الشــــاعر.. يهم بالطيران

كما لو كان يهم بالطيران هذا الطائر العجوز أو يحاول أن يتماسك بعد أن حط على غصن شجرة يرتجف.
هكذا أضفت عين الفنان عبدالرحمن الغابري على حركة جسد الشاعر البردوني العظيم دفقة خيال قادمة من الحس الفني والرؤية الثاقبة لكنها تستثمر بوضوح حرية تحرك جسد الأعمى دون إدراك لترقب المصور وعدسته مما يجعله متموجا متحركا دون تكلف أو رسمية يولدها الوقوف أمام الكاميرا أو استشعارها عن قرب.
أمس علقت هذه الصورة في غرفتي إلى جانب صورتين للبردوني إحداهما ويداه مرفوعتان للأعلى حيث تتحرش إحدى يديه بثمر شجرة في حوش منزله وتمسك الأخرى بالغصن كما لو كانت يد الأعمى أداته المعرفية يتلقى بها الإلهام من سماوات المعرفة حيث تقبع آلهة الشعر أو يتسلق الشجرة بدءا من غصنها المرهف وهو يهصره وعلى وجهه ملامح شاعر في لحظة مخاض أما الصورة الثالثة فيظهر فيها ممسكا بسماعة الهاتف بيد والأخرى تتحسس رأسه. إنك تكاد تسمع صوته ببحته الحزينة والدافئة بما فيها من ملامح اللهجة الشعبية بما يمكن أن يكون لسماعة الهاتف من دلالة هنا على كون السمع الحاسة الأولى في تواصل الشاعر “الكفيف” فإذا كان يتواصل عبرها مع الناس فعبرها أيضا تلقى تكوينه المعرفي منذ التعليم التقليدي والاستماع إلى قراءة والمذياع الذي لم يكن يفارقه.
لقطات مدهشة ونادرة ليست كتلك الصور التي تلتقط للأدباء والإعلام إنها صور غير رسمية لا تنبع أهميتها من كونها للشاعر البردوني وحسب ولكن لأنها لوحات فنية تلتقط الجسد في لحظة حركة وحرية لقد كنت سعيدا بهدية الفنان عبدالرحمن الغابري الذي أوقفني في معرض الصور الخاص بالبردوني بمناسبة ذكرى وفاة الشاعر الكبير وطلب مني أن اختار صورا من بينها فاخترت هذه الصور الثلاث وحين التقينا بعد نهاية المعرض اقترحت على الفنان توزيع بقية الصور هدايا فكان سعيدا بالفكرة واقترحت عليه أسماء الأصدقاء الذين كانوا بالجوار لقد عدنا حاملين الصور بكل غبطة وزهو ذلك أنها صور الفنان الغابري وللشاعر عبدالله البردوني هذا الطائر العجوز الذي يشعر كل منا أنه يخصه قبل أي أحد آخر.

قد يعجبك ايضا