عند قيام الكيان الصهيوني كانت الأنظمة العربية بكاملها خاضعة لسلطة الاستعمار البريطاني، وكانت تتظاهر بأنها سلطة عادلة ولم يكن أحد من العرب رسميا يجرؤ على مجرد مساءلة ضباط الجيش البريطاني أو قائدهم، ومن كان يجرؤ علي المساءلة يفقد منصبه ومكانته هذا إذا لم يفقد حياته..!
كانت القوات البريطانية في فلسطين تتظاهر بأنها تطارد العصابات الإرهابية الصهيونية، فيما عمليا هي تشجع تلك العصابات على ارتكاب المزيد من الأعمال الإرهابية ضد أبناء فلسطين ودفعهم لترك قراهم وكفورهم وضياعهم خوفا من بطش هذه العصابات التي كانت تثير الرعب وترتكب المجازر وتقوم باغتصاب الفتيات والنساء وتنشر جرائمها، مما جعل غالبية سكان القرى العربية يغادرون قراهم خوفا علي أسرهم، وفيما كان بعض العرب ينظمون أنفسهم في مجموعات مسلحة تواجه العصابات الصهيونية.
كانت القوات البريطانية تقوم بمطاردة هؤلاء المسلحين العرب وتعمل علي تصفيتهم أو اعتقالهم ومحاكمتهم وتنفذ بحقهم أحكام الإعدام فيما لم يتم اعتقال أيا من أعضاء المنظمات الصهيونية المسلحة التي ارتكبت أبشع الجرائم وكانت السبب في هجرة أهل فلسطين من وطنهم إلى دول الجوار، ومع الإعلان عن قيام الكيان في مايو 1948م، ظهر زعماء العصابات الصهيونية وقدموا أنفسهم كقادة لهذا الكيان اللقيط الذي زادت وحشيته بعد حصوله على الاعتراف الدولي ، فيما تعمد الجيش البريطاني تسليم معسكراته ومخازن أسلحته للعصابات الصهيونية ثم برر ذلك بأن العصابات الصهيونية أقدمت على اقتحام المعسكرات البريطانية ومخازن أسلحة الجيش البريطاني وتلك مزاعم كاذبة هدفها تضليل العرب وخداعهم..!
كان الإعلان عن قيام الكيان بمثابة صدمة للوعي الجمعي العربي والإسلامي، رغم أن الأنظمة الرسمية العربية والإسلامية كانت على علم وإطلاع بفحوى المخطط الاستعماري في فلسطين، والدور القذر الذي تلعبه بريطانيا في فلسطين والمنطقة لصالح العصابات الصهيونية.
كان قرار تقسيم فلسطين الذي حمل الرقم (181) في جلسة الجمعية الذي حمل الرقم (128) قد صدر في 29 نوفمبر 1947م من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بحضور ( 56 دولة) وقد صوتت ( 33 دولة) علي القرار، وعارضته ( 13 دولة) وامتنعت عن التصويت ( 10 دولة ) وغابت عن الاجتماع دولة واحدة..؟!
واللافت أن هذا الاجتماع هو الاجتماع الوحيد الذي عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة خارج مقرها، وانعقد في أحدى الولايات الأمريكية بعيداً عن مدينتي نيويورك وواشنطن. والملاحظ أن قرار تقسيم فلسطين قد اتخذته دول بعيدة عن المنطقة وغالبيتها دول غير مؤثرة لكنها تحظي بعضوية الجمعية العامة، وقد تأجل الاجتماع من يوم 26 نوفمبر إلى يوم 29 نوفمبر بناء على طلب الصهاينة، لأن اجتماع 26 نوفمبر لو حدث لسقط القرار بالتصويت فتم التأجيل لتمكين الصهاينة والاستعمار لإقناع المزيد من الدول والضغط عليها وتهديدها للتصويت بنعم مقابل حصولها على منح ومساعدات تعهدت بتقديمها أمريكا وبريطانيا لهذه الدول، وإذا أطلع المراقب لأسماء هذه الدول المصوتة سيجدها دولاً فقيرة وهامشية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
نص القرار وكما أسلفنا سابقا على قيام دولتين عربية ويهودية على أرض فلسطين التاريخية، باستثناء مدينتي القدس وبيت لحم فقد تركتا تحت الحماية الدولية..!
انسحبت الدول العربية والإسلامية معترضة علي القرار الذي قبل به ممثلوا الكيان الصهيوني ومع قبولهم بالقرار تمكنوا من الحصول على اعتراف غالبية أعضاء الجمعية العمومية وعددهم 33 عضوا أي 33دولة اعترفت بالكيان وبشرعية وجوده على أرض فلسطين العربية..!
بعد أن حصل الكيان على الاعتراف بوجوده من قبل الدول التي صوتت على قرار التقسيم السالف الذكر والذي رفضته المجموعة العربية والإسلامية، أستغل الكيان هذا الموقف وأنقلب بدوره على القرار وذهب باتجاه التوسع والرغبة بالسيطرة على كل فلسطين، كخطوة أولى نحو تحقيق الحلم الصهيوني للسيطرة على جغرافية تمتد من النيل إلى الفرات..!!
بعد صدور القرار انطلقت العصابات الصهيونية وبدعم أمريكي _غربي، بممارسات جرائم التصفية العرقية ضد العرب الفلسطينيين من المسلمين والمسيحيين، في عملية تطهير عرقي شملت كل الجغرافية الوطنية الفلسطينية، كما اغدق الغرب بالدعم المادي والعسكري للكيان وخاصة من ألمانيا التي قدمت للكيان خلال ثلاث سنوات فقط أكثر من 25مليار دولار، فيما قدمت فرنسا دعما عسكريا هائلا بما في ذلك مفاعل ديمونة النووي، فالكيان الذي أعلن عن قيامه عام 1948م كان في عام 1956م يمتلك قدرات نووية..!
والمؤسف أن هذه المؤامرة ظلت تتطور بتطور الأحداث،
وعلى مدى 75 عاما ارتكبت العصابات الصهيونية أبشع الجرائم بحق الإنسان العربي الفلسطيني، وبحق الجغرافية وبحق التراث المادي الإنساني، وبحق المقدسات الإسلامية والمسيحية، وبرعاية كاملة من أمريكا وبريطانيا والغرب، وباسم الاضطهاد الغربي لليهود وبذريعة المحرقة المزعومة التي ارتكبها (النازيون الألمان) وقررت بريطانيا وأمريكا والغرب تعويض الصهاينة عن جرائم النازية الأوروبية بأن منحتهم فلسطين وطنا لهم..!
معركة طوفان الأقصى ربما كشفت حقيقة أمريكا والغرب أكثر من أي وقت مضى وأسقطت طوفان الأقصى آخر أوراق التوت التي يتستر فيها الغرب وأمريكا وبدا واضحا أن الكيان الصهيوني ليس أكثر من قاعدة عسكرية استعمارية مهمتها رعاية المصالح الأمريكية _الغربية في الوطن العربي، وان هذا الكيان ليس له قرار ولا كلمة في مصيره بقدر ما هو مأمور ينفذ استراتيجية استعمارية، وأن زوال هذا الكيان وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر إنجاز لن تحققه المفاوضات والمؤتمرات والحوارات، بل تحققه البندقية والمقاومة، وحتى الجيوش العربية عاجزة عن تحقيق هدف تحرير فلسطين ولو توحدت واجتمعت بكاملها وحشدت قدراتها نحو فلسطين فإنها أعجز من أن تحقق انتصارا يذكر على الغرب وأمريكا والصهاينة، لكنها قد تفجر حربا كونية لأنها ستواجه جيوش أمريكا والغرب قبل الصهاينة، لكن المقاومة وحدها من تقدر على تحقيق هذا الهدف إذا ما تم تدعيمها وتوفير القدرات المطلوبة لها، كما فعلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية، وحزب الله، واليمن والعراق بدعمهم للمقاومة الفلسطينية وبفضل هذا الدعم تتصدى المقاومة اليوم للصهاينة وأمريكا والغرب، بدليل أن مرور أكثر من 200يوم على بدء العدوان الصهيوني وبعد أكثر من مائة وعشرين الف شهيد وجريح من أبناء فلسطين وبرغم ذلك عجز العدو أن يحقق انتصارا يذكر، بل تعرض لأكبر هزيمة استراتيجية عسكرية وأمنية واستخبارية واجتماعية ووجودية لم يتعرض لها منذ تأسس.
إن كل ما يجري على أرض فلسطين، وما تتناقله وسائل الإعلام الدولية من حراك متصل بالقضية الفلسطينية، يؤكد هزيمة العدو وحلفائه وانتصار المقاومة والشعب العربي الفلسطيني، وهذا أيضا ما تؤكده المواقف الشعبية في أمريكا والغرب وفي كل دول العالم تجاه القضية الفلسطينية، وأكبر دليل في هذا ما يحدث داخل الجامعات الأمريكية، وما يحدث من انشقاقات في المجتمعات الغربية بين الشعوب والحكومات، وبين الحكومات فيما بينها بعد موقف إسبانيا وبعض دول الغرب بالاعتراف بدولة فلسطين رغم المعارضة البريطانية _الأمريكية _الألمانية، مع الأخذ بالاعتبار أن ألمانيا هي أكبر واخطر الداعمين للكيان ليس حبا فيه، بل خوفا من أن تصبح هي كبش الفداء، وتصبح هي الوطن المثالي لليهود باعتبارها من اضطهدتهم وارتكبت جرائم بحقهم ..؟!