الهجوم الإرهابي الذي تتعرض له سوريا يضعنا أمام تساؤلات عدة، أبرزها توقيت الهجوم، وطريقة الهجوم، ودوافع الهجوم، وغاية الهجوم.. تساؤلات يجب أن يتوقف أمامها أي متابع لمجريات الأحداث في سوريا والتي لا تخرج عن سياق ما يجري في فلسطين ولبنان واليمن وصولا إلى طهران وموسكو حتى بحر الصين..!
أحداث سوريا ولدت من رحم معركة طوفان الأقصى كأحداث مضافة إلى ما كانت تعانيه سوريا من أحداث دامية تمتد من عام 2011م.
نعم ما يجري اليوم في سوريا هو هدف أمريكي غايته حماية الكيان الصهيوني وتحقيق أكبر قدر من الوسائل الأمنية للكيان على المدى البعيد استنادا على رغبة الكيان في شرق أوسط خال من المقاومة والممانعة وكل ما يعكر صفو وأمن العدو الصهيوني، وتبرز التدخلات الخارجية اليوم في سوريا من قبل كل من تركيا والصهاينة وأوكرانيا كطرف أضيف بشكل علني للمسرح وبرعاية أمريكية متكاملة، لأن معركة طوفان الأقصى فتحت أمام الكيان وحلفائه وفي مقدمتهم واشنطن فرصة وأد المقاومة والممانعة وتقطيع أوصال محور المقاومة وتجزئة طرق الإمداد، بمعنى أن الهجوم الذي قامت به الجماعات الإرهابية مؤخرا في سوريا وحسب المعطيات الصهيونية وكما تسرب عبر قناة (اي 24 الصهيونية) فإن هدف الهجوم الإرهابي الأخير على سوريا هو فصل لبنان عن سوريا وفصل سوريا عن العراق وفصل العراق عن إيران، والغاية هي قطع طرق الإمداد عن حزب الله والحيلولة دون تمكين حزب الله من إعادة بناء قدراته العسكرية.. بمعنى أن ما يقال عن معارضة سورية وعن أهمية حوارها مع النظام، قد سقط هذا الخيار وتجردت المعارضة السورية المسلحة من شرعيتها الوطنية كقوى معارضة، حين تحولت إلى أداة لتنفيذ أجندات سياسية خارجية بعيدة عن أهداف كانت قد رفعتها هذه المعارضة في بداية الأحداث، أضف إلى هذا الخلط الذي دمج بين من يزعمون انتماءهم للمعارضة السورية والفصائل الإرهابية المتعددة الجنسيات القادمة من كل أصقاع الأرض وآخرها من أوكرانيا التي انخرطت في العمليات الإرهابية في سوريا بتوجيه أمريكي _صهيوني، فيما تركيا منخرطة في هذه العملية وهي واقعة بين المطرقة والسندان والمدركة أن ما يجري في سوريا يعرض تركيا ذاتها لمخاطر وجودية، لكن انتهازية النظام التركي تعكس حالة ارتباك هذا النظام الذي يحاول الرقص على أكثر من حبل ولكن للأسف مهارته محدودة وقدراته أيضا وإن كان قد صمد حتى اللحظة، فهذا حدث لعوامل موضوعية متعددة أفرزتها بؤر الصراع الجيوسياسي لا أكثر.
الأمر الآخر هناك رغبة أمريكية بتمهيد الطريق أمام إدارة (ترمب) الذي تحدث مؤخرا عن (جحيم قد تشهده المنطقة) أن لم يتم الإفراج عن الأسرى الصهاينة من قبل المقاومة في فلسطين قبل الـ 20 من يناير من العام القادم..!
إن ما يجري في سوريا اليوم هو مخطط صهيوني _أمريكي، هدفه تصفية جيوب المقاومة وحرمانها من أي إمكانية الديمومة وإعادة تأهيل هذه الجيوب وخاصة إعادة تسليح وتنمية قدرات حزب الله كهدف استراتيجي صهيوني أمريكي وفي ذات النسق تطويع سوريا وفصل علاقتها عن إيران وهذا ما لم يمكن تحقيقه، ولأنه كذلك فقد جاء الهجوم في سياق تداعيات جيوسياسية تحاول من خلاله واشنطن الالتفاف على تنامي قدرات روسيا والصين، مستغلة في سوريا الجماعات الإرهابية ومتخذة من جماعة الإخوان حصان طروادة ومعها الجماعات الانفصالية الكردية، لتمرير مخططها التآمري الذي يستهدف بالأساس المقاومة وجيوبها ومحاورها داعمة أيضا الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا وقطر والكيان الصهيوني وخاصة جماعة الإخوان ممثلة بجبهة النصرة الإرهابية وبقية الفصائل الإرهابية المتعددة الجنسيات والتي تنشط في سوريا.. تركيا داعمة للإخوان ومعها قطر ومساندة وداعمة للجماعات التركمانية المسلحة وتطالب من النظام الحوار مع هذه الجماعات وترى في الأكراد قوى إرهابية وهم حلفاء حليفها الأمريكي..!
الصهاينة يهمهم تدمير سوريا بغض النظر عن كل ما قد يحدث بعدها، فالأمر لا يعنيها بقدر ما يعنيها تدمير سوريا الذي سيؤدي إلى تدمير لبنان والأردن والعراق مرة أخرى وهذا فعل يقلص بنظر الصهاينة نفوذ إيران وبنظر أوكرانيا يزعزع نفوذ روسيا، وبنظر قطر يمكن جماعة الإخوان من السلطة ويمنحها فرصة الاستئثار بثروات سوريا، وبنظر أمريكا سيخلق شرق أوسط جديداً يكون تحت هيمنة الكيان الصهيوني..!
غير أن هناك ثمة مواقف عربية ودولية قطعا تعترض على هذا السيناريو العبثي ليس حبا بسوريا، بل خوفا من أن تصاب هي ذاتها بلعنة سوريا وتجد نفسها قد اُكلت يوم اُكل الثور الأبيض..