عزمي بشارة لا يمثل شخصًا، بقدر ما يعبر عن توجه، ويروج لخطاب، ويقوم بمهمةٍ غايةٍ في الدقة، في الخسة، وفي السُّميّة أيضًا.
وبالطبع، وكالعادة، فقد تم الترويج لشخصه من الجزيرة ابتداءً، باعتباره مفكراً عروبياً! وعلى نحوٍ غير بعيد من تبنيها لافيخاي أذرعي، ولأصوات صهيونية، أو متصهينة!
الاتجاه المعاكس، مثلا، لم يكن إلا نافذة للترويج للأسماء العربية المعتلة، أراذلها وسفلة القوم!
أما أهم ما ينبغي عليك معرفته عن عزمي بشارة، أنه كان عضوًا في الكنيست الصهيوني، ثم أنه قد تم- وكما أسلفنا- تسويقه كمفكر عربي، وقبيل طوفان الأقصى فقد كان يعمل حثيثًا على الترويج لعصر السلام الصهيوني، أو: لماهية الفكر العربي المطلوب في عصر «صفقة القرن»!
لا تنس هذا، ولهذا فإنك سوف تتفهم أقاويله، فقط، فيما لو نظرت إليه من هذه الزاوية! وهنا ينبغي التنويه إلى أهم ما فعله الطوفان بالفعل. أي: إلى أنه تجاوز السقوف المرسومة، والمسموحة، للظروف التي أنشأتها صفقة القرن!
ولهذا فقد قام طوفان الأقصى، ومن أهم زواياه، بتدشين ثورة إحياءٍ للمفاهيم المنسيّة!
وكما يكشف عن المثقف العربيّ المُخصى، والمُباع، والمُشترى، والمنافق، والمتصهين، والجبان!
فإنه يكشف أيضًا عن المثقف العربيّ المهزوم في داخله، والمُحتلّ فكريًّا بالفعل، والمستسلم لهذا الاحتلال!
المتعصّب لانهزاميّته أيضًا، والمسكون بعقدة الجيش الذي لا يقهر، المنظّر لمقاومةٍ منزوعة السلاح، ومنزوعة الروح، ومنزوعة الكرامة!.
وعبر عقودٍ تمت قولبة الفكر العربي، وتم احتلال العقل العربي، وتم إدخال المثقف العربي أيضًا إلى الصندوق!
تم تحويل الصراع مع العدو، من صراعٍ على الوجود.. إلى صراعٍ على الحدود!
وعلى الصعيد السياسي فقد كانت المبادرة السعودية المقدمة لاجتماع القمة العربية ٢٠٠٢م، والتي تحولت بضغطٍ من دول الاعتلال العربي إلى.. مبادرةٍ باسم جامعة العرب!
كانت صكّ هزيمةٍ دونما معركة، وشيكًا للكيان المأزوم «على بياض»، وبدون مناسبة، ومن طرفٍ واحد: يقدّم توقيت الصراع إلى ما بعد النكسة!
كانت مبادرةً ممن لا يملك الحق في التنازل، إلى من لا يملك الحقّ في البقاء!
وعلى حساب فلسطين فقد كان يراد دفع تكاليف السهرة، فقط لأن الوطن العربي محكومٌ من أشباه الرجال!
لهذا فقد كان طوفان الأقصى- وبالفعل- لحظةً خارج الصندوق، وانفجارًا على كل السقوف، وبالتأكيد فقد كان خارج استيعاب المرذولين أيضًا؛
ولهذا فقد استعداه كلّ نُخب العقود الخانعة، والمهزومة:
من السياسي إلى الطبال، ومن شيخ السلطان إلى مثقف السلطان! وإذا كان لكلّ من يعادي الطوفان، أو لا يفهمه، أسبابه!
فقد كان طوفانًا هائلًا على عصرٍ كاملٍ بكلّ رموزه؛
ولهذا فطبيعيٌّ كلّ ما تشاهدونه من سقوطٍ لأسماءٍ كانت محسوبةً على الثقافة العربية!
وأمام كلّ سقوطٍ جديد،
فثمّة مبرهنةٌ أخرى إذن.. على انتصار الطوفان.
وفي سياق الحديث عن انتصارات الطوفان، وعلى صعيد انتصارات السرديّة: فقد أزاحت صورة استشهاد السنوار عن العالم صورة العربي الجبان، والمسلم الخوّار!
التي حاولت الدعاية «الاستكبارية» تكريسها في الأذهان لقرن! وعلى الأخص بعد نكسة ٦٧م!
أخلاق حماس أثناء تبادل الأسرى أزاحت عن العالم صورة المسلم المشوهة، التي وصلت إليه عبر حقبة داعش! كما كشفت- من الناحية المقابلة- صورة الكيان المسخ الحقيقية، وطبيعة أخلاقه المنحطة!
جرائم الإبادة التي يرتكبها العدو على مرأى – وهو الخسيس الجبان المذعور أمام الرجال! – بينت للعالم أيضًا مدى زيف ادعاءاته بشأن الهولوكوست! وكيف أنه الخنزير والضبع والخسيس بالفعل، لا المظلوم المضطهد.. وفق السردية التي كان محظورًا حتى إخضاعها للنقاش!
صورة الجيش الذي لا يقهر تكسرت أمام الطوفان، والقبة الحديدية انهارت، وأسطورة الموساد تبدت محض فارغة، وتبدى للعالم كيف أن الكيان محض جيبٍ استعماري وضيع، وأن اليهودي شايلوك هو اليهودي شايلوك!
أن اليهود هم الأعداء الفعليون لكل البشر!
بالطوفان أيضًا.. تبدى لدافع الضرائب الأمريكي أن صوته صفري القيمة، وأن أمريكا محض راعٍ للقتل، وللإبادة، وللإجرام!
أنه مُجبرٌ على دفع قيمة القنابل التي تسقط يوميًّا فوق رؤوس الأبرياء والودعاء الطيبين!
أن أبعد الناس عن الحضارة.. هم بالضبط من يتشدقون بها، وأبعدهم عن الحرية من يبتزون العالم باسمها كل يوم!
أن أبشع نظام ديكتاتوري في الدنيا هو النظام الأمريكي، لا غيره!
وأذلّ مواطنٍ مسلوب الصوت والقيمة؛ هو المواطن الأمريكيّ أيضًا، ولا سواه!
وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.
يبقى لنا حديث.