الحق للسيف والعاجز يحتاج إلى شهود

طاهر محمد الجنيد

 

 

في عالم القوة يبدو الحق ضعيفا ولا يستطيع أن يمنع العدوان ويردع الظالم، لأن القوة وحدها هي من تحدد المسار وتضع الموازين، أما الحق والعدل والعدالة فليست سوى شعار يرفع ويتغنى به المظلوم في وجه المجرم والجلاد، قديما اعتدى المجرمون على امرأة مسلمة فرفعت الاستغاثة لخليفة المسلمين -آنذاك- وهو المعتصم بن هارون الرشيد- رحمهم الله جميعا- قالت “وامتعصماة”، فسمع صوتها من بغداد، فأجاب: “لبيك”، كان المنجمون يرون أن خروجه لإنقاذ مسلمة تم الاعتداء على عرضها وشرفها في ذلك الوقت كارثة ونذير شؤم، لكن الشاعر المقدام المؤمن أبو تمام، حسم التردد وخيَّب ظنون المنجمين بقصيدة عصماء تروي ملحمة الانتصار والثأر:
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حدِّه الحدَّ بين الجد واللَّعب
انطلق المعتصم وجيوشه وحقق الانتصار وانتصف للمظلومة المكلومة من المجرمين وزبانيتهم وأدَّب المجرمين وفتح منطقة عمورية.
ومن قبله تمرد نقفور أمير الروم –آنذاك- عن دفع الجزية للدولة المسلمة تحت قيادة هارون الرشيد، فخاطبه (من أمير المؤمنين عبدالله هارون الرشيد- خليفة المسلمين إلى نقفور كلب الروم، فالجواب ما تراه لا ما تسمعه)، فقد أخذه وعاقبه على نقض العهد وعدم دفع الجزية، هذا في المشرق العربي، وفي المغرب العربي نجد الخلافة الإسلامية في بلاد الأندلس (اسبانيا وما جاورها) يخطب الجميع ودها وتقدمها وحضارتها، فهل مارس المسلمون شرقا وغربا حروب الإبادة وضد الإنسانية؟ يجيب مؤرخو الغرب والشرق بإجماع: لا.
واليوم انقلبت الموازين وامتلك الإجرام أفتك وأقوى أنواع الأسلحة، فلم يستثن من إجرامه أحداً بهدف فرض رؤيته ومنهجه وأسلوبه باستعمال الحديد والنار، أما الزعامات العربية فقد أصبحت تدفع الثروات العربية هدية لدهاقنة السياسة الغربية، وتستثمر العوائد هنالك وتحرم شعوبها، بل وصل الأمر إلى تسخير تلك الثروات لقتل الشعوب العربية ذاتها، وما يحدث في فلسطين والعراق وليبيا والسودان واليمن وغيرها من الشعوب العربية والإسلامية خير شاهد على ذلك، مما جعل الثروات العربية مصدر شقاء وتعاسة على الأمة العربية والإسلامية.
إن الاستعمار اليوم يعيش أزهى مراحل الاستفادة من مخرجاته التي زرعها في الأمة، حتى أن بوادر الحرج والحياء اختفت من سمات كثير من هذه المخرجات وأصبحت تجاهر بالدعم المادي والمعنوي السخي للقتلة والمجرمين على أرض فلسطين أو غيرها، سواء من خلال الإعلان عن مد الجسور البرية أو البحرية للكيان الصهيوني، بينما أبناء غزة وفلسطين يعيشون معرضين للقتل جوعا وعطشا إن لم تحصدهم آلة القتل المجرمة (الصهيونية الصليبية) تحت عناوينها المتجددة، التي تخدع بها السذج والعوام من أبناء الشعوب المسلمة.
شهود عدالة القضية
الأمة العربية والإسلامية قدمت تضحيات كثيرة لمواجهة القتلة والمجرمين، فالثورة الجزائرية فاقت التضحيات مليوناً ونصف المليون شهيد، حتى تتخلص من أقذر استعمار على وجه الأرض، وهكذا كل البلدان العربية والإسلامية، واليوم فلسطين تقدم التضحيات للتحرر والخلاص من الصهيونية العالمية المدعومة والموجودة بدعم الصليبية الجديدة، ولذلك فكل طفل يستشهد أو امرأة أو غيرهما ستسأل عنه الدول الداعمة للمجرمين وأرباب السياسة والنخاسة في كل من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من (دول الحلف الغربي)، ومن الدول العربية نجد مسؤولية دول الطوق وما بعد الطوق- الإمارات والسعودية والبحرين وتونس والمغرب حكومات ومواقف رسمية، أما الشعوب حتى وإن كانت مغلوبة على أمرها إلا أن المسؤولية الشخصية لا يعفى منها أحد، ومثل ذلك موقف حكومات الدول الإسلامية وشعوبها، فالقضية الفلسطينية أصبحت اليوم توجه رأي عام عالمي، بعد أن هزمت الأسطورة الإعلامية، والإمبراطورية للكيان الصهيوني والداعمين له على مساحة الكرة الأرضية.
انتصار الحق برجاله
رغم الفوارق المهولة بين المقاومة والقدرات الصهيونية ومن خلفها حلفها الصليبي، إلا أن الصمود العظيم الذي أبداه رجال المقاومة، حطم وكسر الإرادة الصهيونية ومن يدعمها وكما يقال «إن النصر صبر ساعة»، وفي ذلك يضع الله معيار النصر أمام عباده المؤمنين بقوله ” وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ” النساء (104)، فلا يصيبكم الوهن عن طلب النصر ودحر المجرمين، فالمجرمون يألمون أكثر منكم وها هم يغطون هزائهم باستهداف الأطفال والنساء، بالإضافة إلى ذلك فأنتم ترجون من الله نيل رضوانه والدرجات العليا في الجنة وهم لا يرجون ذلك، ويؤكد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين الصابرين المحتسبين على الجهاد ومشقته أنهم الأعلون حيث قال تعالى ” وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” آل عمران (139) ويؤكد معيته لهم بقوله ” فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ” سورة محمد (39) وفي تفسير الآية دعوة من الله لعباده المؤمنين بالله ورسوله إلى عدم الضعف عن جهاد المشركين وعدم الجبن عن قتالهم وعقد الصلح والمسالمة لهم طالما أنهم مستمرون في عدوانهم وإجرامهم، فلا زلتم قاهرين لهم، عالين عليهم والله معكم بتأييده ونصره، وسيوفيكم أجوركم في الدنيا قبل الآخرة.
إن التوكل على الأمنيات دون الأخذ بالأسباب لن يحقق النصر أو يدحر الأعداء، وإنما التحرك والمقارعة للمجرمين هما أهم عوامل النصر، لقد ضحى الشعب الجزائري قبلكم بأكثر من مليون ونصف المليون شهيد ولم نسمع أن تلك التضحيات تستوجب الشجب والتنديد والاستكانة عن مواجهته، لكننا نجد اليوم أن دعوات التسليم للمجرمين وعدم مواجهتهم من قبل بعض المحسوبين على دين الإسلام، فضحها وفضحهم كبرياء المجاهدين على أرض الرباط وأسقط زيف الأقنعة التي تدثروا بها وتحتها حينا من الدهر، قال تعالى ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ» سورة محمد (31).

قد يعجبك ايضا