الثورة /يحيى الربيعي
يعاني مزارعو العنب في مديرية بني حشيش، وأجزاء من مديريتي نهم وخولان بمحافظة صنعاء، وهي المناطق المتميزة بزراعة وإنتاج محاصيل أنواع العنب المصنفة عالميا بإنتاج أجود أنواع الزبيب، من ظهور مرض فطري يسمى “البياض الزغبي”، المرض تفشى بصورة واسعة حتى كاد يغطي معظم مزارع العنب في هذه المناطق.
“الثورة” ناقشت المشكلة مع منسق الإرشاد المجتمعي- نائب مدير الإرشاد في مكتب الزراعة والري بمحافظة صنعاء المهندس محمد قعطاب، والذي بدروه أوضح أن أضراراً مدمرة في محاصيل الأعناب بكل أصنافه وتأتي عن طريق إصابة الأشجار بمجموعة فطريات يطلق عليها (بيريو بيرو نسبو راء اليسا)، المسبب الرئيسي لظهور المرض.
وأرجع ظهور المرض إلى وجود البيئة الحاضنة له، وهي مناطق الظلال والغيم، والتي تهطل فيها الأمطار بشكل متكرر، مؤكدا أن تغيرات الطقس والمناخ تلعب الدور الرئيسي في تحضير وتغييب الفطريات والحشرات الضارة.
وشدد على ضرورة اتباع إجراءات الحيطة والحذر، بدءا من الاهتمام بالعمليات الزراعية في التخلص من الأعشاب الضارة والحراثة، محددا الصباح الباكر موعدا مناسبا لإجراء هذه العمليات لما في ذلك من فوائد جمة، خاصة فيما يتعلق بأشعة الشمس، ودورها في تخليص التربة من الفطريات الضارة.
منوها بأهمية عمليات التسميد والتقليم في الأوقات والمواسم المحددة مع تفضيل التسميد العضوي، وكذا الحرص على اختيار شتلات الأعناب الجديدة، وانتقائها من الأصناف المحسنة في الحقول المحلية لما تتمتع به من خاصية المقاومة ضد الأمراض، وفي تحسين جودة المنتج مرحليا، محذرا من اللجوء إلى شراء شتلات الأعناب من مصادر مجهولة، فقد تأتي تلك الشتلات محملة بالبيتموس أو ما يسمى بالذبل المخمر، وبالتالي يحتمل أن تكون الشتلات مصابة بأعراض أمراض موبوءة منقولة من داخل الحقول الإيضاحية أو المشاتل التي عادة ما تستخدم البيتموس (الذبل المخمر)؛ البيئة المناسبة لانتشار الكثير من الأمراض.
وأضاف “كما يجب السيطرة على الأجواء الماطرة والقائمة والمغيمة التي تؤدي إلى زيادة نسبة الرطوبة؛ البيئة المناسبة لنمو وانتشار الفطريات والحشرات الضارة، وذلك بالتخلص من مخلفات محصول العام السابق، وتصريف المياه الزائدة من أحواض أشجار العنب، وكذا التخفيف من كثافة النمو الخضري لتوفير التهوية الملائمة داخل الحقول والسماح لأشعة الشمس بالتخلل بين أفرع الأشجار وصولا إلى التربة، وذلك لما لأشعة الشمس من دور هام في توفير ظروف ملائمة لزيادة وتحسين جودة النمو الثمري للمحصول”.
ولفت إلى أن اتباع إجراءات الوقاية في تنفيذ العمليات الزراعية- كما سبق التوضيح- يحرم الفطر من بيئة التواجد، موصيا المزارع بعدم الفرح بكثافة النمو الخضري، والمبادرة إلى قص الأوراق والأفرع الزائدة والتخلص منها بإخراجها من حقول الأشجار إلى أماكن بعيدة عن الحقول ومعرضة لأشعة الشمس، كما أوصى بالتخلص من اللحاء التي تتشكل على هيئة جيوب في جدران سيقان أشجار العنب، كونها تمثل حاضنة تمكن الفطر من وضع البويضات التي تتطور إلى يرقات وحوريات تكاثر الفطر.
واعتبر ترك مخلفات الأوراق المتساقطة من العام السابق فوق سطح التربة أحد النواقل الرئيسية للأمراض والحشرات الضارة المضيفة، مبيَّنا أن أغلب المحاصيل الرئيسية تأوي أنواعا خاصة من الفطريات، وأن هذه الفطريات تقوم بالسبات الشتوي في أكوام المخلفات النباتية والبراعم المصابة.
مشيرا إلى أن الاعتقاد بأن الإبقاء على مخلفات محصول العام السابق في الحقول الزراعية جزء من التسميد، ينافي شروط وظروف تحضير السماد العضوي، التي تستوجب مرور تلك المخلفات بعمليات تحضير تسبق الاستخدام تعمل على تحلل المواد العضوية وتخليصها من الأمراض الفطرية والحشرية.
وقال: إن السماد العضوي لا يكون نافعا إلا بالتخمير عن طريق الدفن في باطن الأرض، وعلى طبقات؛ طبقة من مخلفات الحيوانات، وطبقة من مخلفات المحاصيل الزراعية، ثم رماد وأي مخلفات عضوية أخرى، ويتم دفن جميع الطبقات في حفرة مناسبة تحت الأرض لمدة لا تقل عن ستة أشهر، ومن ثم إخراجها وتعريضها للشمس لمدة مناسبة، ثم تقليبها وطحنها بالأساليب التقليدية المتعارف عليها عند الآباء، والتي بالإمكان التعرف عليها خلال الانتظام في حضور جلسات المدارس الحلقية لتبادل ونقل الخبرات بين المزارعين والأجيال.
مؤكدا أن تطبيق المكافحة العضوية في المراحل الأولى من المرض بالتزامن مع الاهتمام بعمليات الري في الأوقات والكميات المناسبة، هو الطريق الأنسب والمنصوح في حالة الإصابات الطفيفة، مؤكدا أن اللجوء إلى استخدام المكافحة الكيميائية، لا ينصح به إلا في المراحل المتقدمة من أطوار الفطر أو اقتراب موسم حصاد المحصول.
من جهة أخرى، حذر قعطاب من لجوء بعض المزارعين إلى خلط أو استخدام منتجات كيميائية متعددة ومختلفة في نفس الوقت، كما أوصى بعدم تكرار الرش من ذات المبيد، لأن في الاستخدام العشوائي للمبيدات أخطار كبيرة؛ ذلك أن خلط وتعدد أنواع المبيدات يؤدي إلى ظهور الفيروسات غير القابلة للمكافحة أو العلاج، فيما يعمل تكرار الرش بنفس المبيد على إكساب الحشرة أو الفطر مناعة ضد المبيد، وبالتالي يصبح ضرر عمليات المعالجة العشوائية أقرب من نفعها.
وأرشد نائب مدير الإرشاد المهندس قعطاب المزارعين إلى أهمية التفريق بين الأمراض الفطرية والحشرية، مبيَّنا أن لكل مرض مبيداً خاصاً به، مشددا على ضرورة التزام المزارع حرفيا بالكميات المناسبة والموصى بها في الإرشادات المطبوعة على علبة المبيد، كي يكون للمبيد تأثير فعال على الحشرة أو الفطر المراد مكافحته، لأن في التلاعب بكمية المبيد عن الحد الموصى به يفقد المبيد مفعوله أو يتسبب في ظهور عواقب وخيمة؛ فطريات أو حشرات جديدة، وربما يصل الأمر مع بعض المبيدات إلى ظهور فيروسات.
وفي صعيد آخر، لفت المهندس قعطاب أن الراجح في الأمراض الفيروسية، هو عدم الوصول إلى مضادات علاجية كيميائية أو غيرها حتى اللحظة، وإن كل ما يتوفر هو بعض أساليب توقيف انتشار المرض.
وأشار إلى أن فريق الإرشاد المجتمعي قام بزيارات ميدانية إلى مديرية بني حشيش، تم خلالها تدريب عدد 11 ميسرا للمدارس الحقلية وتمت توعيتهم بأهمية دور المدارس الحقلية في نقل وتبادل الخبرات، والحمد لله قام هؤلاء الفتية بإعلان النفير العام ضد انتشار البياض الزغبي، تساندهم في حملتهم مكاتب الزراعة والري والجمعيات التعاونية بتوفير المبيدات التي قاموا باستخدامها، لكن المرض انتشر بصورة كبيرة نظراً للظروف المناخية وكثرة الأمطار.