زراعة التين الشوكي “البلس” واقع يتألم


وزارة الزراعة : هناك اتفاقيات لدعم تصدير الفاكهة لم ترِ النور بعد
الاتحاد الزراعي: صادرات منطقة غيمان من التين الشوكي إلى دول خليجية وعربية بلغت 65 ألف طن وشغلت حوالي600 يد عاملة
اقتصاديون :
زراعة التين الشوكي بدلا عن القات وتسويقه على المستوى الخارجي سينقذ الاقتصاد الوطني
دراسات:
يعالج الكثير من الأمراض ويمد الجسم بالكثير من الفيتامينات والأملاح والحمضيات ويستخرج منه السماد العضوي ومواد تجميل
مختصون:
التين الشوكي يحتاج إلى معامل صناعية ودعم حكومي لتسويقه داخليا وخارجيا وهو الأمر المفقود
● تقاوم الجفاف وقليلة الاحتياج للمياه وتتلاءم مع أغلب أنواع التربة وتنتشر في أغلب المناطق اليمنية إلى جانب ذلك تتمتع بمميزات كثيرة فحسب الدراسات العلمية الحديثة فإن فاكهة التين الشوكي تعمل على علاج الكثير من الأمراض كالسكر والضغط والمعدة والوقاية من أمراض أخرى …
دول عدة قامت بزراعته وتسويقه محليا ودوليا وحققت أرباحا طائلة أما في اليمن التي انتشرت فيها زراعته مؤخرا فقد بات فيها يعاني من إهمال رسمي وإحباط مجتمعي بعد أن كان أهالي منطقة غيمان بمحافظة صنعاء قد أخذوا زمام المبادرة وزرعوا التين بدلا من القات وتمكنوا من تسويقه محليا وتصديره إلى دول خليجية وعربية ووظفوا مئات الأيادي العاملة إلا أن الصعوبات التي يواجهونها وفي مقدمتها غياب الدعم الحكومي تنذر بتوقف زراعته..

يذكر التاريخ أن فاكهة التين الشوكي “البلس” كانت من أكثر الفواكه التي كان القدامى يفضلونها في أكلاتهم اليومية ولم يقتصر التين الشوكي عندهم على كونها فاكهة فحسب بل كانوا يستخدمونها لأغراض أخرى منها علاجية لبعض الأمراض كتخفيف السمنة الزائدة وعلاج الاضطرابات في الجهاز الهضمي “عسر الهضم” وللقضاء على رائحة الفم الكريهة كما استخدموها لعلاج أمراض الجهاز التنفسي والسعال الديكي وذلك باستخراجهم للمادة اللزجة المشابهة للعسل والتي تكمن وسط “لوح” التين بعد عملية استخراج بدائية كانوا يقومون بها ومما زاد من شغفهم بالتداوي بهذه الفاكهة أنها لا تسبب لهم أعراضا جانبية في الغالب كما هو الحال مع بعض الأعشاب التي كانوا يتداوون بها أيضا كان القدامى يعتمدون على مخلفات التين الشوكي كغذاء للإبل والتي تفضلها بشكل كبير.
ويذكر بعض المؤرخين أن فاكهة التين الشوكي كانت مذكورة في كثير من النقوش القديمة للعرب وغير العرب من الفرس وبلاد الهند والاغريقيين ورغم تعدد الدراسات الحديثة حول هذه النبتة إلا أنها لم تتمكن من تحديد الموطن الأول لهذه النبتة فمن الدراسات من تنسبها إلى بلاد الهند ومنها إلى أمريكيا اللاتينية ومنها إلى بلاد فارس وبعض دول شمال الجزيرة العربية والأرجح أنها وجدت في مواطن كثيرة مثلها مثل الكثير من النباتات أما زمنها فيعتقد الكثير أنها قديمة قدم الزمن الأول .
التين حالياٍ..
لم يكن استخدام القدامى للتين الشوكي لعلاج بعض الأمراض اعتقادا غير مبني على حقائق تثبت لهم قدرته على ذلك فالدراسات العلمية الحديثة تثبت أن التين الشوكي من أفضل الفواكه الموجودة على ظهر الأرض فهو يتمتع بقيمة غذائية عالية تمد الجسم بالكثير مما يحتاجه كما أنه يعمل على علاج الكثير من الأمراض وله استخدامات أخرى حيث يؤكد الخبراء والباحثون أنه وبعد تحليل الفاكهة تبين أن كل ??? جم منها يحتوى على مواد رطبة بنسبة 80.3 % وباقي النسبة عبارة عن مواد صلبة منها %13.4 سكريات و??% حموضة و??% بروتين و?3 دهون ?و.? % ألياف أما الفيتامينات التي يحتويها فهي فيتامين أ ج سي إي بي1 بي2 ومن الحمضيات حمض الليمون والتفاح وحمض اوكزاليك وحمض جلوتانيك ومن الأملاح الكالسيوم والفوسفور .
وإلى جانب ذلك وبناء على ما أثبتته الدراسات العلمية التي أجريت في مراكز أبحاث دولية فإن هناك قائمة من الأمراض عملت فاكهة التين الشوكي على علاجها بشكل ممتاز ومن تلك الأمراض السمنة وعسر الهضم وتساعد إلى حد كبير في علاج الأمراض العصبية وحالات التشنجات لأنه يمد الجسم بكمية مناسبة من عنصر البوتاسيوم والماغنيسيوم فينظم درجة الحرارة في الجسم ويحد من التوتر كما تعمل هذه الفاكهة على تثبيت سكر الدم ما يعني تخفيف معاناة مرضى السكر ويعالج كذلك مرض الضغط.
وفي ذات السياق تؤكد تلك الدراسات أن تناول الفاكهة بشكل مستمر يعطي وقاية للجسم من إصابته ببعض الأمراض إذ تعمل على تنشيط جدران المعدة طبيعيا وتعمل على تنظيف الجهاز الهضمي من المخلفات التي تترسب عند البعض مما قد يسبب له أمراضا قد لا يتمكن المصابون بها وهم من الطبقة الفقيرة من معالجتها.

في الاتجاه ذاته يذكر لنا المهندس الزراعي محمد العبيدي أن التين الشوكي يمكن الاستفادة منه ــ إلى جانب الفوائد الصحية ــ في أغراض أخرى عديدة فمثلا يستخرج منه السماد العضوي الذي نحتاجه بدرجة كبيرة للتربة إذ يعد السماد العضوي أفضل بكثير من السماد الكيماوي فهذا الأخير يعمل على إفساد التربة مستقبلا بعكس الاول كما يستخدم التين الشوكي في صناعة مواد التجميل ويعد من أفضلها.
وأضاف العبيدي “ما يميز التين الشوكي أن زراعته غير مكلفة فهو يقاوم الجفاف ولا يحتاج إلا لنسبة قليلة من المياه ولذلك فقد انتشرت زراعته في كثير من بلدان العالم حتى أن الكثير من الدول العالمية والعربية انتهزت فرصة زراعته وتسويقه محليا ودوليا لتحوله من نبتة عادية إلى عملة صعبة حققت أرباحا اقتصادية هائلة وشكلت رافدا قويا لاقتصاداتها الوطنية ومن تلك الدول المغرب والتي شجعت على زراعته وأقامت المصانع التي تتولى عملية إعداده للتصدير بحسب المواصفات العالمية” .

عكس العالم
في اليمن الوضع يختلف كثيرا عن بلدان العالم حيث الإهمال يتربع على عرش الجهات الرسمية “الدولة” وغير الرسمية “المواطن” فعلى الرغم من انتشار زراعة التين الشوكي في أغلب مناطق الجمهورية وبكميات كبيرة وبدون أي جهد زراعي في الغالب إلا أنها كانت وما تزال تعتبر في نظر اليمنيين بما فيها الدولة إما مجرد فاكهة للفقراء وإما نبتة مؤذية عند البعض فيتم قطعها أو مغيبة عن تفكير الكثيرين .
مؤخرا تنبه أهالي منطقة غيمان الواقعة جنوب غرب محافظة صنعاء إلى التين الشوكي وما يمكن أن يحقق لهم لو أنهم انصرفوا إلى زراعته بدلا من شجرة القات التي تستنزف المياه من أراضيهم وبالفعل قاموا بتقديم أوراق طلب اعتماد جمعية إلى الاتحاد التعاوني الزراعي قبل حوالي ثلاث سنوات وبرأس مال عند التأسيس حوالي خمسة ملايين وثمانمائة ألف ريال يمني لتتولى مهام زراعة وتسويق التين الشوكي بعدها قامت “جمعية غيمان” وأهالي المنطقة بزراعة التين الشوكي وبكميات كبيرة وبدأوا بتسويقه إلى بعض المدن كأمانة العاصمة عبر العربات المتحركة بعد أن استقطبوا مئات العاملين لذلك وقد حققت الفاكهة رواجا كبيرا حتى أن أسعارها قفزت من 10 ريالات للحبة الواحدة إلى حوالي 80 ريالا ولم يقتصر أهالي غيمان على تسويق الفاكهة محليا وحسب فقد فتحوا لهم أسواقا خارجية وقاموا بتصديره إلى بعض الدول الخليجية والعربية وهي الإمارات والكويت ولبنان وبلغ حجم صادراتها إلى حوالي 65 ألف طن في السنة بقيمة بلغت حوالي 400 مليون ريال ومن خلال هذا النشاط تم تحريك حوالي 600 يد عاملة من الشباب الذين كانوا بأمس الحاجة للعمل.
إنقاذ
أساتذة علم اقتصاد أكدوا من جانبهم ــ في تصريحات مختلفةــ أن الأزمات التي تتوالى على اليمن هي اقتصادية بالدرجة الأولى ويعمق هذه الأزمات تعرض مصادر الدخل في الدولة لعمليات التخريب المتواصلة ولكبح جماح هذه الأزمات ينبغي التوجه إلى الزراعة لتأمين معيشة الناس وبما أن التين الشوكي يتمتع بمميزات عدة كمقاومته للجفاف وقلة احتياجه للمياه وسرعة انتشاره في الوقت الذي تعاني فيه اليمن من مشاكل بيئية كشح الأمطار في الكثير من المناطق وتدهور مساحات كبيرة من التربة فإن التين الشوكي يعد بمثابة المنقذ للاقتصاد اليمني فهو سيعمل أولا على تشغيل عشرات الآلاف من الأيدي العاملة وسيعود على الدولة بالعملة الصعبة وسيقتلع شجرة القات التي تستنزف المياه وعند تحسن الحالة المعيشية للفرد ستهدأ أعمال العنف في البلد .

منطقة غيمان
من المؤسف أن يقوم الأهالي بجهود مضنية ويحققوا كل هذا الرواج لنبتة ما زالت طيِ الإهمال عند غالبية اليمنيين في الوقت الذي يؤكد فيه اقتصاديون أن توسيع هذا النشاط يمكن أن يرفد الاقتصاد اليمني المنهك بملايين الدولارات.
مطالبين الجهات المعنية بعدم الاقتصار على التصريحات الإعلامية هنا أو هناك والتغنى بما فعله أهل منطقة غيمان في الوقت الذي يحتاج فيه أهالي المنطقة وبقية المناطق التي تريد زراعة الفاكهة إلى معامل تقوم بتجهيز الفاكهة بحسب المواصفات المطلوبة عالميا لتصديرها إلى الدول الخليجية والعربية والعالمية.
أيضا يشكو المزارعون من زيادة أعباء الشحن والتصدير ــ بالذات الشحن الجوي ــ مما زاد الطين بلة وأثقل كاهلهم رغم أن هناك مبالغ بمئات الملايين مخصصة لدعم المشاريع الزراعية من جهة ودعم الجمعيات الزراعية من جهة أخرى.
وطبقا لمصدر رسمي في وزارة الزراعة فإن هناك بندا مخصصا لدعم الجمعيات يصل إلى أكثر من 250 مليون ريال سنويا علما بأنه خْفض في هذا العام إلى حوالي 90 مليون ريال إلى جانب ذلك يقوم البنك الدولي بدعم هذا الاتجاه إما عبر منح أو قروض وكذا الصندوق الاجتماعي للتنمية وجهات أخرى كثيرة غير أن أهالي غيمان لم يحصلوا على شيء من ذلك .
موقف الدولة
وكيل وزارة الزراعة لقطاع تنمية الإنتاج الزراعي المهندس عبدالملك قاسم الثور تحدث عن دور الدولة في تنمية زراعة التين الشوكي فقال “حتى اللحظة ما حدث من ترويج للتين الشوكي في اليمن من خلال زراعته وتسويقه محليا ودوليا كان عبارة عن مجهود مجتمعي لا أقل ولا أكثر من قبل أهالي غيمان وقد تعاونت وزارة الزراعة مع الأهالي في جانب التسويق ففتحت لهم أسواقا خليجية وعربية وتتولى الوزارة مهمة تسهيل عملية التصدير وقد تم توقيع اتفاقية مع شركة طيران اليمنية على تخفيض سعر الشحن لتتخفف الأعباء على الأهالي غير أن هذه الاتفاقية وغيرها لم ترِ النور حتى الوقت الحالي”.
وعن جدوى توسع زراعة التين الشكوي يقول “في حال توسعت زراعته وتحسنت زراعة بقية الأصناف الزراعية بالتأكيد سيكون ذلك التوجه رافدا قويا للاقتصاد الوطني”.
الاتحاد التعاوني الزراعي كان أكثر موضوعية في طرحه للمشاكل التي تعترض توسع زراعة التين الشوكي في اليمن أو مدى قدرته على الاستمرار في منطقة غيمان صنعاء وقال مدير عام التنظيم بالاتحاد المهندس محمد العبيدي الذي أبدى أسفه الشديد للوضع الذي تمر به زراعة التين الشوكي “في الحقيقة أن توسع زراعة فاكهة التين الشوكي باليمن سيجعل منها رافدا قويا للاقتصاد فهي نبتة مقاومة للجفاف وقليلة الاحتياج للمياه إضافة إلى أن البيئة في اليمن مساعدة إلى حد كبير لنموها وانتشارها وقد أكد ذلك حجم الإنتاج السنوي من منطقة واحدة هي غيمان إذ وصل إلى حوالي 65 ألف طن فكيف إذا زرعت الفاكهة في عموم مناطق اليمن لكن ما يحدث اليوم لهذه البادرة أنها تحتاج إلى معمل أو مصنع كي تسوق الفاكهة محليا وخارجيا حسب المواصفات المطلوبة كما هو الحال في الدول التي تصدر ذات النبتة”.
وعن دور الاتحاد في توفير مثل هذه المعامل كي تتوسع الزراعة في هذا المجال أكد أن” الاتحاد كان قد قرر التعاون مع هذه المبادرة واعتْمدت أوراق تأسيس جمعية غيمان وحاولنا البحث عن مصدر تمويل للمعمل غير أن الأوضاع الراهنة التي يمر بها البلد لم تمكنا من ذلك فالمبالغ التي كانت في ميزانية وزارة الزراعة لدعم الجمعيات الزراعية خفضت من 250 مليون ريال إلى 90 مليون ريال بينما المعمل الواحد يحتاج إلى ما لا يقل عن 60 مليون ريال في الوقت الذي يصل عدد الجمعيات التعاونية الزراعية إلى حوالي 350 جمعية وكلها بحاجة للدعم” .
من المسلِمات
من المسلِم به أن الجهات المعنية اليوم في واد آخر على ما يبدو لذا لا ينتظر أحدا منها تشجيع أي فكرة تنموية لكن بالمقابل أين هو القطاع الخاص والمستثمرون من هذه الأفكار والمبادرات الشعبية الرائعة.
ويبقى السؤال: هل ستمضي زراعة فاكهة التين الشوكي قدما في ظل واقع غير مشجع.. خصوصا تين غيمان الذائع الصيت.. أم أن العربة ستسبق الحصان..¿

قد يعجبك ايضا