علي عبادي
أمام «هول المصاب» الذي ضرب كبرياء الكيان الصهيوني وقوته الردعية في مواجهة مجموعات من المقاومة الفلسطينية اقتحمت عليه مستوطناته ومعسكراته، طلب النجدة سريعاً من راعيه الأمريكي الذي استجاب عسكرياً وسياسياً واستخباراتياً.
ومنذ اليوم الأول لعملية المقاومة الفلسطينية المظفَّرة، شهدت المؤسسات السياسية الأمريكية استنفاراً واسعاً، وتتالت الجلسات والتصريحات التي تهدّئ من روع «إسرائيل» وتُطمئنها بأن الدعم الأمريكي قادم وأن الولايات المتحدة تقف بجانبها في كل المجالات.
وفي مفارقة تدل على حجم الأزمة، طلبت «إسرائيل» التي توصف في وسائل الإعلام الغربية بأنها «أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط» المعونة العاجلة من أمريكا في مواجهة المقاومة الفلسطينية المحاصرة منذ سنين طويلة. وقال مراسل صحيفة «يديعوت» الإسرائيلية إن «إسرائيل» مرّرت عبر القنوات الأمنية يوم السبت (اليوم الأول للمعركة) طلباً إلى الولايات المتحدة لمساعدتها عسكرياً. وأكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن هذا الطلب والاستجابة السريعة.
دعم عسكري
بالفعل، أعلن وزير الحرب الأمريكي لويد أوستن عن اتخاذ خطوات عدة لتعزيز موقف البنتاغون في المنطقة و«جهود الردع الإقليمية». ومن ضمن هذه الخطوات توجيه حركة حاملة الطائرات «يو إس إس جيرالد فورد» إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، ومعها طراد مزود بالصواريخ ومدمرات، وتعزيز أسراب الطائرات المقاتلة الأمريكية المتمركزة في قواعد عدة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، ستقوم حكومة الولايات المتحدة بسرعة بتزويد القوات الإسرائيلية بمعدات وموارد إضافية، بما في ذلك الذخائر، على أن تصل الدفعة الأولى من المساعدات العسكرية خلال الأيام المقبلة. كما أكد أوستن «البقاء على اتصال وثيق مع نظرائنا الإسرائيليين لضمان حصولهم على ما يحتاجون إليه لحماية مواطنيهم والدفاع عن أنفسهم… ».
وبالرغم من الجدل الدائر في الولايات المتحدة حول جدوى الإنفاق على الحروب الخارجية وآخرها في أوكرانيا، ما يتسبب بعجز دائم في الموازنة العامة ويهدد بتوقف عمل الحكومة الأمريكية، أعلن الرئيس جو بايدن أنه وافق على حزمة مساعدات عسكرية طارئة لـ«إسرائيل» بقيمة 8 مليارات دولار، علماً أن «إسرائيل» تحصل على معونة أمريكية سنوية قدرها 3.8 مليار دولار يذهب أغلبها للشأن العسكري، هذا فضلاً عن مساعدات اقتصادية طارئة مثل دعم توطين اليهود المهاجرين إلى فلسطين المحتلة. واتصل بايدن برئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وحذر «أي جهة أخرى معادية لـ«إسرائيل» من السعي لاستغلال الوضع» بعد هجوم «حماس»، وهي إشارة فُسرت إسرائيلياً على أنها موجهة إلى حزب الله.
تغطية للعدوان وفشل استخباراتي
سارعت الحكومة الأمريكية إلى تغطية مسبقة لكل خطوة عسكرية ستتخذها حكومة الاحتلال، وقالت الخارجية الأمريكية إن «الرد الإسرائيلي قد يستغرق بعض الوقت وسيكون محفوفاً بقرارات صعبة ينبغي للإسرائيليين أخذها». وهذا يعني أن أمريكا تعطي «إسرائيل» مهلة وافية لتحقيق أهداف العدوان حتى لا تكون مأخوذة بالعَجَلة، وتعتبر أن على الجميع أن يتقبل دون نقاش «القرارات الإسرائيلية الصعبة»، من دون وضع ضوابط أو قيود على العمل الإسرائيلي المرتقب، وفق ما تستدعيه اللغة الدبلوماسية الأمريكية عادة في إبداء الحرص على عدم المساس بجهود التسوية وما شاكل.
وإذا كان الكيان الصهيوني قد أصيب بالهلع الشديد والإحباط جراء هجوم المقاومة الفلسطينية على المستوطنات المقابلة لقطاع غزة، فإن الأصداء وصلت سريعاً إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكية، لا سيما في البحث عن أسباب الهزيمة الإسرائيلية المنكَرة. وقد أطلعت الإدارة الأمريكية أعضاء لجنة المخابرات في مجلسي النواب والشيوخ على الوضع في «إسرائيل». وبحسب تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية نقلاً عن عضو لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي جيم هايمز، فإن العملية صادمة من حيث حجمها وأهدافها، وقال هايمز إن الهجوم يثير الكثير من التساؤلات حول مدى علم أمريكا و«إسرائيل» بها. ووصف الضابط في وكالة المخابرات المركزية ميك مولروي ما حصل بأنه «فشل استخباراتي»، وفي حين ألقى باللوم في الفشل في المقام الأول على المسؤولين الإسرائيليين، إلا أن مولروي قال إنه كان ينبغي للمخابرات الأمريكية أيضًا أن تكون على دراية بعملية بهذا الحجم».
ما وراء الاستنفار
وتستبطن مجمل هذه المتابعة الأمريكية اللصيقة للزلزال الإسرائيلي نقاطاً هامة:
– أن «إسرائيل» في ورطة حقيقية ولن تستطيع بمفردها أن تواجه هذا التحدي الأول من نوعه منذ عقود، وأنها نمر من كرتون يقوى فقط بسلاح الجو الذي توفره لها أمريكا، وخلال ساعات يمكن أن تسقط من دونه، كما حصل أمام شباب غزة الذين توغلوا في مستوطناتها وعطلوا إلى حد كبير فاعلية التدخل الجوي. حتى دباباتها التي تستعرضها اليوم أمام وسائل الإعلام تمهيداً لما تصفه بعمل بري محتمل، لم تتمكن من صدّ المقاومين الفلسطينيين الذين دخلوا إلى معسكرات جيش الاحتلال وسيطروا على كميات ضخمة من الدبابات والآليات المصفحة والأسلحة، بعد أن تركها الجنود من دون قتال أو بعد قتال ضعيف.
– في العادة، توجد حاملة طائرات أمريكية في مياه المتوسط لاستخدامها عند الحاجة، وبالتالي فإن إضافة سفن حربية أخرى إليها لن يشكل وزناً كبيراً للحضور العسكري الأمريكي في المنطقة. ونعرف أن الولايات المتحدة سحبت الكثير من قطعها البحرية ومخزونها الحربي إلى البحار والبلدان المواجهة للصين، وجيّرت قسماً منها لدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا.
– لن يضيف وجود القطع البحرية الأمريكية تأثيراً على سير المعركة في جبهة غزة، سوى أنه عامل دعم معنوي لكيان الاحتلال الذي اهتزت ثقته بقدراته. وقد أشارت إذاعة جيش الاحتلال في هذا الصدد نقلاً عن تقارير أمريكية إلى أن الجيش الأمريكي يخطط لتقريب سفنه الحربية وطائراته المقاتلة من «إسرائيل» كنوع من إظهار الدعم.
– لا تحتاج «إسرائيل» إلى طائرات ودبابات وأسلحة وذخائر إضافية، فلديها الكثير منها. وأكثر ما قد ينقصها اليوم هو إرادة القتال في ظل عزوف الكثير من شبابها عن التطوع في الوحدات البرية بسبب المخاطر العالية المحيطة بالعمل فيها، إضافة إلى التفكك الداخلي. معلوم أن هناك مخازن سلاح أمريكية كبيرة موجودة في فلسطين المحتلة في حال احتاجتها القوات الأمريكية في حال الطوارئ. لكن الإدارة الأمريكية سمحت لكيان الاحتلال قبل سنوات باستخدام هذا المخزون عند الحاجة، وإن قيل لاحقاً بأنه جرى شحن جزء من المخزون إلى أوكرانيا. وهذا يدفع لاستبعاد أن تكون الإمدادات الأمريكية الجديدة المعلن عنها ضرورية في هذا الوقت المبكر، وقد تشير إلى وجود أهداف أخرى من هذا الإعلان.
– الأرجح أن الاستنفار العسكري الأمريكي المستجدّ، إذا سلّمنا بكونه إضافة جديدة على الوجود الأمريكي الدائم في البحر المتوسط والبحر الأحمر، هو رسالة إلى قوى محور المقاومة لعدم التدخل لمصلحة الشعب الفلسطيني في جهاده المشروع. وقال البيت الأبيض الأمريكي أن المساعدة العسكرية الأمريكية لـ«إسرائيل» سوف تردع حزب الله أيضاً عن الاشتراك بالحرب. كما عبّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن حكومته تبذل «كل ما في وسعها لضمان عدم نشوء جبهة أخرى في هذا الصراع بما في ذلك مع حزب الله في لبنان».
بتعبير آخر، ثمة محاولة أمريكية لإعادة التوازن إلى كيان الاحتلال بعد اختلاله لمصلحة المقاومة الفلسطينية، إلى جانب محاولة عزل أي تأثير ميداني لقوى محور المقاومة الأخرى عن التطورات في فلسطين. على هذا الصعيد، سيكون من الصعب – وفق تقديرات- إقناع قوى محور المقاومة بعدم مساندة المقاومة الفلسطينية إذا أطلقت واشنطن يد التصعيد لحليفتها «إسرائيل» في العدوان على فلسطين.
كان يقال دائماً إن «إسرائيل» قاعدة أمريكية متقدمة في المنطقة. وفي كل مأزق إسرائيلي من حرب 1973، إلى العمليات الاستشهادية في فلسطين في تسعينيات القرن الماضي، إلى حرب 2006 على لبنان، إلى العملية النوعية الأخيرة للمقاومة الفلسطينية في مستوطنات محيط غزة، يتأكد أن اهتزاز «إسرائيل» هو اهتزاز لركائز السياسة الأمريكية في المنطقة وضربة موجعة لها. لكن الحكومة الأمريكية لا تستطيع أن تفعل الكثير لكيان يعاني تصدعات وقلاقل تحتاج إلى أكثر من الدعم الخارجي الطارئ.