الصفعة التي وجهتها الأجهزة الأمنية للتحالف السعودي الأمريكي ومحاولاته العدوانية في ضرب الجبهة الداخلية بكشف العناصر الإرهابية، منتصف شهر رمضان الماضي، تبدو كافية لأن ترفع هذه القوى راية الإحباط والانكسار أمام هذه الصلابة والبسالة والعنفوان المستمر رغم كل الصدمات الناتجة عن قصف وحصار ثماني سنوات.
ربما حاول العدوان من خلال العملية الفاشلة وتجديد محاولة اختراق الجبهة المجتمعية، قياس مستوى الانهيار الذي كانوا يأملون أن سنوات العدوان والحصار قد استطاعت تحقيقه بإنهاك الأجهزة الأمنية، ليتبين أن سنوات المؤامراة إنما أثمرت شحذا للهمم والعزائم على إثبات الجدارة في انتزاع التمكين من جملة المصاعب التي صنعها العدوان وتحويل التعقيدات إلى فرص للنجاح.
العملية التي انتهت بشكل يائس، سبقته عمليات تحرى ورصد استخباراتي متمكن، كما كشف ذلك المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية العميد عبدالخالق العجري، منتصف شهر رمضان الماضي، الذي أوضح أن عملية رصد وملاحقة عنصرين تخريبيين جرت بعد وصول معلومات عن تحركات مريبة لهما، للقبض عليهما في مكان خال من الحركة السكانية تفاديا لحصول أي ضحايا، إلا أن العنصرين، قاما بركوب باص أجرة للتمويه، حسب العميد العجري، فقامت الدورية باعتراض الباص للقبض عليهما، إلا أنهما قاما بتفجير نفسيهما ليلقيا مصرعهما ويستشهد معهما اثنان من المواطنين كانا على متن الباص.
يعيدنا مثل هذا الحادث إلى الماضي القريب حين لجأت قوى العدوان إلى معركتها الموازية بضرب الجبهة الداخلية، فبعد انهيار الحلم السعودي الأمريكي بتحقيق غرض العدوان على اليمن خلال أيام، التأمت حجرة قيادة التحالف لتقييم الوضع وتمديد عمر العاصفة لأيام أخرى، ولما وجدوا أن الأيام باتت تتوالد أياماً بعد أخرى مع ابتعاد الهدف دفعتا في اتجاه ضرب الجبهة الداخلية بالتوازي مع استمرار عمليات القصف والحصار.
نشطت الاستخبارات السعودية والأمريكية والبريطانية بكل العصف الذهني المتاح لمفكريهم ومهندسي أشكال الاستهداف لإيجاد وسائل مضمونة النتائج، وبدأوا معركتهم الموازية.
تبلور النشاط بتشكيل جماعات تجسس وجماعات أعمال تخريب وترهيب إلى جانب مجموعات حرب ناعمة، ليكشف ذلك عن عجز في التقدير وفي قراءة معطيات وآثار المعركة بصيغتها النارية، والتي كانت دافعا للُحمة مجتمعية استثنائية ربما لم يشهد لها اليمن مثيلاً، وحينها انتفى عنصر البيئة المواتية لأن تترعرع فيه هذه الجماعات والخلايا، وكان الداعم الأكبر لعدم قابلية البيئة للتحركات المريبة، هو وجود جهاز أمني على قدر عال من الكفاءة ومثّل جدار صدّ صلب، أفقد العدوان توازنه لوضع الحسابات الدقيقة.
وخلال ثماني سنوات تفننت فيه قوى التحالف في وضع الأساليب العدوانية، ارتقى مستوى أداء الجهاز الأمني، فأفشل كل تلك المحاولات رغم تنوعها في الشكل والهدف والأدوات، فحيناً كانت تجسسية وحيناً تخريبية وحينا آخر من أجل بث الشائعات، إلى جانب النشاط لسلب الشباب إرادتهم من خلال السيطرة عليهم بواسطة المخدرات.
ومثّل العام قبل الماضي 2021 عاما فارقا، القت فيه قوى التحالف بِثِقَلٍ أكبر، ظهر وكأنه تعبير عن حالة من عدم الرضا بهذا العجز الذي ظل يرافق كل مخططاتهم لضرب هذه الجبهة التي مثلت سندا ورافداً غنياً لجبهات الصمود والمواجهة، وفي ذاك العام، حقق الجهاز الأمني أكبر إنجازاته على صعيد رد كيد المتآمرين إلى نحرهم، فضبط خلية تجسس تابعة لأجهزة المخابرات البريطانية، كانت مهمتها استقطاب العناصر وترصد وتتبع القيادات ورفع الإحداثيات والتآمر على الوطن.. العملية مثلت دليلا فاضحا للتورط البريطاني الذي حاول خوض لعبة المواربة خلال المشاركة في العدوان، لينكشف دوره بشكل قوي وواضح من خلال هذا التحرك الفاشل بالتغلغل في الوسط المجتمعي ومحاولة استمالة العقول والنفوس عبر اللعب على وتر الحاجة الناتجة أصلا عن فعل الحصار الهمجي وغير القانوني.
ومن خلال ذاك الإنجاز النوعي بكشف الخلية البريطانية قدم الجهاز الأمني وجهاز المخابرات دليلا واضحا على حيازة المنظومة الأمنية اليمنية لمرتبة الأفضلية في استباق وقوع الجريمة، والتأكيد على هذه الأفضلية يأتي انطلاقا من حقائق أن اليمن أصلا ظلت طوال سنوات تحت أشكال القصف لبنية الدولة في مختلف المجالات إلى جانب الحصار الخانق، مع ذلك ورغم استمرار العدوان إلا أن النظام الأمني كان يعمل في مسار تثبيت جدار الصدّ لحماية الجبهة الداخلية دعما وعونا لجبهات المواجهة.
Next Post