تفترض خطة ترامب نزع الغطاء الديمغرافي عن المقاومة لتدميرها، وتتحدث الخطة العربية عن نزع ناعم للسلاح مقابل إعادة الإعمار والبقاء
العرب يقايضون غزة.. الإعمار مقابل نزع السلاح
دعوة بيان القمة مجلس الأمن إلى نشر قوات سلام هي خيانة وشرعنة لنشر القوات الأمريكية وتنفيذ خطة ترامب
تقرير/ إبراهيم الوادعي
الآمال بموقف عربي موحد في وجه ترامب وخطته لصنع نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، تتبخر كليا..
يدمر الأمريكي والصهيوني قطاع غزة، ويأتي العرب ليبنوا ما دمره العدو الإسرائيلي والأمريكي.
سيقول أحدهم أن ذلك فعل الأخوة متى ما ألمت بأحدهم مصيبة، لكن حين يقايض الأخ أخاه على تسليم سلاحه، فذلك هو الغدر والتموضع إلى جانب الأعداء.
بيان القمة العربية يتحدث عما سماه التعامل مع مسألة سلاح الفصائل الفلسطينية” من خلال أفق سياسي واضح” وهي صياغة ملطفة لمصطلح نزع السلاح الخشن، ولعمري ذلك ما عملت لأجله إسرائيل ومن خلفها أمريكا وضربت بآلاف أطنان الأسلحة ولم تفلح، وان السلاح الشرعي يبقى سلاح السلطة الفلسطينية، كلاشينكوف ومسدس ، وما سواه حكما من الهاون إلى الصاروخ غير شرعي .
تقوم خطة ترامب بشأن قطاع غزة على إخلاء القطاع من سكانه وذلك الجزء الأهم والهدف الذي يريد الأمريكان تحقيقه، لنزع الغطاء الديمغرافي عن المقاومة وبالتالي تدمير القطاع بمن فيه.
فشلت في ظل صمود البيئة الحاضنة المقاومة الآلة العسكرية الأمريكية أكثر من الإسرائيلية، حيث أطنان الأسلحة نقلت إلى كيان العدو الإسرائيلي، وحيث الضباط والقادة الأمريكيون يديرون الحرب على القطاع المحاصر، والناتو بكل قوته وأساطيله التي حضرت إلى المنطقة، ناهيك عن التواطؤ العربي وتمويل العمليات العسكرية الإسرائيلية، كما فعلت الإمارات ودول خليجية كبيرة.
فشلت آلة التوحش غير المسبوقة الأمريكية الإسرائيلية رغم الخذلان الذي تعرضت له المقاومة والقطاع الصغير من أشقائه العرب وبالأخص الجارة مصر التي أغلقت بوابة معبر رفح، ولم يسلم جنودها من القتل الإسرائيلي أو يسلم قادتها من الإهانات التي وجهها لهم الكيان بين الفينة والأخرى.
فشلت جميع تلك الإجراءات الخشنة في إرغام المقاومة على الاستسلام وقاتلت في ظل حصار مطبق لم يشهد له العالم مثيلا ساهم فيه للأسف بعض العرب.
وستفشل خطة ترامب قطعا والتي تقوم على ذات الأساليب، أضيف لها فقط الصوت العالي ووقاحة ترامب، لا شيء غير ذلك إضافة إلى مجيء ترامب، فبايدن قدم كل شيء للإسرائيليين، ولا يمكن لترامب أن يزايد عليه في هذا الجانب ومضمار الرعاية الأمريكية للعدو الإسرائيلي باعتباره قاعدة متقدمة للغرب وللناتو في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالطاقة الأحفورية وحتى المتجددة.
تتساوق الخطة العربية البديلة مع خطة ترامب في توفير الأموال لبناء قطاع غزة، أموال غير أمريكية، تتحدث القمة عن 56 مليار دولار سيوفرها العرب لإعادة إعمار قطاع غزة مع فارق أن سكان غزة يبقون.
وتتفق الخطة العربية مع خطة ترامب في التوجه نحو نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وفقا للخطة الأمريكية يتم القضاء على المقاومة عبر نزع الغطاء السكاني، بينما تتحدث الخطة العربية عن سياسات سمتها عقلانية لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وهي إعادة صياغة لطيفة لمصطلح نزع السلاح، وكلاهما يحقق الهدف الإسرائيلي- الأمريكي المتمثل في نزع السلاح بطرق ناعمة كما يريد العرب أو خشنة كما يريد الأمريكي .
وللأسف.. إعادة الإعمار يتحول من سلاح بيد الإسرائيلي إلى يد من يفترض بهم أخوه أشقاء، وبدلاً من أن يكافا الشقيق الفلسطيني لدفاعه عنهم وتعطيل تمدد الإسرائيلي، ها هو يتلقى الطعنات..
لم يكد وقف اطلاق النار يوقع حتى خرجت تصريحات إسرائيلية تتحدث عن الجيش المصري كعدو محتمل، وتتحدث بكل وضوح عن وجوب تدميره، أسوة بالجيش العربي السوري الذي دمر الجيش الصهيوني مقدراته عبر شن ما يقرب من ألف غارة طالت أذرعه البرية والجوية والبحرية ومقراته ومخازن ذخيرته وصواريخه، وليته قاتل بها قبل أن تدمر وهي في مخازنها..
الجيش المصري يبقى هو القوة العسكرية العربية المنظمة، أقله في شمال الجزيرة العربية، ولا غرابة إن أضحى هدفا للجيش الصهيوني.
القاهرة تعرف ويجب أن تعترف أن المقاومة الفلسطينية عملت كحاجز صد بين الإسرائيلي وأطماعه في مصر، ولو تسنى للجيش الصهيوني هزيمة حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة لكانت طلائع القوات الصهيونية في سيناء ولربما كانت المواجهة مع الجيش المصري قد اندلعت..
تحدث رئيس حكومة العدو بينامين نتنياهو عن سبع جبهات يخطط العدو لخوض الجولة الثانية من حرب النهضة كما سماها، وإذا كانت ميادين محور المقاومة خمسة تمتد من غزة إلى لبنان والعراق واليمن وإيران، يحضر الميدانان الأردني والمصري، كميدانين محتملين بعد إسقاط الجبهة السورية بيد عملاء الموساد تحت أي مسمى كان..
في الضفة يفرض المشروع الصهيوني الأمريكي لضمها إلى كيان العدو تحديات أمام النظام الأردني، وهذه الخطة لم تراع حتى الخدمات التي قدمها ولايزال وفي أبرزها تحول السماء الأردنية إلى درع واق أمام الصواريخ والمسيرات الأردنية لحماية الكيان الإسرائيلي بصورة سافرة.
وعلى الجانب المصري لايزال اللعاب الإسرائيلي قائما تجاه سيناء وحلم الوصول إلى النيل يرواد الكيان بعد ذاق حلاوة الاقتراب من دمشق، وهو يسعى لذلك من بوابة التوغل والقضم البطيء وحمل قميص الدفاع عن الدروز.
كان الاحرى بمصر أن تثبت على موقفها تجاه الجماعات المسلحة المسيطرة على الحكم في سوريا وثبت وظيفيتها لدى الإسرائيلي، و تحتضن المعارضين للقاهرة وسبق أن اطلقوا تهديدا عبر الفيديو للقاهرة، أن ترفض استقبال الشرع المؤدي المسرحي من على كرسي السلطة في سوريا خدمة الإسرائيلي والأمريكي، لا أن ترضخ للأمريكي ويرى المصريون رئيسهم يستقبل شخصا يرأس جماعات تنال من مصر كل يوم، ذلك أمر غير مشجع ويجعل الثقة في التصريحات المصرية الرسمية لدى شعبها والمحيط الإقليم عن رفض التهجير الفلسطيني إلى سيناء غير مشجعة، ومحل شك متى ارتفع مقدار الضغط الأمريكي ..
وكان الأحرى بالزعماء العرب بدلاً من أن يلتقوا بقمة و يتجشموا عناء السفر إلى القاهرة ليظلموا غزة مرتين، الأولى حين لم ينجدوها والقصف على رؤوس المدنيين، والذي -وفقا لإحصائية صحة غزة- ارتفعت بالأمس حصيلة الشهداء والجرحى إلى 48,397 شهيدا و111,824 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م، ولاتزال الحصيلة غير نهائية، حيث يسقط شهداء وجرحى جدد نتيجة التصعيد الصهيوني -فقد ارتكب العدو الإسرائيلي 900 خرق للاتفاق منذ توقيعه – ، ورفع الأنقاض وانتشال الجثث، يتحدث المكتب الإعلامي الحكومي بغزة عن 12.222 مفقوداً في غزة، والأخرى حين يصطفون اليوم وراء ترامب ومخططه اللعين، ويقدمون خطة لا تختلف عن خطة ترامب بشيء، سوى في كونها تقدم خدمة للإسرائيلي بوسائل ناعمة في نزع سلاح المقاومة وهو الهدف الأساسي للخطتين الأمريكية والعربية.
كما أن طلب بيان القمة العربية من مجلس الأمن نشر قوات حفظ سلام في قطاع غزة والضفة الغربية، يعتبر خيانة بمعنى دقيق، واقتراباً حد التماهي من الخطة الأمريكية، فأي قوات غير أمريكية أو بريطانية ستقبل الانتشار في غزة تحت البند السابع؟، القادة العرب هنا يغطون ترامب ويبحثون له عن الشرعية ولا يتمايزون عنه .. بئسا لهم..
كان الأحرى وللمرة الثالثة بهؤلاء المجتمعين في القاهرة أن يستقوا بعضا من شجاعة زيلنسكي وهو لا يختلف عنهم تبعية وعمالة للمشروع الأمريكي والغربي، وهم لعمري أكثر جمعا وعدة وعتادا وأكثر مالا.