الخطاب الديني من أهم دوافع تصاعد ظاهرة العنف السياسي


هناك علاقة ارتباط وثيقة بين مسؤولية ضبط الخطاب الديني والأمن الوطني
العنف لفرض الأنا بعباءة الدين سفك الدماء وأرهق الأمة
كلما ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻨﻰ ﻭﺳﻄﻴﺎ ﺗﻨﻮﻳﺮﻳا كلما ساد ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.. وكلما ﺗﺤﻮﻝ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻨﻰ ﺇﻟﻰ ﺳﺎﺣﺎﺕ ﻟﻠﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺣﺰﺑﻴﺔ وطائفية من أجل تحقيق مكاسب ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ كلما تسبب ﻓﻲ صراعات سياسية عنيفة ﺗﻜﺪر ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺍﻷﻫﻠﻲ ﻭﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ.. وما تشهده البلدان العربية ومنها ﺒﻼﺩنا ﻣﻦ صراعات سياسية شديدة خلال الفترة الزمنية الحالية التي تعد من ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻟﻔﺘﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ تمر ﺑﻬﺎ المنطقة ﻣﻨﺬ ﻋﻘﻮﺩ, يثير التساؤل عن مدى مسؤولية العلاقة بين الخطاب الديني والعنف السياسي الجاري حالياٍ¿ وهذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال الاستطلاع التالي:
كما هو معروف للجميع ﺃﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺨﻄﺒﺎﺀ ﻟﻬﻢ ﺍﻧﺘﻤﺎﺀﺍﺕ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻤﻨﺎﺑﺮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺻﺮﺍﻉ ﺳﻴﺎﺳﻲ منذ سنيين ماضية الأمر الذي ﺃﺛﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻠﺤﻮﻅ ﻋﻠﻰ حالة الصراع الذي يشهده اليمن الآن.. هذا ما أكده الشيخ مصطفى العبالي –داعية وخطيب مسجد – في مستهل حديثه قائلا: إن الأمية والجهل بالأمور الدينية مازال يعم شريحة واسعة في المجتمع اليمني المحافظ, الذي يثق بشكل عام بأهل العلم من دعاة وخطباء .. دون تمحيص وتدقيق وتمييز بين المتطرف والمتعصب المتشدد وبين الوسطية والاعتدال.. لذا نجد بعض الجماعات تستغل الأمر لتضليل العامة باسم الدين لتحقيق طموحات ذاتية أو فئوية أو طائفية أو حزبية ليست من الدين الإسلامي في شيء.. وأن المسئولية تقع بالدرجة الأول على الجهات الرسمية التي لم تتمكن من ضبط عملية الخطاب الديني.. وعلى الأقل توعي الناس بمخاطر الخطاب المتطرف وأضراره على السلم الاجتماعي.

ﺍﻷﻧﺎ
فيما يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي جابر الحسام أن من أهم الدوافع في تصاعد ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻌﻨﻒ السياسي في ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ, هو ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﻏﺮﻳﺰﺓ ﺣب اﻟﺴﻴﻄﺮﺓ , ﻭﻓﺮﺽ ﺍﻷﻧﺎ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ تحت غلاف وعباءة الدين , ﺑﻬﺪﻑ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻤﺴﻮﻍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎعي ﻠﻤﺨﺘﻠﻒ الممارسات ﺍﻟﻌﻨﻴﻔﺔ من أجل ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺂﺭب ﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺗﺼﻔﻴﺔ الخصوم ﻭﻓﺮﺽ القمع ﻮﻣﺼﺎﺩﺭﺓ ﻛﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻵﺧﺮ ﻋﻨﻔﺎٍ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴٍﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴٍﺎ ﻣﻀﺎﺩٍﺍ ﺣﺮﺹ ﻫﻮ ﺍﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻠﺒﺲ ﺑﻠﺒﻮﺱ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻻﻧﻄﻼﻕ ﻣﻦ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﻓﻘﻬﻴﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻗﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﻤﺎ ﺃﺭﻫﻖ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺴﻔﻚ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ كما هو حاصل اليوم… ﻭﻟﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺮ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻫﻮ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺒﺮﺭﺍﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ… واستخدام ﻛﻞ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻗﺼﺪ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ أهدافها دون تفريق بين ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﻨﺸﻮﺓ ﺍﻟﻄﻤﻮﺡ وﺑﻴﻦ ﺍﻷﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ .
مؤكداٍ أن بروز عدد من التيارات الفكرية التي ﺗﻨﺘﻬﺞ ﻣﻨﺎﻫﺞ ﺍﻟﺘﻄﺮف ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺃﻣﺮ ﺧﻄﻴﺮ ﺟدﺍ يجعل أمر الخطاب الديني مرتبطاٍ ارتباطاٍ وثيقاٍ بالأمن الوطني لذا فإن ﻣﺴؤﻮﻟﻴﺔ ﺿﺒﻂ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻨي ﻗﻀﻴﺔ ﺃﻣﻦ وطني لليمن.

الجور
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور أحمد الزنداني فيقول: ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻘﺼﺪ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ , ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺩﻳﻦ ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ ﻳﻨﻈﻢ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻼ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺃﺛﺮاٍ ﻣﺒﺎﺷﺮاٍ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ , ﻭﺫﻟﻚ يرجع إلى الضيم والاعتداء والقهر الذي يلحق ﺑﺎﻷﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ سواء من دول الاحتلال والاستعمار المباشر وغير المباشر لبعض الدول, أو من قبل أو من بعض الفئات على الفئات الاجتماعية, وذلك أدى بقطاعات كبيرة من المجتمعات بالرجوع إلى الدين ﻭﺇﻟﻰ ﻋﻠﻤﺎﺋﻪ بحثاٍ عن ﻣﻌﺎلجات ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ. لاسيما عندما ﺗﻔﺸﻞ ﺍﻟﺪﻭﻝ العالمية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص في ﺮﻓﻊ ﺍﻟﻈﻠﻢ والمعاناة وتحقيق المساواة والعدل, إلا عندئذ لا يجد ﺍﻟﻤﺘﺄﺛﺮوﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ إﻻ اللجوء إلى ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺗﺘﺒﻨﻰ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺧﺎﺭﺝ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺷﺮﻋﻴﺘﻬﺎ ..ﻭﻓﻲ ﺭﺃﻳﻲ -الزنداني- ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺇﺫﺍ ﺗﺤﻤﻠﺖ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻬﺎ الكاملة ﻭﻧﻈﻤﺖ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺑﻄﺮﻕ ﻣﺸﺮﻭﻋﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺠﺎﻟﺴﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﺘﺨﺒﺔ ومؤسساتها الوطنية, ﻷﻏﻠﻘﺖ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺑﻄﺮﻕ ﻻ ﺗﻘﺮﻫﺎ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺑﻠﺪﺍﻧﻬﻢ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻬﺎ.

غياب المشروع
ومن جهته يرى وكيل وزارة الأوقاف الأخ عبدالرحمن المزلم أن العنف السياسي هو نتاج للصراع الذي يحدث بين السلطة السياسية والجماعات المنظمة التي تنافس السلطة السياسية المحتكرة لوسائل الإكراه (القوة) في المجتمع بمعنى أن ظهور الصراع السياسي في المجتمع يؤدي بالضرورة إلى ظهور مفهوم (السلطة متعددة السيادة) ويقصد بذلك توافر قوى متنافسة في المجتمع مما يؤدي إلى إضعاف دور الحكومة وبروز تكتلات القوى التي تخلق تحدياٍ للسلطة القائمة والذي بدوره يؤدي إلى تفكك السلطة السياسية وهو بالنهاية دليل على غياب المشروع السلمي بالنسبة للقوى التي تواجه الدولة بالعنف..وهو كذلك جزء من عدم وجود علاقة مطردة بشكل دائم بين عدم المساواة في توزيع الدخل والقهر الاجتماعي وبين العنف السياسي كذلك…وكلما ساءت عملية التوزيع العادل للثروات وتضخمت المتناقضات الاجتماعية والاقتصادية ساد إحباط فردي وسخط جماعي يمهد لأحداث سلسلة من بؤر توتر وصراع يهدد بالانفجار متى سنحت الفرصة.

دفاع
أما عن دور وزارة الأوقاف والإرشاد فيقول المزلم: إن وزارة الأوقاف والإرشاد لا تألو جهدا في نشر منهج الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف والغلو وغرس ثقافة المحبة والتعايش والسلم الاجتماعي .. من خلال الخطب والمحاضرات والندوات وإقامة الدورات التدريبية للخطباء والمرشدين والدعاة … لكن دور الوزارة وحده لا يكفي دون تحمل المسؤولية من قبل الجماعات الدينية والخطباء والمرشدين باختلاف توجهاتهم ومشاربهم سيما في بلدنا خاصة أن هناك الكثير من القائمين على الخطاب الديني أفرادا وجماعات لا يلتزمون بتوجيهات رسمية.. وبالتالي فإن العلاقة بين الخطاب الديني والعنف السياسي علاقة دائمة ومستمرة , غير أنها في عصرنا الحاضر تزداد سوءا وتتصاعد نحو العنف أكثر.

قد يعجبك ايضا