■ شهيد يزف إلى الجنات.. وعميل تلاحقه وأسرته اللعنات


عيد مختلف هذا العام يستقبله أهالي غزة.. فقد انقلبت موازين ومعادلات الحرب لصالح هذه الفئة المحاصرة والمستصغفة .. ما بين العيدين تطوى آلاف القصص والبطولات والكرامات التي اعادتنا لزمن المعجزات كيف لا تطوع الطبيعة بين أيديهم ويلين الحديد لهم وتتفجر الأرض ينابيع لبشر كسروا المستحيل وفاجأوا العالم بإرادة ومقاومة وصبر يحسدون عليه.. فكل عام وأنتم بعزة يا أهل غزة.

تستعد النساء في غزة والأمهات لعيد الأضحى المبارك بصنع كعك مقاديرة الدقيق والسكر وماؤه دموعهن الحارة على من فقدن في الحرب وتجتمع كل ثلاث أو أربعة أسر ولتتعاون على إعداد الكعك وتسترجع النساء ذكرياتهن المؤلمة لذلك العدوان الغاشم وما يميز كعك هذا العيد أن له نكهة العزة والفخر.
عاد إلى الحياة
في تلك الحرب البربرية فجعت الكثير من العائلات بفقد أبنائها وعم الحزن كل منزل واعتصر الألم قلب كل أب وأم وفي أحد المستشفيات أخبر الأطباء والد الطفل سليمان محروس ذو الثلاثة أشهر بوفاته فسقط من البكاء عليه فأدخل الكفن وأثناء توديعه سمعوا صوت بكائه وعودته للحياة مرة أخرى وسط تكبير وفرحة والديه.

لعنات
ما يهون مصيبتة فقد زوج أو ابن أو أب أنهم ماتوا شهداء فيبارك المعزون لأسرة الشهيد ويغبطونه على هذه المكانة ويزف إلى قبره كما لو كان عريسا بالزغاريد وتتفاخر الأسر بعدد شهدائها وبالمقابل أمهات يتجرعن المرارة والخزي بسبب تخابر أبنائها مع قوات الاحتلال وحين يقدم العميل على هذا الفعل لا يدرك حجم وفداحة الموقف من خيانة عظمى لبلده ولدينه حين يرشد عن قادة حماس ويتسبب بقتلهم ولا يستوعب مدى الفضيحة والعار والخزي الذي يلحقه بأسرته وبكل أقربائه فينبذهم المجتمع وتظل الشكوك حولهم حتى وإن كانوا أبرياء بتهمة العمالة براءة الذئب من دم يوسف وتظل هذه اللعنة تلاحقهم لآخر يوم من حياتهم فلا يرضى أحد أيد يزوجهم أو يتزوج من بناتهم يسيرون مطاطئي الرؤوس وهمهمات المواطنين تخترق آذانهم هذا أخو العميل.. هذا أبو العميل وتتجرع أم العميل مرارة وقهراٍ لا يوصف حين ترى مكانة أم الشهيد بين الناس وهي تمشي رافعة رأسها بفخر فهي.. أم الشهيد ومع أن كليهما قتلا لكن شتان بين هذا وذاك فالأول يترحم عليه الجميع ويذكروا مناقبه والثاني تلاحقه اللعنات حيا وميتاٍ.. وفي حرب غزة الأخيرة بدأت ظاهرة العمالة والتخابر مع العدو تزداد وازداد بذلك الخطر على حياة قادة حماس وأسرهم وقد استشهد الكثير منهم بسبب المعلومات التي قدمها العملاء لإسرائيل عن تحركات قيادات كبيرة في المقاومة وما كان مقتل الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي إلا واحدة من هذه العمليات وكذلك نقل معلومات حول عناصر المقاومة واستهدافها والإرشاد بالوصف الدقيق لمنازل عدد من المقاومين.
وتحديد مواقع وأهداف مدنية وعسكرية من خلال أجهزة وجمع أرقام هواتف عناصر المقاومة واستلام أجهزة ومعدات من العدو لأغراض التجسس وتصوير منازل وسيارات المواطنين واستهدافها ونشر الشائعات التي تبث الرعب بين المواطنين والإدلاء بأماكن وأهداف المقاومة التي تحمل منصات الصواريخ.
وحين تستهدف الطائرات منزلا لقيادي أو تقصفه داخل سيارته تتعالى اللعنات على العميل قبل العدو فلولا الخيانة من الداخل لما استطاعت إسرائيل أن تنال من القادة الذين طالما لقنوها دروسا مؤلمة فكان العملاء كالسوس الذي ينخر في الأساس لذا تمت الاعدامات الميدانية ردعاٍ لغيرهم بل وصل الأمر بإحدى الأسر أن سلمت أبنها حين علمت علاقته بإسرائيل وتقديم معلومات لهم.
لدرجة أن إحدى الأمهات قبل سنوات تزاحم المواطنين المحتشدين لمشاهدة إعدام عميل خائف وبعد إصرارها على رؤيته داست بقدمها على رقبته وصدره وهي تكبر قائلة الله أكبر على الخونة.. أقتلوا العملاء” وعلم حينها المواطنون أن هذه المرأة هي أم العميل… حبها لوطنها وحزنها على كل شهيد يفارق الحياة بسبب العملاء يفوق فطرة الأمومة لديها وبعد أن مات ابنها قالت بحسرة “كنت أتمنى أن أقدم ولدي شهيداٍ لكن هذا قدرنا!!.
أربكت المقاومة جيش الاحتلال بطريقة جديدة من المواجهة وقلبت موازينها رأساٍ على عقب فالأنفاق التي كان يخرج منها المقاومون لم تكن بالحسبان فضربت إسرائيل في عقر دارها ولقنتها درساٍ مؤلماٍ ليعود المقاومون إلى باطن الأرض وسط ذهول أمهر الخبراء العسكريين الإسرائيليين الذين يمتلكون أحدث الطائرات وقاصفات الصواريخ هذه الانفاق لم توجد صدمة ” فقل اعملوا فسيرى الله عملكم “والنصر يأتي بعد ذلك والكثير يستيهينون بالأنفاق التي حفرها المقاومون لكنها استغرقت وقتاٍ وجهداٍ لا يحتمله بشر بقدراته العادية لكن حين تتوافر الإرادة فكل شيء ممكن مع مقاومين من طراز خاص!!

إعجاز
يتحدث الدكتور هاشم المغاري استاذ الدراسات الأمنية بأكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية الاستراتيجية عن واحد من أعقد الأنفاق والإعجاز يكمن الجهد الذي بذل لحفره بواسطة وسائل بدائية ومعدات لا ترقى لحفر بئر صغير فقد قدر عرض النفق بـ1.2 متر وارتفاع بلغ 2.2 متر وبحجم إجمالي 6600 متر مكعب وقدرت كمية الرمال المستخرجة من داخل النفق ما يعادل 365 شاحنة كبيرة على أقل تقدير لكن للظروف الاقتصادية الصعبة والحصار الخانق لم تتوفر الشاحنات لتفريغ المخلفات لذا عادلت كمية الحفر 660 ألف دلو بما يقارب مليون إلا ثلث فكان المقاوم يحمل عشرة دلاء في كل مرة ذهابا وإيابا بواسطة آلة بسيطة تساعده على الحمل الثقيل وهذا يعني أن المسافات التي تكبدها المقاومون في إخراج الرمال تزيد صعوبة وتطول المسافة كلما تقدموا في الحفر والمسافة التي قدرت لإخراج المخلفات من جهة خان يونس 165 ألف كيلو متر بما يعادل طول البحر الأحمر 80 مرة والمسافة بين رفح والقاهرة 400 مرة ذلك الجهد لا يطيقه إلا من لديه عقيدة سليمة وإيمان عال بقضيته وما استخدموه في بناء الأنفاق يوازي 15000 ألف بلاطة خرسانية من الحجم الكبير التي يحتاج حملها بالنفق هذه المسافات الطويلة رجال أشداء فكان إجمالي مسافة نقل هذه البلاطات 18000 ألف كيلو متر بطول البحر الأحمر 18 مرة كل هذا الحديث والأرقام والجهد عن نفق واحد ناهيك عن بقية الأنفاق التي رصدتها المخابرات الأمريكية لستين ممرا تحت الأرض ولكل نفق أكثر من مخرج فكانت الصفعات متوالية فما يكاد يستفيق حتى يباغته المقاومون بعملية جديدة من مكان آخر هؤلاء هم أصحاب الكرامات!!

فرحة
من قال أن زمن المعجزات قد ولى فما دامت الأرض تنجب رجالاٍ كالمقاومين فالمدد من الله موصول ومهما حاول جيش الاحتلال وأنفق الملايين في تدمير هذه الأنفاق لن يستطيعوا كسر شوكة المقاومة فحين دمر الاحتلال مخرج أحد الأنفاق انقطع اتصال 29 مقاوما داخل الأنفاق بغرفة العمليات ولم يستطع أحد مساعدتهم بسبب شراسة الضربات التي وجهت للقطاع وظل المقاومون أسابيع بداخل النفق بعد أن نفذ الماء وبعض التمرات التي كانوا يقتسمونها فيأكل أحدهم نصف تمرة على السحور ويفطر بالنصف الآخر في المغرب هذه الفترة الطويلة من بقائهم تحت الأرض أيقن الجميع بعدها أنهم قضوا نحبهم وبعد وقف إطلاق النار هرعت طواقم الإنقاذ وسيارات الإسعاف لانتشال الجثث وسط أهالي المقاومين الذي يعزي بعضهم بعضا لكن لم يصدقوا أعينهم بعد إزالة التراب والمخلفات بخروج 23 منهم أحياء فرحة لا توصف وكرامة من الله يتحدث عنها قائدهم الذي قال: بعد تدمير المخرج قمنا باقتسام التمرات التي نمتلكها والماء وبعد نفاذ ما لدينا أوشكنا على الهلاك فبدأنا بالاستغفار وصلينا صلاة الحاجة متضرعين إلى الله بكل جوارحنا ومكثنا على هذا الحال حتى ظهر الماء من تحت أقدامنا فكنا نضع قطعة من ثيابنا على الماء ثم نشرب ما تحمله الثياب وظللنا كذلك حتى تم إحراجنا من النفق.

رؤيا
كثير من المقاومين يلهمون بقرب أجلهم فالشهيد محمد الحواجري غلبه النعاس في الجامع بعد أداء الصلاة فرأى في منامه والدته المتوفية تقول له: “لقد أطلت الغياب يا محمد متى ستأتي” فأخبر أصدقاءه بمار رأى وعاد إلى منزله فحلق شعره وارتدى أجمل ثيابه وتطيب فقال له أحد أصدقائه ما بك يا محمد فأجابه متبسما: “أنا ذاهب لمكان جميل للقاء الله ورسوله وأمي” وظل مرابطا في موقعه مع ثلاثة من المقاومين حتى الفجر فضربتهم طائرات الاحتلال وبعد انتشال جثته وجدوا أصبع سبابته اليمنى مرفوعة في وضع الشهادة ورائحة المسك تفوح برائحته أدهشت الحاضرين.

قد يعجبك ايضا