علي قدر أهل العزم تأتي العزائم ‘ لقد كانت طوفان الأقصى طوفانا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهي أولا لم تفاجئ العدو فحسب بل وفاجأت الصديق والقريب وفاجأتنا جميعا.. إن ما حدث لهو نصر إلهي بكل المقاييس والمستويات تخقق على أيدي المقاومين الفلسطينيين في كتائب القسام بشكل أساسي علاوة على سرايا القدس والفصائل الأخرى، ففي الوقت الذي أحاط العدو وأعوانه وأدواته وحلفاؤه من مطبعين ومنبطحين بقطاع غزة وأمعنوا في الحصار والخنق على المقاومة وأهلها وشعبها، وفي وقت بلغت المعاناة في قطاع غزة أشدها بعد الدمار الذي أحدثه العدو خلال السنوات السابقة مستكملا جريمته بخنق المقاومة وأهلها من كل شيء. وفي وقت تراءى للعدو الصهيوني أنه قد قضى على القضية الفلسطينية برمتها من خلال التطبيع مع الخونة في الخليج وغيره ومن خلال شراء السلطة الفلسطينية في رام الله وفي الوقت الذي أشغل العدو فيه شعوب الأمة بمعاناتها ومعائشها وحروبها وظروفها.. وفي الوقت الذي عمل على محاولة تصفية الحق الفلسطيني كاملا ..جاء طوفان الأقصى ليسقط كل تلك الحسابات ويقلب معادلة 75 عاما من الانكسارات العربية والمآسي الفلسطينية رأسا على عقب ويسجل سابقة تاريخية وعهدا جديدا به بدأ العد العكسي لمعركة وعد الآخرة.
ما شاهدناه من البطولات التي اجترحها أبطال القسام تعجز الكلمات عن وصفها وتتلعثم الألسن.. لقد أعادوا للأمة كرامتها بحق وحقيقة.. وأذلوا اليهود الصهاينة أمام الكاميرات التي وثقت صوتاً وصورة .. لقد جعلوا اليهود تحت أقدامهم صاغرين مستكينين مذعورين مرعوبين يرتجفون خوفا.. وقتلوا منهم من قتلوا وأسرو من أسروا وجرحوا من جرحوا بالآلاف وليس بالمئات فحسب وجسدوا بذلك قول الله « وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ » بعد أن توهم اليهود بأنهم جيش لا يقهر وتوهمت الأعراب أيضا بأن إسرائيل قوة عظمى يحتمون بها ويخشون هيبتها وسطوتها مرغ أبطال القسام وسرايا القدس هذا الكيان في تراب المذلة والعار وغيروا مجرى التاريخ وثبتوا الحقائق الكبرى لمن بعدهم ولمن قبلهم.
طوفان الأقصى بما حملت من أبعاد تعد نصراً غير مسبوق في تاريخ صراع الأمة مع هذا الكيان، طوفان الأقصى أسقطت إسرائيل التي ظل وجودها قائما على السطوة والوحشية وعملية الدعاية المكثفة عن جيشها ومسمياته الخنفشارية جيش الدفاع والجيش الذي لا يقهر.. فيما ظهر جيشا من ورق يموت جنوده وهم لا يعرفون كيف ماتوا من شدة الخوف والذعر.. كنا نعتقد بأن الجيش السعودي لا أذل منه جيشا حينما كنا نتابع مشاهد الفرار التي كان إعلامنا الحربي يوثقها في الجبهات فإذا بنا اليوم نكتشف أن الصهاينة وجيشهم أذل وأجبن.
لقد أحدثت طوفان الأقصى ثلما شاسعا في بنية الكيان الصهيوني وهزة مرعبة لها تداعياتها عليه والتي لن تتوقف إلا بزواله وانهياره.. قبل ذلك فإن خسارته الثقيلة لا وصف لها.. وقد تابعت يوم أمس الصحف الصهيونية وما صدرته من عناوين عن الطوفان. بعضها وصفته بأسوأ هجوم وأكبر كارثة على الصهاينة.. وأخرى اعتبرت يوم السبت أحلك يوم على اليهود..وأخرى قالت بأن ما حدث مرعبا وسيبقى عارا في تاريخ الصهاينة وبني اسرائيل..وهو في المقابل مجد تاريخي للأمة كلها صنعه أبطال القسام الأماجد واستعادوا به كرامة أمتنا حين تقدموا على الصهاينة بذلك البأس والعنفوان والقوة والشدة واثخنوا فيهم القتل والجرح والأسر وجعلوا في كل بيت من البيوت اليهودية داخل الكيان مأتما وعزاء بعدما ظل العزاء في ديار العرب لسنوات طوال، لقد فعلوا ما لم تستطع فعله الجيوش العربية مجتمعة ومتفرقة ذلك أنهم حملوا الإيمان بالله والتقوى وانطلقوا مجاهدين في سبيل الله ونصرة لعباده ودفاعا عن مقدساته ولم ينطلقوا لمرتب أو رتب عسكرية أو لمهمة عسكرية بل كمجاهدين حملوا أرواحهم على أكفهم يسبحون الله ويكبرونه ويستمدون العون منه.
إن طوفان الأقصى لا تتوقف آثارها عند حدود ما أحدثته بالعدو الصهيوني من هزيمة منكرة ومن خسائر كبيرة لا حسبة لها حتى الآن. بل إن أبطالها بعثوا الأمل لدى ملياري مسلم في العالم بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وليس لقوة الصهاينة والأمريكيين وبعثوا الأمل لدى ملايين الشباب الذين يتعطشون اليوم للقتال ويتشوقون للجهاد في مواجهة اليهود الغاصبين.. ومن لا يعرف الأثر عليه أن ينزل إلى الجامعات في صنعاء والمدارس والله إن الشباب يبحثون عن طرق يسجلون أسماءهم ليلتحقوا بركب المجاهدين وقس على ذلك في بقية شعوب الأمة.
علاوة على ذلك لقد أسقطت طوفان الأقصى سيرك التطبيع الخياني وجعلت منه أضحوكة للعالم فمن يطبع مع من.. العدو الصهيوني يستجدي اليوم دعم الحلفاء كما أعلن أمس يستجدي العالم، يستجدي الأمم المتحدة للتدخل.. الكيان الصهيوني اليوم يرتجف من أوله إلى آخره تحت ضربات أبطال القسام وسرايا القدس ..جيش الكيان الصهيوني وقادته يرتجفون خوفا وذعرا مما صنع أبطال المقاومة فهل هؤلاء يا محمد بن سلمان سيمنحوك حماية أو قوة! لقد فقأت المقاومة ومجاهديها عين التطبيع وكسروا قرونه كلها، ما تحقق في طوفان الأقصى عظيم وعظيم لا يمكن حسابه بالبيانات والأرقام بل بالمعادلات التاريخية وبالعناوين الكبرى للصراع كما أن قراءته لا بد من أن توضع في سياق المعادلات بمقاربة تاريخ الوجود اليهودي والكيان الصهيوني ومآلاته وتحولات صراع الأمة معه.. لقد أبكى أبطال الأقصى كل يهودي في كل المعمورة.. لقد أفرحوا كل مؤمن في كل الأرض.. فالتحية لهؤلاء الأبطال أبطال الأمة وعظمائها والتحية للشعب الفلسطيني العظيم.. التحية أبو خالد الضيف وإسماعيل هنية وللسنوار وللقائد زياد نخالة للقسام والسرايا..التحية لغزة العزة والمجد والقوة.. والرحمة على الشهداء والشفاء للجرحى والفرج للأسرى والنصر من الله لأمتنا الإسلامية..
هذه الإضاءة الصغيرة جدا لا تختزل مشهدا واحدا من طوفان الأقصى ولا تعطي تضحيات جسام قدمها المقاومون شيئا من حقهم ، لكنّها تأكيد بأنّ المقاومة هي نتاج إيمان بالله وثقة عليه وتوكل على الله وإرادة حرة وقوية ، وهي خيار وقرار يلتزمها كلّ الأحرار المشبَعين بالإيمان والتقوى والعزة والكرامة، والله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص.