كانت أبرز وأهم التحديات التي واجهت الثورة العربية في فلسطين تتمثل في خروج مصر أكبر وأهم الأقطار العربية من معادلة الصراع العربي _الصهيوني، بتوقيع اتفاقية (كمب ديفيد) المشؤمة وإقامة أول علاقة رسمية بين الكيان وقطر عربي، وشكلت هذه الخطوة ضربة قاصمة ليس للثورة العربية في فلسطين بل للأمن القومي العربي والوعي الفكري العربي بكل ما يحمل من قيم ومفاهيم حضارية، ولأن( الله لا يجمع بين عسرين) كما يقال فقد تزامن خروج مصر من معادلة الصرع مع العدو، بقيام الثورة الإسلامية الإيرانية، بقيادة الإمام آية الله روح الله الخميني _قدَّس الله سره _الذي جعل من فلسطين (بوصلة الثورة وهدفها وغايتها) وفي أول خطاب له قال الإمام الخميني عبارته الشهيرة (سأقف خلف المدفع الفلسطيني ولو تخلى عنه ياسر عرفات)، كما اعترفت إيران بفلسطين كدولة ومنحت ممثلها في إيران لقب سفير كما تحولت سفارة الكيان في طهران إلى سفارة دولة فلسطين وقبل أن يعلن الرئيس الشهيد ياسر عرفات قيام دولة فلسطين بقرابة ثمانية أعوام، إذ أعلن من الجزائر عن قيام دولة فلسطين عام 1988م.
بعد ذلك واجهت الثورة الفلسطينية الغزو الصهيوني لدولة لبنان في ظل صمت عربي باستثناء سوريا العربية التي وقفت بكل قدراتها في وجه العدوان الصهيوني، وأمام هذا الوضع حاولت أمريكا والغرب التغطية على جريمة الغزو الصهيوني والدفاع عنه أمام المحافل والمنظمات الدولية وتكريس النزعات الانفصالية والثقافة القطرية ومحاولة تحميل الثورة الفلسطينية وزر الغزو وتبعاته واضعين أمام الدولة اللبنانية إن رغبت بالاستقرار أن تعمل على إخراج الثورة الفلسطينية وكوادرها وقيادتها من الساحة اللبنانية، وكانت هذه رغبة بعض الأطراف اللبنانية وخاصة تيار المارونية السياسية الممثل بحزب الكتائب والقوات اللبنانية وكانت فلسطين وهوية لبنان وعروبته قد فجرت الحرب الأهلية في لبنان عام 1955م بين المكونات السياسية القومية والعروبية من جهة وبين المكونات المارونية العنصرية بزعامة آل الجميل وآل شمعون وبعض الأسر المسيحية التي كانت تجر لبنان نحو الثقافة الغربية ومحاولتها الانسلاخ بلبنان عن الهوية العربية، غير أن هذا المشروع سقط أمام إرادة المكونات العربية والإسلامية اللبنانية وكان أبرز هذه المكونات (حزب الله) الذي ولد من رحم الأزمة والحرب الأهلية والغزو الصهيوني إلى جانب مكونات عربية يسارية وقومية وإسلامية، كما لعبت سوريا دورا محوريا في تكريس عروبة لبنان وتعزيز هويته ودعم مكوناته وفعالياته العربية والإسلامية في مواجهة التيار الماروني الذي كان يرفع شعار (قوة لبنان في ضعفه) وهو الشعار الذي أسقطه حزب الله لاحقا الذي رفع شعار قوة لبنان في مقاومته.. ومع توصل الأنظمة العربية لتفاهمات انتهت بعقد( مؤتمر الطائف) خلال عامي 1990-1991م ليتمخض عن هذا الاتفاق إخراج القوات الأجنبية من لبنان والمقصود بها قوات الثورة الفلسطينية من لبنان وإغلاق آخر المنافذ أمامها باتجاه فلسطين وتشتيت قوات الثورة في الأقطار العربية البعيدة عن فلسطين وجغرافيتها..!
فيما كانت (مبادرة السلام) التي خطها الصحفي الأمريكي الصهيوني (توماس فريدمان) وقدمت للقمة العربية في فاس المغربية عام 1982 م باسم ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، كانت هذا المبادرة هي الورقة الوحيدة التي وضعت أمام القادة الفلسطينيين ومورس ضدهم كل أشكال الضغط السياسي والمادي والمعنوي ضد الثورة وقادتها كي يقبلوا بهذه المبادرة..!
يتبع،،