتين بعد أن يتم الكشف عليهم من قبل الطبيب الشرعي وتصويرهم وعمل إعلان في الصحيفة الرسمية وإن تم التعرف عليهم تتم إجراءات الدفن وأما الذين لم يتم التعرف عليهم وأكثرهم مجانين يتم دفنهم من قبلنا بحضور النيابة.
وأكد أن عدد الجثث المجهولة نحو 20 جثة في السنة حيث قلت نوعاٍ ما في السنوات الأخيرة إلا أن هناك جثثاٍ جنائية تمكث في الثلاجة لأكثر من عام فيأتي أمر الدفن من النيابة ولو بدون إذن الأهل حينها يظهر أهل الجثة ويمنعوا الدفن ويتم طلب الطبيب الشرعي لمعرفة كيفية الوفاة.
غموض وقصور
عزي المساجدي – مدير مكتب البحث الجنائي بالمستشفى السعودي الألماني يرجع سبب وجود الجثث الجنائية التي تمكث في الثلاجة مدة طويلة إلى رفض أقارب المتوفي دفنها أو لعدم استكمال إجراءات المعمل الجنائي والطبيب الشرعي أو في حالة عدم وجود الجاني أو غموض القضية أو تقييد القضية ضد مجهول. وقال: في هذه الحالة يتم التنسيق مع الجهات المختصة في النيابة ونقلها إلى مستشفى الثورة العام أو أي مستشفى حكومي آخر برضاء أهل الجثة وذلك بسبب التكاليف الباهظة في المستشفيات الخاصة.
موضحاٍ أن هناك قصوراٍ في وسائل الإعلام والجهات الأمنية والنيابة حول الجثث المجهولة من حيث عدم وجود التنسيق المناسب. ويرى ضرورة إنشاء إدارة أو قسم خاص بمتابعة قضايا الجثث المجهولة وذلك لمتابعة التنسيق بين الجهات الأمنية والنيابة ووسائل الإعلام لاستكمال الإجراءات القانونية بخصوص الإعلان عنها في الصحيفة الرسمية خلال مدة كافية أو في بقية وسائل الإعلام المرئي واستكمال إجراءات الدفن.
الطب الشرعي
لكن ماذا بشأن الطب الشرعي¿
الطب الشرعي معاناته كثيرة حيث لا يوجد أطباء شرعيون بالقدر الكافي في الجمهورية بشكل عام بل هناك من تخلى عن هذه المهنة بسبب الدخلاء على المهنة وأيضاٍ بسبب عدم إعطائهم حقوقهم. يقول الدكتور علي علي التركي – أستاذ الطب الشرعي المساعد ونائب رئيس قسم الطب الشرعي بجامعة صنعاء: إن كل من يعمل في الطب الشرعي في اليمن هم أطباء عموم وليسوا متخصصين ولا يوجد في اليمن سوى اثنين في صنعاء واثنين في عدن من الأطباء الشرعيين الأساسيين وهنا تكمن الإشكالية حيث يتم فحص الجثث في كثير من الحالات الجنائية فحصاٍ ظاهرياٍ بحتاٍ من قبل الدخلاء على المهنة وهم أطباء عموم. مؤكداٍ على أن هناك حالات كثيرة يتم فيها تشريح الجثة بشكل سطحي وكتابة تقارير مزيفة لإخفاء الحقيقة وإغلاق الملف خاصة إذا كانت القضايا جنائية.
تقاعس
الملاحظ بشكل كبير تزايد عدد الجثث في المستشفيات وتعفنها بسبب التكاليف التي ترفض الجهات المعنية إعطاءها لأطباء تشريح الجثث في حين أن أهل هذه الجثث لا يستطيعون دفع ثمن تشريحها. وهنا يؤكد الدكتور التركي أن كل الجثث التي قام بتشريحها في الآونة الأخيرة كانت متعفنة تماماٍ والأسباب كثيرة منها طول مدة مكوث الجثة في الثلاجة وكذا درجة التبريد للثلاجة حيث لابد أن تكون درجتها صفر مئوية بالإضافة إلى انطفاء الكهرباء المتكرر وهذا يسبب التعفن مباشرة خلال 24 ساعة خاصة وأن أقصى مدة لمكوث الجثة في الثلاجة لا يتعدى 48 ساعة كما في الدول الأخرى حيث بعد ذلك يتم تشريحها مباشرة سواء تواجد أهل الجثة أم لا .
وبالنسبة للتغييرات التي قد تحدث للجثة إذا طال مكوثها في الثلاجة يقول أستاذ الطب الشرعي علي التركي إن كل ملامح الجثة تتغير وتتعفن من الداخل والخارج ونحن مستعدون لتشريح الجثث كاملة في الجمهورية بأكملها إذا تعاونت الجهات المعنية معنا فعملنا ليس بالهين أو السهل ولكن إذا تقاعست الجهات المختصة فسوف تزداد الجثث ولن يكون هناك مكان كافُ لدخولها الثلاجات وقد أعذر من أنذر.

قد يعجبك ايضا