
تجد بلدا مثل اليمن نفسها مضطرة إلى مواجهة واقع أليم بعدم القدرة على خلق ما يكفي من الوظائف لمئات الآلاف من الشباب الذين يدخلون سوق العمل كل سنة بسبب الوضعية الاقتصادية الراهنة.
ولهذا سيتواصل السخط الشعبي بمرافقة الاهتزاز السياسي جنبا إلى جنب مع الخمول الاقتصادي الذي تعاني منه اليمن على نطاق واسع.
يشير أحدث تقرير لمؤسسة دولية إلى أن “الامتيازات” التي تكمن في السياسات القديمة العديدة التي لا تزال تحمي عالم التوظيف ومصالح مؤسسات الأعمال المملوكة للنخب المتمتعة بنفوذ سياسي.
ويظهر التقرير إلى أي حد تؤدي تلك السياسات – الموضوعة لمنع المنافسين أو ردعهم مع السماح للنخب بجني الأموال بسهولة أو “التربح” – إلى تشويه نهوض الاقتصاد الوطني بعملها الطبيعي بحيث تنمو مؤسسات الأعمال أو تصبح أكثر إنتاجية وإلا اضطرت للخروج من السوق.
وفي بيئة عمل كالتي نعيشها في اليمن منذ سنوات تصبح الصلات السياسية أكثر أهمية للنجاح من روح الابتكار.
ويرى البنك الدولي أن من شأن مثل هذه الامتيازات الممنوحة لمتنفذين أن تضع أصحاب مشاريع العمل الحر ممن لا يتمتعون بصلات سياسية في وضع سيء مما يؤدي إلى خنق الاستثمار المحلي.
صلات
في هذا الشأن يقول عمار السهمي أكاديمي يمني في جامعة “ايزون” الماليزية: إن من شأن الغموض وعدم وضوح الرؤية تجاه السياسات التي قد تتبعها الحكومة – وما إذا كان تطبيقها سيتسم بالعدالة – أن يردع المستثمرين الأجانب وينفرهم ولهذا فإن دولة نامية مثل اليمن تحتاج إلى اقتصاد متنوع نشط تحركه الأعمال المنتجة سريعة النمو.
ويضيف قائلا : عادة ما يكون ملايين العاملين والمستهلكين وأصحاب المشروعات الصغيرة الذين يتحملون الثمن غافلين عما لتلك السياسات من آثار على الفرص التي يتطلعون إليها.
ويرى السهمي أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتلك الأكثر إنتاجية المحرك الأكبر لخلق فرص العمل.
غير أن القوانين والتشريعات السارية بحسب البنك الدولي ” عادة ما توفر الحماية للمتنفذين في مثل وضعيتنا في اليمن بدلا من أن تشجع المشاريع الجديدة وهو ما يقلل من فرص تحويل الأفكار الجيدة إلى مشاريع جديدة.
ففي المتوسط لا تشهد بلادنا سنويا سوى إنشاء أربعة مشروعات وشركات ذات مسؤولية محدودة فقط لكل 5 آلاف شخص ممن هم في سن العمل..
مكافحة
تحتاج بلادنا بحسب الخبير في إدارة الأعمال أسامة الفتاحي أستاذ التسويق والإحصاء بصنعاء إلى المزيد من هذه الأعمال الناشئة والمنتجة كي تطلق طاقات القطاعات القادرة على خلق فرص العمل.
ويؤكد ضرورة تهيئة بيئة أعمال جاذبة وآمنة لرؤوس الأموال والاستثمارات المحلية والأجنبية التي تعد المصدر الرئيسي للتشغيل ومكافحة المتنفذين الذين يمارسون أعمال قرصنة لما هو متاح من وظائف أو عرقلة بناء هذه البيئة المشجعة للأعمال والاستثمار.
ويشدد على أهمية تطوير بيئة أداء أنشطة الأعمال في اليمن من خلال إيجاد منظومة شاملة من التشريعات والقوانين وتنفيذها على أرض الواقع لتحفيز الأعمال وتنميتها.
مؤكدين أهمية بذل جهود كبيرة في مجال الإصلاحات التشريعية والقانونية الهادفة لتبسيط الأعمال وتحسين المناخ الاستثماري في البلاد.
طاقات
على الرغم من أن غالبية السكان في سن العمل فإن طاقة أعداد متزايدة من الأيدي العاملة تذهب هباء إلى حد بعيد. وبدلا من أن يشغلوا الوظائف عالية الإنتاجية التي تحتاج إلى مهارات يضطر الكثيرون من ذوي التعليم الجيد نسبيا من الباحثين عن عمل إلى الالتحاق بقطاعات خدمية متدنية الإنتاجية في مجالات تجارة التجزئة والخدمات العامة والفنادق والمطاعم – وهي وظائف غالبا ما تكون قليلة المزايا ولا توفر الكثير من فرص الترقي.
ويخلص تقرير للبنك الدولي صادر بهذا الخصوص إلى أن عدم تمكننا من التخلص من هذه الامتيازات فلن يكون بمقدورنا بلوغ مستوى خلق فرص العمل التي نحن في أمس الحاجة إليها.
ويظهر التقرير أن تشجيع الأسواق المفتوحة والمنافسة وتحقيق تكافؤ الفرص سيوفران بيئة مواتية لأصحاب مشاريع العمل الحر والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ويؤديان إلى ظهور أعمال تتمتع بالحيوية والنشاط.
ومن شأن البدء في إجراء إصلاحات على نحو يتسم بالشفافية أن يضمن اطلاع المواطنين على ما تفعله حكوماتهم وقدرتهم على المشاركة في رسم السياسات.