في كل عام نستذكر مولد خير البشر، محمد صلى الله عليه واله وسلم، الذي جاء إلى الدنيا ليس مجرد إنسان بل نورًا أشرق على قلوب البشر وأشعل شعلة الهداية في عالم غارق في الظلمات. منذ لحظة ولادته بدأت الأرض تشهد ميلاد الأمل وأشرقت الحياة بطلائع الخير في زمن كان يختنق فيه الناس بالجهل والأوثان والخرافات وانعدام العدالة وغياب الرحمة والكرامة الإنسانية.
لقد جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليعيد للإنسان قيمته ويعلّم أن لكل نفس حقها وأن الكرامة ليست حكرًا على أحد. رفع شأن المرأة وجعلها متساوية في الحقوق، وحث على البر بالوالدين وحسن الجوار والصدق والكرم وحسن الخلق ومكارم الأخلاق، فكانت تعاليمه صلى الله عليه واله وسلم نقطة الانطلاق لتحويل مجتمع ضعيف وممزق في مكة، إلى أمة متماسكة قادرة على مواجهة أصعب التحديات لتصبح بعد سنوات قليلة قوة عظيمة امتدت من الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا، حضارة تبني الإنسان على الفضائل والقيم.
لقد أخرج الإسلام الناس من عبادة العباد، ومن أسر الوثن والخرافات وجعلهم يعبدون رب العباد الواحد الحق وأعاد لهم هويتهم وأكد أن الحرية الحقيقية تكمن في الطاعة لله، وأن القوة لا تتحقق إلا بالعدل، والرحمة والأخلاق الرفيعة.
كل خطوة في حياته صلى الله عليه واله وسلم كانت درسًا وكل موقف درسًا في الصبر والشجاعة، والتضحية من أجل الحق وحسن العشرة، ومكارم الأخلاق.
في مولده الشريف صلى الله عليه واله وسلم ولدت البشرية من جديد وبدأت رحلة التحول الكبرى، رحلة من الظلام إلى النور ومن الجهل إلى الحكمة ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد الواحد.
كانت رسالته صلى الله عليه واله وسلم رحمة للعالمين ونورًا لكل قلب مخلص يبحث عن الحق ودليلاً لكل روح تبحث عن العدالة والقيم الإنسانية.
لقد كانت مكة قبل دعوته صلى الله عليه واله وسلم ضعيفة متفرقة، مجتمعًا تحكمه الأعراف القبلية والمنافسات الضيقة والأوثان لكن حضوره أشرق كبداية نور هادٍ، وكأساس لبناء أمة تنهض على الحق والعدل والرحمة، أمة تتحدى الصعاب والمحن وتعلّم الإنسان قيمة الإنسان وكرامة المرأة ومقدار المسؤولية تجاه المجتمع بأسره.
وفي المدينة تحققت أبعاد رسالته صلى الله عليه واله وسلم أكثر فالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وبناء المجتمع على أساس الرحمة والعدل، وحفظ حقوق الجميع، علم الناس أن الإسلام ليس دينًا طقوسيًا فقط بل حياة كاملة، وقيمًا تحمي الإنسان وتعلّمه أن يعيش بكرامة وحب للخير والحق.
ومع مرور السنوات امتدت دعوته صلى الله عليه واله وسلم لتشمل أرجاء الأرض، فأصبح الإسلام قوة حضارية حقيقية أخرج العباد من عبادة العباد ومن أوهام الوثن والخرافات، وفتح أمامهم أفق المعرفة والرحمة والعدل والحرية الحقيقية، حتى بلغت حضارته أوجها من الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا.
إن الاحتفاء بمولده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم ليس مجرد ذكرى ميلاد إنسان، بل تأمل في أعظم رسالة عرفتها البشرية ودعوة للاستلهام من حياة أرفع الخلق وكيف يمكن للإنسان أن يرفع قيمه وأخلاقه، وينشر الخير والرحمة في كل مكان.
كل كلمة نقرأها عن سيرته، وكل موقف نتأمله يجعلنا ندرك أن حضوره صلى الله عليه واله وسلم هو نور حي، لا ينطفئ، يضيء قلوبنا وعقولنا ويهدينا إلى الطريق المستقيم ويجعل من كل يوم فرصة لنقتدي بقيمه وأخلاقه ومبادئه.
محمد صلى الله عليه واله وسلم لم يكن مجرد نبي بل هو الحق الذي قلب حياة البشر رأسًا على عقب، وأعاد للإنسان مكانه الطبيعي، وعلّم الأمة كيف تُبنى حضارة قائمة على العدالة والمعرفة والرحمة، وكيف يعيش الإنسان بالكرامة والصدق وحسن الخلق وحب الخير للآخرين.
إن الاحتفاء بمولده الشريف هو تذكير حي بأن هذه الرسالة حيّة وأننا مسؤولون عن حملها في حياتنا اليومية كما حملها صلى الله عليه وآله وسلم بأمانة وإتقان.