(غزة) ليست هي الهدف ولا حركة (حماس)..

يكتبها اليوم / طه العامري

 

 

وفق معطيات اللحظة وتداعياتها على مختلف الأصعدة الفلسطينية والعربية والدولية، فإن ما يجري على الجغرافية العربية الفلسطينية منذ عقود وما يحدث فيها منذ 7 أكتوبر هو من الأفعال الاستراتيجية لدى المحاور الاستعمارية المدون في أجنداتها وكانت تبحث فقط عن الفرصة المناسبة للقيام به وإن بصورة مجازر إبادة جماعية بحق شعب يخضع لحياة غير طبيعية وغير إنسانية منذ عقدين تقريبا وتحديدا منذ أجاز المجتمع الدولي ظاهرة قوانين الحصار والتجويع على الشعوب الرافضة لسياسة الهيمنة الإمبريالية التي تكرسها واشنطن وحلفاؤها في الغرب الاستعماري، بمعزل عن كل القوانين والنظم والتشريعات الدولية، وهي إجراءات أقدمت عليها واشنطن ووقفت المنظومة الدولية بكل مؤسساتها ودولها أمامها عاجزة لتفرض واشنطن منطقها الاستعماري بصورة أكثر بشاعة وقبحا من الممارسات الاستعمارية القديمة بكل صورها..؟!.
سياسة العقوبات الجماعية هذه بحق الشعوب لم تثن شعبا مقاوما كالشعب العربي في فلسطين، من تلمس سبل وأسباب وعوامل المقاومة كي يواجه عدواً استيطانياً هو الأكثر سوءا من كل أقرانه من المستعمرين الذين عرفهم التاريخ ولفظهم ولم يبق هناك احتلال مباشر غير الاحتلال الصهيوني الذي يصعب تصنيفه بالمحتل ككيان بل هو بمثابة قاعدة عسكرية أمريكية ذات وظيفة استعمارية جغرافيا، لكنه يدخل في سياق مكونات التنافس الجيوسياسي لواشنطن التي جعلت هذا الكيان عبارة عن قاعدة عسكرية متقدمة يقوم برعاية مصالحها، وبالتالي فإن بقاء هذا الكيان يؤدي دوره الوظيفي فعل مرتبط ببقاء هيمنة وغطرسة أمريكا.
ما حدث صبيحة 7 أكتوبر الجاري كان عبارة عن زلزال، وهذا الزلزال لم يضرب أعمدة الكيان ومؤسساته وينسف أساطيره، بل زلزل أركان المنظومة الاستعمارية الغربية وفي المقدمة أمريكا التي تواجه تحديات جيوسياسية بدءا من أوكرانيا مرورا بتايوان وبحر الصين، وفي وقت تتشكل داخل أمريكا أزمة هوية وجودية تعصف رياحها بالواقع الأمريكي وعلى مختلف المناحي، فيما النخب الأمريكية تعيش حالة انقسام غير مسبوق بالتاريخ منذ الحرب الأهلية الأمريكية.
إذاً ما يجري في فلسطين ليس المقصود فيه حركة حماس ولا حتى محور المقاومة بكل امتداداته الجغرافية، كما أن الأمر لا يتصل بأمن الكيان ولا بدوره الوظيفي بل يتعلق الأمر بمستقبل أمريكا والمنظومة الغربية التي تنساق مجبرة خلف الرغبات الأمريكية من أوكرانيا إلي بحر الصين، وصولا إلى فلسطين القضية الشاهدة على الانحطاط الأمريكي وعلى قبح أمريكا وبشاعتها ونذالة مواقفها وكذبها، أمريكا التي يتربع على عرشها رموز ونخب انتهازية تفتقد بدورها لقيادات كارزمية وازنة أمثال كنيدي، وجونسون، وكارتر، ورزفلت، وإيزنهاور، حالها حال الكيان الاستيطاني ذاته الذي يفتقد لقادة أمثال جولدمائر، وبيجين، ورابين، والحال من بعضه إذا تعلق الأمر بأمتنا وبحكامها وأنظمتها، غير أن أمريكا والغرب كمحاور فاعلة يبدو سقوطهم كفعل حتمي تفرضه تطورات التاريخ وأحداثه، وإن كانت رحلة السقوط الأمريكي قد بدأت في عهد بوش الابن، فإن أحداث المنطقة بدءا من غزو العراق، وأفغانستان وحرب أمريكا ضد ما أطلقت عليه (الإرهاب) وحتى دورها في تداعيات وأحداث ما سميَ بـ (الربيع العربي)، ومن ثم فرض وجودها في شمال سوريا، وانسحابها المذل من أفغانستان وتسليم مقاليد تلك البلاد بعد احتلال وغزو دام لعقدين وفي النهاية سلمت البلاد لمن يفترض أنهم أعداؤها الذين خاضت ضدهم حربا طاحنة مع شركائها في أوروبا الذين بدورهم تفاجأوا بانسحاب قائدتهم ومعلمتهم دون مشاورتهم، لكنها أي أمريكا كانت تدرك أن هذا الانسحاب حتمي نظرا للكثير من العوامل الذاتية والموضوعية منها نمو واتساع قدرات الصين وعلى مختلف المجالات، واستعادة روسيا الاتحادية لقدراتها بعد أن كانت أمريكا تعمل جاهدة على تدميرها ولذا استوطنت أوكرانيا وكان أملها أن تجعل منها خندقا متقدما لاحتواء روسيا وقمع تطلعاتها الجيوسياسية، ناهيكم أن نفوذ واشنطن في المنطقة تقلص حتى في أوساط حلفائها وأتباعها الذين تشجعوا في التعبير عن مصالحهم مع بروز دور روسيا والصين، وبالتالي لم يبق معها سوى الكيان الصهيوني الذي بدوره عاش مرحلة انقسام ولا يزال، فيما إيران وحلفاءها برزوا كقوى إقليمية منافسة، فبدت أمريكا شرق أوسطيا وكأن حضورها منبوذاً وغير محل ثقة، لتأتي أحداث طوفان الأقصى بمثابة فرصة لواشنطن لاستعراض قوة نفوذها وحضورها حاشدة الغرب حولها في استعراض لقوة معنوية مشفوعة بسلسلة من الأكاذيب الزائفة التي تعكس مكانة منحطة وصلت إليها دولة تزعم أنها دولة عظمى ولم تعد تملك من العظمة غير ترسانة أسلحة سخرتها لإحراق أطفال ونساء وشيوخ أبرياء بحثا عن هيبة مفقودة وكرامة مسفوحة وقيم مدمرة تماما كأحياء غزة التي تعكس بصورتها حضارة أمريكا وحقيقة قبحها البشع..!
إذاً هذا الاستعراض الأمريكي على خلفية تداعيات طوفان الأقصى يجسد الحالة التي وصلتها أمريكا والمعبرة عن ضعف وهزيمة وفشل، فهي أخفقت في احتواء ( الدب الروسي) وفشلت في تطويق ( التنين الصيني) وعجزت في السيطرة على حلفائها التقليدين في المنطقة، كما فقدت ثقة المنظومة الدولية والإقليمية بما في ذلك حلفاءها الأكراد في سوريا والعراق وحتى الخليج لم يعد ذلك التابع الملبي لرغباتها، وفي لحظة ارتباك يقيني أمريكيا جاءت معركة طوفان الأقصى لتزلزل أركان الإدارة والكيان والمنظومة الاستعمارية مبشرة بعصر جديد وشرق جديد وتوازنات جديدة ومسارات وتوجهات جديدة في المنطقة، فكانت الهرولة وإرسال حاملات الطائرات ولحقتها بريطانيا، غير أن الأمر لم يقتصر هنا، بل تبنت أمريكا قيادة حرب إبادة غزة وليس هدفها غزة ولا حماس، بل هدفها إعادة تطويع المنطقة وإخضاعها لسطوتها وقطع الطريق أمام (الدب والتنين) واحتواء (طهران) وتجريف جيوب المقاومة ومن ثم إعادة تسويق مفاهيم للقضية العربية الفلسطينية وفق رؤية أمريكا الوسيط الكاذب وغير النزيه وغير المؤتمن سياسيا وأخلاقيا..!
لكن.. هل بمقدور أمريكا إصلاح ما أفسدته سياستها المنحطة والمدمرة؟ أشك في هذا ،لأن الواقع الأمريكي الداخلي يشير إلى عكس هذا، وحتى علي مستوى الكيان أيضا.

قد يعجبك ايضا