
من بين ركام المدن وجثث الضحايا التي غطت مناطق شبه القارة الهندية منتصف القرن الماضي بزغ نجم المهاتما ومعه انتشرت روح جديدة للسلام الذي قتل ملايين المرات – خلصت تلك الروح البلد الواسع من الشق المظلم للثقافات المتناحرة وأصبح الرجل شاحب الجسد قائدا لانتصارات الحياة على الموت– هل يذكر أحدنا اسماٍ واحداٍ ممن كانوا يقودون الناس نحو الموت والجحيم لقد فنوا جميعا ومعهم تاريخهم المعتم .
أصبح نهج المهاتما طريقا لكل حركات السلام في مختلف البقاع قدم المحامي الشاب درسا قاسيا لكل تاريخ العنف محا كل الصفحات التي لا ترى الخلاص إلا في السلاح وكلما أحاط اليائس بهواة المدنية وأدواتها تذكروا عكاز غاندي الذي يسير بها في مخيلاتهم ومضوا محاولين إبطال مفعول السلاح وإشعال السلام – كل حركات الأعنف تدين لمؤسس حزب المؤتمر الوطني بالفضل منحها ما لا يمكن شراؤه لقد منحها الأمل في النصر .
كل الأصوات التي تنادي بالجنوح إلى السلم لا تحملها الترددات حاليا لأن الرصاص هو الأعلى دويا ومع مرور الوقت تترسخ قناعات المتحاربين أنفسهم بضرورة ترك البندقية جانبا والانشغال بالحياة وحتى يصلون إلى هذه القناعة يكونون قد فقدوا الكثير من الأعزاء والكثير من القيم – فلم لا يسمعون إلى صوت العقل قبل الجنون .
المنادين بالسلام
في كل البلدان الملتهبة بالنيران في مربع الشرق الأوسط يطفو زعماء الحرب على ما سواهم ورغم وجود الكثير من المنادين بالسلام إلا أنه لا يوجد من يجعلنا نرى نداءاتهم والفضاء مشغول بالخصوم وفي الوقت الذي تحشد فيه الوقود للمعارك هناك من يصوب نحو وجهة أخرى وتنادي عدد من المنظمات المدنية بالتخلي عن العنف .
حركة مواطن
مجموعة من الصحفيين والكتاب المستقلين تحركوا في الطريق المقفر هذه الأيام وهو درب الدعوة إلى السلم عبر خطوات تحقق ذلك وقد انطلقت مسيرتهم بالإعلان عن حركة جديدة تحمل اسم مبادرة (حركة مواطن من أجل الدولة) وقبل أي حديث لابد من البدء من حيث يجب وقد عمدوا إلى تحديد سيرهم الأول حيث يبدؤون مظاهرات شعبية انطلقت أولها أمس الأول السبت والهدف من التظاهرات رفضاٍ لتواجد الميليشيات المسلحة من أي طرف كان في المدن والمحافظات وضد الجماعات الإرهابية والضغط على ما تبقى من سلطات ليكون الجيش والأجهزة الأمنية هي المعنية حصرياٍ بحماية وتأمين المدن والمحافظات والمصالح العامة والخاصة.
من شأن هذا التحرك أن يكشف عن منطلقات هذه المبادرة والذي يتلخص في الحرص على السلم الأهلي في اليمن والحفاظ على دماء اليمنيين وأرواحهم بكل انتماءاتهم وطوائفهم ومناطقهم ودفع الجميع إلى كبح جماح استفزازات الميليشيات المسلحة وردود الأفعال العنيفة ومحاصرة حالة الاستقطاب بين خيارات العنف والعودة إلى العمل والتعبير السلمي حماية لبلدنا ومستقبله .
يقول محمد الويعي من تونس في تحليل العنف ذاك الرهان الخاسر إن التعامل الإيجابي مع العنف يستدعي أولا إدانته والتنديد به أي فضحه وأيضاٍ مواجهته حتى من قبل المستهدف له لأن السكوت عن العنف هو تواطؤ معه وتشجيع له يأخذنا هذا الرأي إلى ما تمر به تونس من خلل لا يقاس بمقدار المخاطر التي تحيق بنا ويمكن ملاحظة ذلك في التشديد الذي ذهبت إليه حركة مواطن في إحدى بنودها “يجب أن يعبر الناس عن رفضهم لهذه الحالة التي تهدد اليمن بالتمزق من خلال الفعاليات الشعبية والتظاهرات على الأقل للضغط على هذه الجماعات لتعيد حساباتها وحقن الدم اليمني الأغلى من أي مصلحة ومكاسب سياسية”.
لكن أكثر ما ركزت عليه الحركة الناشئة في لهجتها التحذيرية هو التزامن الذي ورد فبينما نتحدث إليكم الآن هناك دم يمني يسفك وتندفع البلاد بصورة مجنونة إلى الحرب والاقتتال ويْضرب ما تبقى من الدولة وسط تخاذل سياسي محلي وتوطؤ إقليمي ودولي .
من سوء حظ هذا البلد أنه غدا واقعاٍ تحت تأثير أطراف إقليمية تريد تصفية حساباتها على الأرض اليمنية وتحويل البلاد إلى ساحة اقتتال بين أطراف تبارز بعضها بواسطة اليمنيين أنفسهم . سيْفضي هذا الصراع في النهاية إلى تمزيق اليمن في وقت بدأت تْنشر خرائط تقسيم البلاد وتمزيقه بين دول وطوائف وجهات وقد اقتربنا من الهاوية التي سيصعب على اليمنيين مغادرتها إن استمروا في حالة الصمت كما هو الحال الآن .
وتمتلك الحركة رؤية لتحليل الوضع ومآلاته “يجري اليوم تسليم بلدنا للميليشيات المسلحة لتحل محل الدولة بواسطتها يجري استدعاء الجماعات الإرهابية تمهيداٍ لمعركة خطيرة تعيد فرز اليمنيين إلى هويات صغيرة ومتنافرة ضداٍ على هويتهم الجامعة بطريقة تخدم مشروع التقسيم الجاري في المنطقة وخدمة لنفوذ وحسابات قوى إقليمية تعمل جاهدة لتقويض الدولة اليمنية وإبقائها في حالة من الضعف والهشاشة تمهيداٍ لشرعنة التقسيم لاحقاٍ وتقديمه كحل لإنهاء الصراعات .
وتواصلا لطرح مبررات الوجود ” لقد تعطلت لغة السياسة في اليمن وهناك حالة استقطاب مخيفة تعيد تمزيق اليمنيين لمصلحة هويات جغرافية ومذهبية وجهوية وطائفية للقضاء على الهوية اليمنية التي تنسحب رويداٍ رويداٍ بينما تشق خيارات العنف طريقها برسوخ دون أي تحرك لملء هذه الفراغات والعودة إلى الشعب والمواطنين أصحاب المصلحة الحقيقية في منع انهيار دولتهم وبلدهم الذي يتهاوى الآن .
لقد لامست المخاطر اليوم الجميع وعلينا أن نتحرك لإعادة الاعتبار للدولة والدفع باتجاه إجماع وطني لتجنيب البلاد المصير المرعب الذي يتربص بنا جميعا إحساسا بهذا الخطر .
وطبقا لعبدالعزيز المجيدي فهناك إقبال للانضمام إلى هذه الحركة المدنية وهو ما يعكس وعي ورغبة المجتمع بتجاوز المخططات الهدامة لبنيته وكيانه .
وستشهد الفترة القريبة فعاليات متسارعة لأجل الحد من التطور الخطير للأحداث .