القتيل في هذه الواقعة هو رب أسرة والعائل الوحيد لها والواقعة حدثت بإحدى الحارات في وسط صنعاء القديمة وزمانها كان بعد منتصف الليل من يوم الخميس عشية الجمعة والناس يعيشون في هذه الليلة كونها ليلة خميس ويقضون ساعاتها على وتيرة متباينة وفي وقع خاص متميز بحكم العادة لدى معظم البيوت والأسر بالعاصمة صنعاء وغيرها من المدن والمناطق الأخرى داخل اليمن وخارجها.. ومكان الجريمة على وجه التحديد بداخل منزل القتيل نفسه والأسباب والملابسات وكذلك الفاعل من الغرابة بمكان .. و.. وها هي التفاصيل والوقائع من بدايتها.
الساعة تشير إلى وقت الثالثة إلا عشر دقائق قبل الفجر تقريباٍ من عشية الجمعة حين وصل البلاغ هاتفياٍ من عمليات أمن العاصمة صنعاء إلى المناوب بمركز شرطة اللقية في صنعاء القديمة وهو عن وجود شخص قتيل بداخل منزله في حارة غرقة القليس شرق جنوب سوق الملح بالمدينة القديمة والمطلوب هو التحرك الفوري لعمل الإجراءات المتبعة تجاه الحالة.
فانتقلوا من المركز عقب هذا البلاغ إلى الحي أو للمنزل المذكور حسب البلاغ مع أن الوقت كان الهزيع الأخير من الليل ومتأخراٍ جداٍ والظلام كان مخيماٍ على الأرجاء بسبب انطفاء الكهرباء في أغلب الأحياء بالمدينة في تلك الساعة ومنها حي غرقة القليس حيث محل وجود جثة القتيل .. والمنتقلون هم الملازم أول عبدالله عمران رئيس مكتب البحث بالمركز ومعه المناوب الذي كان المساعد مالك العطيري وبعض الأفراد من المركز والذين وصلوا إلى المنزل أو إلى المكان حيث الجثة والذي كان هو غرفة المجلس “الديوان” في الطابق الثاني للمنزل وقاموا هناك بتحريره كما قاموا بإبلاغ العمليات وطلب مختصي الأدلة الجنائية وكذا استدعاء الشرطة النسائية نظراٍ لوجود عنصر نسائي في المنزل محل الواقعة ويتمثل هذا العنصر في زوجة القتيل و يتطلب الانفراد بها لاستنطاقها والتحقيق معها من قبل امرأة مثلها مراعاة للعادات والتقاليد والأعراف الأسرية والمجتمعية المعروفة وانتظروا حتى مجيء هؤلاء ثم باشروا وإياهم عملية المعاينة والتصوير للجثة والمكان وإجراءات رفع الآثار وجمع المعلومات الممكنة حول الواقعة وملابساتها كل حسب اختصاصه..
وكان المنزل الذي بداخله الجثة مكوناٍ من عدة طوابق وهو مبني من الحجر والطوب الأحمر الصغير والمسمى بـ”الياجور” والذي تتميز به عراقة وأصالة أبنية أحياء صنعاء القديمة وعماراتها وتجعل لها نكهة خاصة على خلاف بقية المدن الأخرى في المحافظات اليمنية وعواصمها المتعددة وكانت الجثة ملقاة داخل غرفة المجلس بالدور الثاني للبيت وهي لرجل بدأ يبلغ من العمر 48 عاماٍ وممدداٍ بجثته وسط أرض الغرفة فوق بطانية وكان مصاباٍ بطلقة نارية من سلاح مسدس مدخلها من الكتف الأيسر جهة الخلف ومخرجها من تحت الإبط الأيمن من بين الأضلاع جهة اليمين للأمام: أو هذا ما تبين جلياٍ من إجراء المعاينة كما عثر فريق المعاينة خلال ذلك على مقذوف ناري تحت الجثة وهو المقذوف للطلق الناري من سلاح المسدس الذي أصيب به القتيل وأدى إلى مصرعه في الوقت الذي لم يعثر على الظرف الفارغ لذات المقذوف أو الطلقة النارية بغرفة المجلس حيث الجثة وإنما وجدوا هذا الظرف الفارغ بعد التوسع في المعاينة داخل الغرف وطوابق المنزل بغرفة الابن الأكبر للقتيل في الطابق الأعلى وكان الظرف المعثور عليه موضوعاٍ فوق الدولاب الموجود بالغرفة.. في حين عثر على سلاح المسدس أداة الواقعة بمكان آخر بعيد عن غرفة المجلس وغرفة الابن الأكبر كما عثر على بروش بخط عريض في غرفة النوم التابعة للقتيل…و.. وكل هذا الاختلاف والتباعد للأماكن التي عثر فيها على الأشياء المتعلقة بالواقعة جعل رجال المعاينة وشرطة المركز يميلون في الاعتقاد والترجيح إلى أن الواقعة حدثت في مكان آخر وتم نقل الجثة بعد ذلك إلى غرفة المجلس نقلاٍ بفعل أكثر من شخص.. وقد ركز فريق المركز على “زوجة القتيل” والابن الأكبر وهو شاب عمره 22 عاماٍ باعتبار أن الذين كانوا متواجدين بداخل المنزل في هذه الليلة ليلة الواقعة هم أفراد أسرة القتيل وأولهم الأم “الزوجة” والابن الشاب ومعهما ابن آخر وهو صبي معاق عمره 15 عاماٍ وكذا ابن ثالث والذي كان طفلاٍ صغيراٍ ثم ابنة رابعة وهي طفلة صغيرة أيضاٍ ولذلك كان التركيز من قبل الشرطة على الأم والابن الشاب دون الأطفال الثلاثة الأخيرين.
وقد تبين من خلال أقوال الابن والأم (الزوجة) التي أخذت في المحاضر الأولى معهما بما يفيد أن الأب القتيل هو غريم نفسه وأن مقتله كان انتحاراٍ وأنه هو الذي أطلق النار على نفسه من سلاح مسدس تابع له بنفس غرفة المجلس التي وجدت جثته بداخلها وليس هناك أي غريم له كما أنه لم يكن له خلاف أو عداء مع أحد وكذلك لم يكن لأي فرد من الأسرة لا من خلاف مع أي شخص لأمن قريب ولا من بعيد وجميعهم كانوا على وفاق وحسن تعامل وتفاهم مع كل الناس والجيران بداخل الحارة وخارجها أو هذا ما زعم به أو سعى لإيضاحه وتأكيده الابن الشاب والأم (الزوجة) بالمحاضر التي أجريت معهما أول الأمر في الوقت الذي أوشك فريق التحقيق والمشكل من الضابط عبدالله عمران رئيس البحث والمساعد عمر السري وآخرين على الأخذ بهذا الزعم بأن الواقعة هي انتحار وليست جريمة قتل بفعل فاعل لاسيما وأن الابن الشاب والأم الزوجة ظلا على إصرارهما في أقوالهما بأن الواقعة هي كذلك ولم يتراجعا إلا مع تكرار فتح المحاضر وتشديد الأسئلة على كل منهما لأكثر من مرة وبشكل متوالُ.. حيث أفاد الابن الشاب في المحضر الأول الذي فتح معه: بأنه يوم الخميس والساعة تقريباٍ تقارب الخامسة قبل المغرب صادف أنه كان متواجداٍ في المنزل وكذلك والده القتيل وقام هو بأخذ سلاح المسدس من والده والذي كان تابعاٍ لهذا الأخير وخرج حينها من المنزل ثم عاد بعد أن مر بعض الوقت للمنزل وأرجع المسدس لوالده وخرج بعد ذلك من البيت مرة أخرى ومكث بخارج المنزل حتى العاشرة مساء تقديراٍ وعاد حينها للمنزل ليجد والده والمسدس بيده وهو يقلبه ويلعب به وكان والده في هذا اليوم لم يتناول القات لم يخزن وكان مزاجه مضطرباٍ بسبب ذلك فقال لوالده عندما رآه يلعب بالمسدس لماذا تفعل ذلك يا أبي أترك اللعب بأداة الموت..¿!.. فرد عليه والده قائلاٍ: لا تخف ولا تقلق .. ثم أمره أو طلب منه والده أن يخرج لشراء حاجة له من الدكان بالسوق.. فذهب حسب طلب والده وعاد ولكنه عند عودته وجد والده كان يتكلم على أمه ويسبها بألفاظ قبيحة فتركهما وطلع إلى غرفته بالطابق الأعلى وتمدد بالغرفة على فراشه بعد أن وضع سماعة التليفون على أذنيه ليسمع الأغاني من التليفون ولكي لا يسمع صياح أبيه وأمه وظل كذلك حتى فوجئ بعد وقت ليس بالقليل بطلوع أمه إليه وهي متغيرة الوجه وتقول له بصوت مضطرب مرتبك: “قم انزل لترى أباك الذي لم يسمع الكلام ومكث يلعب بالمسدس حتى ضغط على الزناد وانطلقت الرصاصة منه ثم قتل نفسه.. فنزل مسرعاٍ إلى غرفة المجلس وشاهد أباه كان ممداٍ ومصاباٍ قتيلاٍ “منتحراٍ” ولم يصدق ما رآه وبالكاد تمالك نفسه ثم قام بالاتصال بعمه شقيق أبيه الذي يسكن بذات الحارة وأبلغه بذلك وبعدها خرج مباشرة إلى الحارة لاستدعاء الجيران وعند دخوله هو والجيران ورؤية أبيه من قبل الجيران قال له هؤلاء إن أباه قد توفي وفارق الحياة.. وأنه خلال ذلك رأى المسدس كان بجوار جثة والده على الفراش فالتقطه ورماه إلى مسافة بالأرض وجاءت أمه فرفعته وأخذته ثم وضعته في الغرفة الأخرى خوفاٍ على أخوته الصغار.
وأضاف الابن الشاب بنفس المحضر عند سؤال الضابط له حول وجود الظرف الفارغ الذي عثروا عليه بغرفته في الوقت الذي كان والده القتيل مع المسدس أداة القتل بغرفة المجلس بأنه لا يعرف كيف وصل هذا الظرف الفارغ إلى غرفته وأنه ساعتها كان في حالة ارتباك وصْدم بانتحار والده هكذا فجأة لاسيما وأنه يعرف بأن والده كان طبيعياٍ ولم يكن يعاني من شيء أو يشتكي من أية علة.. أو ذلك ما أفاد به الولد الشاب في ملخص المحضر الأول الذي أجري معه.
بينما ورد في إفادة الأم زوجة القتيل والتي تم سؤالها عن طريق إحدى المحققات من الشرطة النسائية وفي المحضر الأول الذي فتح معها هي الأخرى بما يناقض ذلك ويظهر الاختلاف إلى حد ما فيما بينها وولدها الشاب..وقد ذكرت بما يبين أنها ساعة وقوع الواقعة بذات الليلة كانت نائمة بغرفتها وسمعت صوت الطلقة النارية صادراٍ من غرفة المجلس التي كان زوجها القتيل جالساٍ فيها يشاهد التليفزيون وصوت التليفزيون كان مرتفعاٍ والساعة حوالي الثانية إلا ربع بعد منتصف الليل وظنت وقتها أن الطلقة النارية من العرس الذي كان في نفس الليلة بالحارة وبالقرب منهم على مسافة غير بعيدة من المنزل وأنها لم تركز في تلك اللحظة وعادت لنومها وكانت الحجرة مضاءة بالكهرباء ثم بعد ما يقارب ثلث ساعة انطفأت الكهرباء في الحارة حسب العادة فقامت هي من رقودها لإطفاء جهاز التلفاز بغرفة المجلس التي كان بها زوجها لأنها لم تعد تسمع صوته وفكرت أنه قد نام وهو جالس في مكانه يشاهد التليفزيون وعليها إطفاء التلفاز لكي لا يحترق عند إرجاع التيار الكهربائي وخلال ذلك رأت زوجها ممدداٍ والدم يسيل منه فصرخت وكادت تهوي بقامتها على الأرض من الفجيعة ثم سارعت بالطلوع إلى ابنها الشاب الذي كان بغرفته بالطابق الأعلى يسمع الأغاني من التليفون والسماعة في أذنيه فاستدعته ونزل وإياها ورأى أباه على الحالة التي كانت بها فخرج هو لاستدعاء الجيران من الحارة على إثر ذلك وحضر بعض الجيران بمعيته والذين ما إن رأوا الرجل زوجها حتى قالوا لها ولابنها بأنه قد فارق الحياة وصار ميتا ويجب إبلاغ جهة الشرطة بذلك… و… وأضافت الأم “الزوجة” في المحضر ذاته بما يؤكد: أن زوجها القتيل صادف في نهار هذا اليوم أنه لم يكن معه حق القات ولم يخزن وأنه من عادته عندما لا يتعاطى القات في أي يوم تتغير حالته وطبعه ويمكث غالباٍ داخل البيت ولا يخرج منه وكل ما يريد يتم إحضاره إليه وهو في نفس اليوم بقي في المنزل ولم يخرج منه وظل يشاهد التليفزيون ويلعب بالمسدس وأنه غريم نفسه ولم تكن له مشاكل أو خلافات مع أحد كما أنه لم يكن يعاني من أية حالة مرضية وأن مقتله كان انتحاراٍ… و… أو هذه كانت خلاصة إفادة الأم “الزوجة” بالمحضر الأول معها وكما لاحظ الضابط والمحققون معه من خلال ذلك ومن خلال ما توفر لديهم من أدلة وقرائن أولية تناقض خلاف ما ذهب إليه الابن الشاب والأم في إفادتهما معاٍ بما يعزز صحة الشك والإفتراض في أذهانهم أن حقيقة الواقعة هي جريمة قتل وليست انتحاراٍ ولا يمكن أن تكون حادثة انتحار.. وعلى هذا الأساس اتجه الضابط عبد الله عمران ومن معه في تحقيقاتهم وإجراءاتهم وخطواتهم التالية على نفس الاتجاه الذي يتضمن الافتراض أن الواقعة هي جريمة قتل.. ولكن كيف..¿ وماذا كانت النتائج التي توصل إليها الضابط وفريقه عن طريق ذلك¿ ثم ما هي الحقائق والخفايا الكامنة التي اكتشفت في نهاية المطاف¿ ومن هو القاتل المجهول ولماذا..¿! وكيف حدثت الواقعة من بدايتها..¿! كل هذا وغيره ما ستعرفه وتقرأه عزيزنا القارئ الكريم في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى بالحلقة الثانية والأخيرة وإلى اللقاء.
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا