يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد

قراءة في متغيرات الواقع العربي

 

العالم اليوم يتحدث عن متغيرات جوهرية في المنطقة العربية التي تم الاصطلاح على تسميتها بمنطقة الشرق الأوسط، وفق المتعارف عليه سياسيا وإعلاميا، هذه المتغيرات تتمثل في جذرها بتطورات ونتائج طوفان الأقصى الذي أحدث كل هذا التحول، فنتائج المعركة – التي لم تعلن نهايتها بعد – تركت قوة كبيرة في غزة ربما تفقد زمام السيطرة على القطاع في قابل الأيام بتواطؤ قوى إقليمية وعربية في مسار المفاوضات بحكم الانتماء الآيديولوجي لحركات المقاومة، كما أن المتغيرات التي شهدها لبنان، وما حدث في سوريا سيكون لكل ذلك تأثير مباشر وغير مباشر على محور المقاومة الذي سوف يشهد هو نفسه تبدلات وتغيرات كبيرة .

الخطاب السياسي والإعلامي اليوم يتجه بشكل مباشر إلى ايران واليمن، وهو أكثر توجها إلى اتفاقات إبراهام التي بدأها الرئيس الأمريكي ترامب عام 2020م وهو في جل تصريحاته بعد توليه مهامه الرئاسية في ولايته الثانية يعلن عن مواصلة الطريق فيها لبلوغ غايتها وأهدافها، وسوف يركز على السعودية بشكل أساس في هذه المرحلة حتى ينقسم العالم الإسلامي بين راض ومؤيد لفكرة السلام غير العادلة والتي تغمط الحق الفلسطيني في الوجود والحياة على أرضه.

السعودية وفق معطيات الواقع الجديد ستكون مضطرة للسير في مسار التطبيع لأنها تقود مشروعا تحوليا في السياسة والاقتصاد وفي المسار الثقافي وترغب في الاستقرار وعدم الشروع في صراعات جديدة كون أي صراع قادم سيحد من نجاح مشروعها الذي بدأته، وقد نلاحظ حجم التحول في العلاقات مع أمريكا، فالمعادلة القديمة القائمة على مبدأ النفط في مقابل الحماية فقد عوامل استمراره كون أمريكا تعلن عن أكبر مخزون من احتياطي النفط، وبالتالي فقد المبدأ أحد أهم أركانه، الأمر الذي اضطر السعودية إلى تنويع مصادر دخلها والاشتغال على مشروع اقتصادي ناهض، وتعيد ترتيب نسق العلاقات الدولية، وتفضل الاستقرار على الصراعات، وهو أمر أصبح مقروءا في ملامح السياسة الخارجية السعودية، وهي اليوم تعمل على الانضمام إلى منظمة بريكس – ومنظمة بريكس منظمة حكومية دولية من تسع دول هي: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، وإيران، ومصر، وإثيوبيا، والإمارات العربية المتحدة، وإندونيسيا، وقد تأسست بريكس في البداية لإبراز فرص الاستثمار، ثم تحولت المجموعة إلى كتلة جيوسياسية وتُعقد اجتماعات سنوية في قمم رسمية لتنسيق السياسات المتعددة.- وهذه المنظمة نواة للنظام الدولي الجديد الذي تلوح ملامحه في الآفق والقائم على تعدد الأقطاب وعدم احتكار أمريكا لمساراته والهيمنة عليها وفرضها على الشعوب وهو نظام تقوده في هذه المرحلة روسيا والصين، وقد تتحدد ملامح هذا النظام في المرحلة القادمة مع جنوح الرئيس الأمريكي الجديد ترامب إلى السلام وتحقيق الثراء للمجتمع الأمريكي كما يعد بذلك في تصريحاته .

إسرائيل اليوم تشتغل على مساحات الشقاق بين العرب وايران وهي تخشى أي تقارب بينهما حتى تتمكن من فرض ثنائية الهيمنة والخضوع على العرب والمسلمين وتشرعن وجودها القائم على مبدأ القوة ليس أكثر .

العالم اليوم يشهد متغيرات عميقة تمس الوجود كله وتمس جوهر الحياة والثقافات والحضارات ويمس البنى الثقافية والتطبيقات الاجتماعية، وسوف نشهد في قابل الأعوام ملامح المتغيرات العالمية، ولذلك سارعت الكثير من الدول إلى تشريعات تضمن الأمن الثقافي القومي، وسارعت الصين إلى تكثيف مناهج دراسية تعنى بالجانب الأخلاقي، وهي تنتج محتوى رقميا مكثفا يعنى بالهوية الحضارية والأخلاقية القومية، في حين يستهلك المسلمون والعرب المحتوى الرقمي الغربي بكل تشوهاته، في غفلة من أهدافه السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن سياسة تعميق الانقسامات الطائفية والعرقية .

 

قد يعجبك ايضا