شباب يحلون مشاكلهم بالانتحار


144 حالة انتحار خلال6 أشهر و251 حالة العام الماضي

الظروف الاقتصادية الصعبة وضعف الوازع الديني .. أبرز الأسباب

بضع دقائق عصيبة ومتوحشة كادت تقضي على حياته ليخسر دنياه وآخرته, حينما قاده الشيطان واليأس من الحياة الى محاولة الانتحار بإطلاق النار على نفسه.
الشاب هيثم عبدالقادر من أبناء تعز ويسكن العاصمة صنعاء راودته فكرة الانتحار هرباٍ من ضغوطات الحياة وضيق العيش وانعدام العمل والأمل في مستقبل أفضل, فتسلل إلى غرفة شقيقه الأكبر واخذ سلاحه المسدس ثم وجهه نحو صدره بيد مرتجفة وأغمض عينيه وبلمسة خفيفة من إصبع السبابة على الزناد انطلقت الرصاصة لتخترق صدره, إلا أن القدر أراد له حياة أخرى, حيث تم إسعافه إلى المستشفى وإنقاذه من موت محقق.

حالات الانتحار بين أوساط الشباب زادت كثيرا خلال الفترة الأخيرة فلا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن جريمة انتحار في هذه المحافظة أو تلك , وتقدر الشرطة جرائم الانتحار التي شهدتها عدد من المحافظات الأسبوع الماضي بنحو 9 جرائم معظمها لفتيات في الحديدة وتعز وصعدة وصنعاء وعمران واب, ويكون المتهم في أكثر تلك الجرائم ” مرض نفسي”.
تنوعت الأساليب والنهاية واحدة
* وفي هذا الصدد أقدمت فتاة في الـ25 من عمرها بمحافظة صعدة على الانتحار رمياٍ بالرصاص.
وقالت الشرطة بمديرية غمر إن الشابة “ل.أ” أطلقت النار على نفسها من سلاح نوع مسدس نتج عن ذلك إصابتها بطلقة نارية في الرأس أدت إلى وفاتها على الفور موضحة بأن الفتاة كانت تعاني من حالة نفسية.
وفي أمانة العاصمة سجلت الشرطة وقوع ثلاث حالات انتحار خلال يومين حيث أقدم شاب يبلغ من العمر 22 عاماٍ على الانتحار بإطلاق النار على نفسه من سلاح نوع مسدس في منطقة القلب مما أدى إلى وفاته على الفور, والأسباب في ذلك تعود إلى حالة نفسية, كما وجد شاب يبلغ من العمر 21 عاماٍ مشنوقا بسلك كهربائي في ورشة لحام بمنطقة سعوان بالعاصمة صنعاء.
وأفادت الشرطة أن الشاب يعمل في ورشة اللحام واعتاد على النوم فيها وفوجئ به بقية العمال مشنوقاٍ بسلك مربوط إلى سقف الورشة في تمام الساعة السابعة والنصف صباحاٍ ولا زالت الأجهزة الأمنية تجري تحقيقاتها في الجريمة.
وفي سياق متصل رصدت أجهزة الشرطة في أمانة العاصمة وقوع حادثتي انتحار منفصلتين الأربعاء قبل الماضي.
وبحسب شرطة العاصمة فأن ضحايا حادثتي الانتحار تتراوح أعمارهما بين 29-50 عاماٍ, وإن إحدى الحادثتين ضحيتها امرأة (50 عاماٍ) من سكان مديرية السبعين أقدمت على الانتحار بواسطة قطعة قماش, أما حادثة الانتحار الثانية فقد كانت في مديرية معين وكان ضحيتها شاب في الـ29 من عمره اسمه ع. م. أحمد قالت الشرطة بأنه شنق نفسه بحبل.
وفي محافظة الحديدة انتحرت فتاة تبلغ من العمر 19 عاماٍ الأحد الماضي بإشعال النار في جسدها.
وقالت الشرطة إن الفتاة قامت بصب مادة البنزين على ملابسها وجسدها ثم أشعلت النار فأصيبت بحروق بليغة فارق الحياة بسببها على الفور,موضحة أن السبب في ذلك حالة نفسية.
وقبلها ببضعة أيام شهدت ذات المحافظة انتحار فتاتين في يوم واحد بسبب خلافات زوجة.
وانتحرت فتاة تبلغ من العمر 15 عاما بمديرة المعافر محافظة تعز لإجبارها من قبل أهلها على الزواج بشخص في سن والدها.
ووفقاٍ للشرطة فإن الفتاة انتحرت بتناولها كمية من المبيد السام أدت إلى وفاتها على الفور , موضحة بأن الفتاة أو الطفلة أقدمت على الانتحار لتزويجها بالإكراه من شخص كبير السن.
وفي ذات المحافظة وبالتحديد في حي الروضة بمدينة تعز أقدم طفل يبلغ من العمر 12 عاما على شنق نفسه بسبب خلاف مع والدته وأخيه حول مراجعة الدروس.
وقالت الشرطة أن الطفل بعد شجاره مع والدته دخل إلى حمام المنزل وقم بشنق نفسه بواسطة حبل إلى سقف الحمام ليفارق الحياة مباشرة.
أما في محافظة إب فقد أقدمت فتاة عشرينية على الانتحار لتنهي بذلك حياة تعيسة مع زوجها.
وبحسب الشرطة فإن الفتاة عثر عليها مشنوقة داخل إحدى غرف منزل زوجها بمنطقة مفرق حبيش, مشيرة إلى أن جثة الفتاة تم تسليمها إلى أسرتها فيما قامت الشرطة باحتجاز زوجها للتحقيق.
144 حالة انتحار في 6 أشهر
* وفي هذا السياق أعلنت الأجهزة الأمنية أنها سجلت وقوع 144 حالة انتحار أودت بحياة 142 شخصا خلال النصف الأول من العام الجاري 2014 .
وفيما يعد الرقم مرتفعا كونه يفوق عدد حالات الانتحار خلال عام كامل في سنوات ماضية فقد أوضحت أجهزة الشرطة أن من بين حالات الانتحار 35 امرأة بالإضافة إلى إصابة 2 آخرين.
وذكر تقرير أمني صادر عن وزارة الداخلية أن حوادث الانتحار التي وقعت خلال النصف الأول من العام الجاري امتدت إلى 21 محافظة من بين 22 محافظة وجاءت محافظة تعز في مقدمتها بعدد 21 حالة انتحار ثم أمانة العاصمة صنعاء بـ 20 حالة انتحار فيما احتلت محافظة الحديدة المرتبة الثالثة بـ 19 حالة انتحار وتوزعت حوادث الانتحار المتبقية على المحافظات الأخرى وبأعداد متقاربة عدا محافظة ريمة التي لم يسجل فيها أي حادثة من هذا النوع .
251 حالة انتحار عام 2013
* وكشفت إحصائية رسمية عن تسجيل 251 حالة انتحار خلال العام المنصرم 2013 وهو ما يعد ثاني أعلى معدل بعد العام 2012 الذي شهد قيام 253 شخصاٍ بوضع حد لحياتهم انتحاراٍ.
وبحسب التقرير السنوي الصادر عن وزارة الداخلية فإن من بين المنتحرين 62 أنثى و47 طفلا و13 من حاملي الجنسيات الأجنبية.
وأفاد التقرير “أن تلك الحوادث قد حصلت في 20 محافظة حيث جاءت أمانة العاصمة صنعاء في الصدارة بعدد 45 حادثة تلتها محافظة تعز بعدد 36 حادثة ثم محافظة الحديدة بـ33 حادثة وتوزعت بقية الحالات على بقية المحافظات وكانت محافظة المهرة هي الاستثناء من دون تسجيل أي حالة انتحار.
وكانت إحصائية رسمية قالت: “إن حوادث الانتحار بلغت ذروتها في العام م2012 إذ بلغ عدد المنتحرين قرابة 253 شخصاٍ موزعين على 19 محافظة مقابل 235 انتحروا في عام 2011 و229 في 2010”.
وأشارت إحصائيات سابقة إلى أن ظاهرة الانتحار في اليمن قد حصدت ما يربو على 4100 حالة خلال الفترة من 1995 حتى 2009م.
حالة انتحار كل 40 ثانية
* وعلى المستوى العالمي قالت منظمة الصحة العالمية سبتمبر الماضي إن أكثر من 800 ألف شخص ينتحرون سنوياٍ بمعدل شخص كل 40 ثانية ويلجأ كثير منهم لاستخدام السم أو الشنق أو إطلاق النار لإنهاء حياتهم.
وفي أول تقرير دولي لوضع حد للانتحار قالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة إن نحو 75% من حالات الانتحار تحدث بين أشخاص من دول فقيرة أو متوسطة الدخل ودعت لبذل مزيد من الجهود لتقليل فرص الوصول إلى الأدوات الشائعة للانتحار.
وكشف التقرير أن حالات الانتحار تحدث في كل أنحاء العالم وفي أي فئة عمرية تقريباٍ. وعلى المستوى الدولي فإن مستويات الانتحار مرتفعة بين من تبلغ أعمارهم 70 عاماٍ أو أكثر لكن في بعض الدول كانت المعدلات الأعلى للانتحار بين الشبان.
وفي الفئة العمرية بين 15 و29 عاماٍ كان الانتحار هو ثاني سبب للوفاة على المستوى الدولي.
وقالت مديرة المنظمة مارغريت تشان إن التقرير هو “دعوة للتحرك من أجل معالجة مشكلة كبيرة للصحة العامة اعتبرت من المحرمات لفترة أطول مما ينبغي”.
وخلص التقرير إلى أن معدلات الانتحار بين الرجال بوجه عام أعلى منها بين النساء. وفي الدول الثرية يبلغ عدد الرجال الذين ينتحرون ثلاثة أمثال عدد النساء.
التحليل النفسي للانتحار
* يرى خبراء علم النفس وعلم الاجتماع أن الظروف الاقتصادية الصعبة تعد السبب الرئيسي وراء لجوء البعض للانتحار إضافة إلى عوامل أخرى منها ضعف الوازع الديني وإدمان الخمور والمخدرات والتحول غير المدروس إلى الثقافة الغربية باتخاذها منهجاٍ وهو ما يؤدي إلى حالة تفسخ أخلاقي ونفسي يمكن أن تنتهي بالبعض إلى الانتحار.
ويشخص لنا الدكتور خالد العريقي أخصائي علم النفس هذه الظاهرة السلبية بقوله” إذا أردنا أن نعرف لماذا يلجأ البعض إلى حل مشاكلهم بالانتحار فعلينا أن نعرف أو كما سبق أن عرفنا من عدة حالات حاولت الانتحار ومن خلال التحليل النفسي والاجتماعي لهذه المشكلة أن هناك بعض المؤثرات التي يمكن الحديث عنها وتتعلق بأوضاع المعيشة الصعبة والوضع الاقتصادي العام في البلد.
مضيفاٍ :”فالبعض يعيش تحت وطأة ضغوط تتحول بداخله إلى ضغوط نفسية تسبب له أملا نفسيا وقلقا مرتفعا الأمر الذي يجعله لا يستطيع تحمل هذه الضغوط والآلام الناتجة عنا فيلجأ إلى محاولة الخلاص من هذه الحياة المقترنة بهذه الضغوط والآلام , كما أن هناك عدة أصناف من الناس يلجئون إلى الانتحار كمحاولة حقيقية للخلاص من الحياة, وبين محاولة الانتحار لجذب أنظار الآخرين واستجداء العطف والاهتمام لاسيما من الأهل والأقارب فالفئة الأولى يلجأ إليها أشخاص قد يكونون مرضى أو يعانون من الاكتئاب وهؤلاء يلجأون إلى الانتحار لأنهم يرون أن الحياة غير جديرة بأن تعاش ,أما بالنسبة للفئة الثانية فهي فئة الفصاميين الذين يعانون مما يعرف بـ(البرنايا) أو جنون العظمة وهؤلاء يلجأون إلى الانتحار لأنهم يعتقدون أن الآخرين يراقبونهم ويشكون فيهم كما يعتقدون أنهم عظماء وجدوا في الزمن الخطأ وكان يمكن أن يكافأوا بشكل أفضل . وهناك فئة ثالثة وهم الذين يلجؤون إلى محاولات الانتحار للفت أنظار الآخرين وجذب اهتمامهم وهؤلاء هم فئة المضطربين تحوليا أو ما يعرف بـ”الهستيريين” لكن محاولات الانتحار هذه قد تنجح ويدفعون حياتهم ثمنا لذلك الا ان هناك القليل من الحالات السوية التي تلجأ إلى الانتحار.
ويؤكد أخصائي علم النفس أن غياب الوازع الديني له علاقة كبيرة بتزايد حالات الانتحار.

قد يعجبك ايضا