الأسرة الساحلية مشاعر متأرجحة بين كرم البحر وقسوة أمواجه الغادرة


● يحل الشتاء على الاسرة اليمنية في الساحل الغربي للبلاد ثقيلا وقاسيا وتمضي ساعاته ولحظاته بطيئة وعسيرة على الاطفال والنساء الذين يودعون آباءهم وأبنائهم مع كل رحلة بحرية واكفهم على قلوبهم خوفا واشفاقا من أهوال الشتاء وويلات الرياح الشديدة التي تهب على الساحل في مثل هذا الموسم من العام مخلفة ضحايا كثرا في أواسط هؤلاء الاباء الذين يجدون انفسهم مجبرين على ركوب الخطر والمغامرة بحياتهم في سبيل ضمان لقمة عيش لاطفالهم .
“الاسرة” لامست هذه المخاوف المكنونة في نفوس افراد الاسرة الساحلية ووقفت على عدد من الحوادث الكارثية التي تعرضت لها اسر في تجمعات الصيادين على طول الساحل الغربي في محاولة للبحث عن المسببات والوصول الى المعالجات المناسبة
ذكريات مريرة وأحداث مؤلمة
علامات القلق والرعب تلاحظها بوضوح مرتسمة على وجوه نساء واطفال الصيادين فمع كل رحلة بحرية يخوضها الرجال يكون الرعب والخوف من المجهول قد بلغ ذروته في نفوس ذوي الصيادين..
وما يزال الحاج عبده فتيني وهو من ابناء محافظة الحديدة يتذكر بشجن وحزن عميقين ولديه علي ومحمد اللذين خرجا ذات مساء شتوي قارس من منزلهما باتجاه البحر في رحلة بحرية قبل 3 سنوات ولكنهما لم يعودا ابدا ولم يعثر لهما على اثر ولا على قاربهما الى الآن .. الشيخ المكلوم كما يروي عنه جيرانه يعمد مع حلول كل مساء الى الجلوس الى شاطئ البحر مخاطبا الامواج: ماذا فعلت بولدي وماذا فعلا بك حتى ينالا كل هذا الظلم من قبلك ايتها الامواج الظالمة القاسية ..
قصة هذا الرجل الحزين ليست سوى واحدة من بين عشرات الحالات المماثلة التي حلت باسر الساحل الغربي وخصوصا في موسم الشتاء..
ولعل آخر هذه النكبات الاليمة والقاسية ما حل باسرة قادري اهدل بمنطقة القطابا الساحلية التي تقع الى شمال مدينة الخوخة على بعد بضعة كيلو مترات والتي فقدت الاسبوع الماضي 3 من أبنائها وهم الشقيقان احمد ومحمد قادري وابن عمهما ونسبهما سليمان محمد وهذا الاخير هو صاحب القارب المنكوب.
هذه الاسرة افاقت على صدمة فقدان عائليهما الثلاثة اثر حادثة ماسأوية وقعت في المياه الاقليمية اليمنية قبالة سواحل باب المندب.
الحادثة الماساوية التي تعرضت لها اسرة قادري اهدل تمثلت في وفاة 3 من افرادها وغرق القارب الذي يعد مصدر رزق الاسرة .
ويقول سليمان عبدالله عضو المجلس المحلي بمديرية الخوخة بأن الصياد سليمان محمد خرج على قاربه الصغير “فيبرجلاس” قبل ايام برفقة اثنين من ابناء عمه هما محمد واحمد قادري ومعهم 3 صيادين اخرين من ميناء باب المندب ولان الرياح الموسمية تهب بشدة في مثل هذا الفصل من العام كانوا على موعد اليم مع القدر الذي لا يرحم ..
ويشير الى ان الرياح تسببت في انقلاب القارب فاضطر الصيادون السبعة الى التمسك بالقارب ومصارعة الامواج العاتية لمدة ايام وقد خارت قواهم فتساقطوا واحدا تلو الاخر ولم ينج\ الا صياد واحد بعد ان صمد 6 ايام بلياليها الى ان مر قارب اخر مصادفة من مكان الحادث فوجد هذا الصياد ويدعى ياسر الزهاري وهو في حالة حرجة وفي الرمق الاخير ليقدموا بإسعافه الى جزيرة زقر حيث تلقى الاسعافات الاولية قبل ان يتم نقله الى مستشفى مدينة الخوخة ..
ووصل هذا الصياد كما يؤكد مدير مكتب الصحة العامة والسكان بمديرية الخوخة الدكتور عبدالله زهير وهو خائر القوى ويعاني من صدمة نفسية شديدة جراء ما تعرض له حين شاهد زملاءه الستة يموتون واحدا تلو الآخر طيلة الستة الايام التي قضاها في الامواج الشديدة .. مشيرا الى ان هذا الصياد نجا بأعجوبة وكتب له عمر جديد بنجاته من هذا الحادث المروع ..
أحزان وآلام
عاشت اسرة قادري اهدل ولا تزال احزانا عميقة جراء فقدان ثلاثة من ابنائها وتؤكد مصادر محلية بمنطقة القطابا بان هذه الاسرة التي جل افرادها من النساء والاطفال باتت في وضع صعب للغاية جراء هذه الكارثة التي حلت بهم وخلفت وراءها الكثير من الآلام المتواصلة وتضاف هذه الحادثة الاليمة الى حوادث مماثلة عديدة حدثت في الماضي ولا تزال تحدث باستمرار خلال فصل الشتاء القاسي الذي يحل بألامه واحزانه على اماكن تجمعات الصيادين على طول الساحل الغربي للبلاد .
ويقول سالم صديق عضو الاتحاد التعاوني السمكي بأن رياح الشتاء غالبا ما تخلف خسائر بشرية ومادية باهضة في اواسط الصيادين خاصة من اصحاب القوارب الصغيرة والمتوسطة حيث يضطر هؤلاء الى البقاء لممارسة مهنة الاصطياد في البحر الاحمر خلال هبوب رياح الشتاء اذ لا تساعدهم قواربهم الصغيرة على الرحيل بعيدا الى سواحل خليج عدن والبحر العربي كما يفعل اصحاب القوارب الكبيرة في فصل الشتاء لذلك فهؤلاء يتعرضون لحوادث اليمة..
ويؤكد صديق وهو من ابناء مديرية الخوخة بأن ممارسة الاصطياد التقليدي في سواحل البحر الاحمر خلال الشتاء بمثابة المغامرات الخطيرة خاصة وان هؤلاء الصيادين لا يحرصون على اقتناء وسائل السلامة البحرية ولا يمتلكون الوعي بأهميتها ولا الامكانيات المادية التي تساعدهم على ذلك .
ضرورات لا بد منها
غياب وسائل السلامة البحرية من معدات سياحية واجهزة اتصالات واضاءة تضاعف من وقوع الحوادث التي يتعرض لها الصيادون خلال الشتاء .
ويؤكد الدكتور عبدالله زهير مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان بمديرية الخوخة وهو اكثر من يلامس نتائج هذه الكوارث التي تحل بالصيادين بحكم عمله واسعاف الضحايا الى مستشفى المدينة يؤكد بأن هذه الكوارث يمكن تفاديها اذا عملت الدولة ووزارة الثروة السمكية والاتحاد السمكي على الزام الصيادين باقتناء وسائل السلامة البحرية وجعلها من شروط الحصول على تراخيص مزاولة المهنة .
ويشير زهير الى ان حادثة قارب اسرة قادري اهدل وبقاء الصيادين لمدة 6 ايام كاملة في عرض البحر يعود الى انهم لم يكن لديهم حتى جهاز اضاءة والذي كان يمكن ان يدل على مكان تواجدهم وبالتالي انقاذهم لكنهم ظلوا عالقين في قاربهم الغريق في انتظار الصدفة ومرور احد القوارب والذي لم يأت الا بعد ان قضى ستة من اصل السبعة الصيادين الذين كانوا على متنه .
ويشدد الدكتور زهير على اهمية ان يعمل مسئولو الموانئ ومراكز الانزال السمكي على طول الساحل الغربي وخاصة اثناء فترة الشتاء على الزام الصيادين بعدم السماح لأي قارب صغير بالانطلاق بمفرده الى عرض البحر وتشديد الاجراءات على الصيادين المخالفين لما يعرف لدى الصيادين بنظام ” السنجر” الذي يعني ضرورة ذهاب قاربين الى ثلاثة مجتمعين الى الرحلة البحرية حتى تقوم القوارب بمساعدة بعضها اذا ما تعرض احدها لحادث غرق او عطل وخاصة خلال موسم هبوب الرياح الشديدة.

قد يعجبك ايضا