اعتاد اليمنيون منذ القدم تجديد الولاء والحب لرسول الله كل عام في يوم مولده

الاحتفاء بمولد الرسول الأعظم موروث متجذِّر في الذاكرة والتراث اليمني
رغم تنوع الاحتفالات في مختلف المناطق اليمنية إلا أنها جميعا كانت تستقبل المناسبة بالطيب والبخور وإحياء السيرة العطرة.
لم يفلح المد الوهابي في إثناء الناس عن إحياء المناسبة فعمل على التشويه

يحتفي اليمنيون في الـ12 من ربيع الأول من كل عام بذكرى ميلاد الرسول الأكرم محمد(ص) فهي ذكرى خالدة ومناسبة أصيلة وأساسية لا يمكن البعد عنها والتخلي عنها في اليمن منذ زمن طويل، لما تحمله الذكرى من دروس وعبر ودلالات عظيمة واستثائية، فالاحتفاء بالمناسبة في اليمن له مميزاته ودلالاته الدينية والأخلاقية ويعبر عن مدى حب اليمنيين لنبيهم محمد الأمين خاتم المرسلين .. نستعرض هنا تفاصيل من تلك الأفراح والاحتفالات في المحافظات:

الثورة / هاشم علي

صنعاء الأبية تحتفي
يستقبل أهالي صنعاء المولد النبوي الشريف قديما بعادات وتقاليد استثنائية، حَيثُ يتجمعُ سكانُ المدينة وعلى مدى سنوات كثيرةٍ في يوم المولد منذ ما بعد صلاة المغرب في الجامع الكبير، ويقوم الخطيبُ بالصلاة على الرسول وعلى آله، ويتم الحديث عن سيرة الرسول، ومولده ونشأته وحياته وأخلاقه وصفاته، وكذلك النساءَ يجتمعن في جامع النساء ويقمن بعمل احتفائية مولد نبوي.
الحاج /محمد مهدي من أبناء صنعاء يؤكد لـ”الثورة” أن الروحانية في الليالي المحمدية استثنائية وتعود تلك الفضيلة الى سيدنا محمد وبركاته العظيمة على شعبنا اليمني منذ زمن طويل، حيث يقوم الناس بقراءة القرآن والاهتمام بالأرحام والجيران والفقراء والمساكين، كما يقومون بتزويد الأناشيد، ويقوم الأطفال برش ماء الورد على الحاضرين وهم يردّدون الصلوات ويتم تبخيرُ الجامع بالعُودة ويستمر الاحتفال ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات، ويؤيده الرأي الحاج / محمد علي.
ويحرص الأهالي على اصطحاب أبنائهم معهم، في عادة متوارثة من الآباء للأبناء، لتظل الأجيال متمسكة بهذه المناسبة وتلك الطقوس الفرائحية القائمة على قاعدة المحبة لله ولرسوله الكريم.
ولم يقتصر ذلك على المساجد فحسب، بل تمتد مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي، إلى الساحات العامة عبر الفرق الإنشادية والرقصات والأهازيج والموشحات الدينية التي تليق بأعظم خلق الله الرسول محمد بن عبدالله.
طقوس المولد في صعدة
تعتبر صعدة من أبرز المحافظات التي حافظت وتمسكت بالمناسبة والاحتفاء بها رغم الصعاب عبر القرون السابقة، إلا أن أبناء صعدة استطاعوا تجاوز كل العوائق والحفاظ على الاحتفاء سنويا.. الأستاذ/محمد علي من أبناء صعدة يتحدث قائلا: من أجل رسول الله يرخص كل غالٍ، فالحمد الله حيث كانت محافظة صعدة سباقة في اقامة مراسيم الاحتفال بالمولد النبوي في صعدة طيلةَ أَيَّـام شهر ربيع الأول، وَيقوم مشايخ وأعلام المحافظة بتجهيز ولائم عشاء كبيرة في مركز المدينة، فهذا معروف عن أبناء المحافظة .
ويضيف: يعد جامع الإمام الهادي أحد أبرز الأماكن التي يقام فيها الاحتفال، حَيثُ تتم قراءةُ سيرة الرسول كُـلّ ليلة من ليالي شهر ربيع الأول، ويلقي الكثيرُ من الشعراء قصائدَ في مدح الرسول.
وإلى جانب هذه التنوع الرائع في إقامة الاحتفال فَـإنَّ إحيَاء المولد النبوي في اليمن أصبح جزءاً من الموروث الشعبي عبر الأجيال؛ لما له من تأثيرٍ كبيرٍ في وجدانهم الديني والشعري والفني، إذ أنتجت هذه المناسبة إرثاً ثقافيًّا وفنياً كَبيراً تمثل في العديد من القصائد والموالد والأناشيد والألحان الصوفية.
حضرموت في مولد المختار
منذ القدم لمدينة حضرموت دور مميز في إحياء مناسبة المولد النبوي، حيث تتميز بالعديد من الطقوس الدينية والاجتماعية التي تدعو إلى المحبة والألفة بين أبناء المجتمع.
ويستقبل أبناء المحافظة المولد بطقوس فرائحية خاصة تمتزج بروائح البخور الحضرمي الأصيل؛ وتبرز معاني الفرح بهذه المناسبة الدينية في مختلف منابر المساجد التي تتناول دروسا من وحي الهدى النبوي، ويستعرض من خلالها العلماء والدعاة مكارم الأخلاق من السيرة النبوية السمحاء، ويدعون الناس إلى التحلي بصفات رسول العالمين.
ويعتبر اليمنيون المولد النبوي مناسبة لتحضير موائد الطعام الشهية وحلوى المولد، والتي تعد من أبرز معالم بهجتهم بهذا الاحتفال، ففي مسجد المحضار بمدينة تريم تقامُ سنوياً احتفاليةٌ بهذه المناسبة، وتتم فيها قراءةُ مقاطعَ من سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم – والمشاركة في إنشاد القصائد التي تتضمن ذكر سجايا وفضائل النبي المصطفى والمديح له.
تعز وشبوة في المولد
كما تحتفي محافظة شبوة وتفرح كسائر المحافظات اليمنية بالمولد النبوي الشريف منذ عشرات السنين، حيث يقام الاحتفال في جامع “بيحان” بمحافظة شبوة، وكانت تقدم الوجبات والولائم، ويشارك بالمولد حتى كبارُ وصغار السن.
وعرفت معظمُ القرى في مختلف المحافظات اليمنية طقوساً وعاداتٍ احتفائية بالمولد النبوي، حَيثُ كانوا يحيون المناسبة من خلال جلسات القات التي يقومون فيها بالإنشاد وترديد أبيات شعرية بألحان مختلفة، بحسب عادات المنطقة أَو المدينة.
ولمحافظة تعز أيضا دور لا يختلف عن بقية المحافظات، حيث يقيم أبناء تعز كُـلّ عام احتفالاً كَبيراً بالمولد النبوي في منطقة “يفرُس” في مديرية جبل حبشي، وكان الناس يتوافدون من مختلف القرى إلى المنطقة ويقيمون فيها وليمةً كبيرةً يوزعونها على الفقراء والمساكين، وتتم خلال الفعالية التي تستمر أسبوعاً كاملاً قبل وبعد مولد الرسول قراءةُ قصائد عبدالهادي السودي وأحمد بن علوان اللذين يُعدان من أبرز أعلام الصوفية في المحافظة.
زبيد وحجة في المناسبة
أما حجة ومدينة زبيد مدينة العلم والعلماء فلهما دور مركزي في الحفاظ والتحفظ والاحتفاء بسيرة أفضل مخلوق سيدنا محمد (ص) التي تتبع محافظة الحديدة حيث أسهمت في إحياء مناسبة المولد النبوي الشريف على مدى عقود طويلة. وتتميز هذه المناسبة في زبيد بإنتاجها أهم وأشهر الموالد والأناشيد والقصائد في مدح الرسول والتي أصبحت تراثاً شعبياً متعارفاً عليه في جميع أنحاء البلاد.
وفي البلدات التهامية فَـإنَّ “ليلة النور” تعد فرصةً للقاء كبار السن الذين يحتشدون في مجالس ليلة جماعية لتلاوة القرآن، ومناقشة سيرة النبي محمد، فيما يحرص الأطفالُ والأُمهات على زيارة الملاهي في صباح اليوم التالي.
إن المولدَ باختصار يومٌ مليءٌ بالأذكار والأناشيد والمدائح المحمدية والمقامات الدينية المتنوعة التي تسرد حياة النبي محمد وَمعجزاته في عدة مناطق تهامية.
الإيمان يمان
وقد أكد السيد عبدالملك الحوثي في كلمته التي ألقاها بمناسبة تدشين فعاليات المولد النبوي الشريف أن شعبنا العزيز تميز بإحيائه لهذه المناسبة بشكل كبير وبأنشطة وفعاليات متنوعة، وتصدر الشعوب الإسلامية في مدى اهتمامه بهذه المناسبة وابتهاجه بها وطريقة إحيائه لها”.
واعتبر اهتمام الشعب اليمني بهذه المناسبة، من تجليات ومصاديق الحديث النبوي الشريف “الإيمان يمان والحكمة يمانية”.. مشيراً إلى أن الصلة برسول الله عليه الصلاة والسلام والعلاقة به هي صلة وعلاقة إيمانية منطلقها وأساسها الإيمان به وبرسالته وبعظيم منزلته عند الله تعالى وبمهمته المقدّسة، ودوره العظيم، وأنه صلة للأمة بالله تعالى وهديه ونوره.
إن ذكرى المولد النبوي ليست حدثاً عابراً على اليمنيين، يمكنُ أن يَمُــــرَّ هكذا بسلام، فاليمنيون وعلى مدى عقود من الزمن كانوا يحتفلون بيوم مولد الرسول الأكرم، ويستجلبون البركات بمدحِه -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-، إمَّا بالصلاة عليه، أَو إنشاد شعر مديحه.
وبقراءة لسيرة الرسول الأكرم، فَـإنَّ اليمنيين كانوا أول من احتفل بقدومه، حين استقبله الأنصار اليمنيون بالأفراح والأهازيج في المدينة المنورة، مردّدين تلك الأبيات المحفورة في ذاكرة كُـلّ مسلم ومسلمة:
طلع البدر علينا.. من ثنيات الوداع
وجب الشكرُ علينا.. ما دعا لله داع
أيها المبعوثُ فينا.. جئتَ بالأمرِ المطاعِ
جئت شرّفتَ المدينة.. مرحبًا يا خيرَ داع
ومنذ ذلك التاريخ، حفر اليمنيون مكانةَ الرسول في جدار قلوبهم؛ حباً ووداً، واتِّباعاً، وأسوة حسنة في جميع مجالات الحياة، ولذلك فَـإنَّهم يحيون هذه المناسبة المقدسة بكل حفاوة، ليس من منطلق المذهبية، وإنما من منطلق الوعي والتمسك بالنبي محمد ورسالته -صلوات الله عليه وآله، وهم منذ القدم، شافعيتهم وزيديتهم، يحيون مناسبة المولد بطقوس متعددة، بالموالد وقراءة سيرته وإنشاد المدائح النبوية والمهرجانات والأُمسيات الشعرية والندوات الفكرية.
ولا يقتصر الاحتفال بالمولد عند اليمنيين على الطقوس، بل جعلوا من مظاهر الاحتفال بمولد الرسول الأكرم -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- فُرصةً للتراحم والتكافل والعطف على الفقراء والمساكين ومساعدة المحتاجين وتجسيد المبادئ القرآنية والأخلاق النبوية التي كان يتحَرّك على أَسَاسها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله.
إجمالاً تتنوع طقوس الفرح بالمولد النبوي في اليمن من منطقة إلى أُخرى، فخلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف الذي يوافق يوم 12 ربيع الأول من كُـلّ عام هجري، تجد اليمنيين قد أعدوا لها منذ وقت مبكر، ففي بعض المناطق كان الناس يخرجون في الصباح ليؤدوا الرقصات الشعبيّة، على إيقاعات “البرع”، وَبين صلاتَي المغرب والعشاء يستمعون إلى الخطب والمحاضرات الدينية، التي يتخللها ترديدُ الصلاة والسلامُ على الحبيب المصطفى محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-، كما أن بعضَ المناطق كانت تحرص على إيقاد الشُّعلة على الجبال ليلة المولد، كما تكثُرُ في هذا اليوم زيارةُ الأرحام والأقارب، ويستغلها الكثيرون فرصة للتسامح فيما بينهم.

قد يعجبك ايضا