لست بالضرورة أن أكون (عدوا للإخوان) ولا خصما لهذه الجماعة التي في أفعالها ما يكفي للاستدلال على أن هذه الجماعة مثلْ خروجها من (قمقم التسلط) مع بداية التحولات التراجيديا في الوطن العربي، التي برزت بعد رحيل الزعيم العربي جمال عبدالناصر عام 1970م ووقوع الفضاء العربي في دائرة الفراغ السياسي، الأمر الذي منح النظام القطري العربي فرصة البحث عن الذات الوطنية، يومها لم يجد الرئيس (السادات) خيارا للتخلص من نظام وارث سلفه الرئيس عبدالناصر بحضوره الوطني والقومي وثقله الدولي، سوى الاستعانة بجماعة الإخوان للتخلص من إرث العهد الناصري وتبعاته، فكانت الكارثة التي ألقت بظلالها على الأمة من محيطها إلى خليجها، وتزامنت خطوة (السادات) مع رغبة (آل سعود) في التعبير عن حضورهم الجيوسياسي، عبر تسخير هذه الجماعة واتخاذها أداة للتعبير عن نفوذها وحضورها، قبل أن تتفجر الأزمة الأفغانية عام 1975م، وما تبعتها من تداعيات أدت إلى إحداث حالة انفصام في الوعي العربي على النطاقين الوطني والقومي، فاعتمدت الكثير من الأنظمة على الجماعة في مواجهة خصومها من التيارات السياسية الأخرى التي كانت تمثل خطرا على الأنظمة..!
بعد عام 1990م وانهيار المعسكر الاشتراكي وبروز النظام الليبرالي بهيمنته ورفعه شعارات سياسية متعددة، منها الانفتاح والحقوق والحريات السياسية والإعلامية، برزت الجماعة بثقلها بعد عقود من البناء التراكمي للقدرات البشرية والمادية والثقافية، وعملت الجماعة على استغلال حالة الانفتاح في الواقع العربي وطنيا وقوميا، موزعة أدوارها بين التطرف والاعتدال والتقرب من مفاصل الأنظمة والتودد إلى رموز القطاعات الاقتصادية، ومتوغلة في مؤسسات المجتمع المدني، النقابية والإعلامية، ولم تأت أحداث (الربيع العربي) إلا وقد كانت الجماعة جاهزة ذاتيا وموضوعيا لإدارة أحداثه والسيطرة على توجهات الجماهير على طريق (التمكين) والاستحواذ، دون أن تغفل تعزيز علاقاتها بالعديد من الأجهزة والمحاور الخارجية التواقة إلى إحداث اختراق في الواقع الاجتماعي العربي وفي الذاكرة السياسية والوعي الجمعي للنخب العربية الفاعلة، وتوظيف الجماعة لتكون الأداة التي بها تستهدف الأنظمة المعادية لبعض الجهات الخارجية أو تلك الحليفة التي أصبحت عالة على تلك الجهات الخارجية، التي كانت تبحث عن بديل لحلفاء تم استئنزافهم في المنطقة، وكانت المؤشرات قد برزت من خلال (اخوان العراق، ومرشدهم محسن عبدالحميد الذي دخل بغداد على دبابة بريمر)..!
وفيما كان إخوان السودان يقدمون خدماتهم وأوراق اعتماد الإخوان لأكثر من جهة خارجية ومحور، عبر تحالف الثنائي (البشير -الترابي)، كان إخوان سوريا يتطلعون لمكرمة تساويهم بما حصل عليه إخوان العراق، في المقابل كان (الزنداني في اليمن، والغنوشي في تونس، وإخوان ليبيا، يتطلعون لأدوارهم المرتقبة، فيما الجميع كان متوجسا من تكرار تجربة (عباس مدني) بالجزائر..!
عام 2011 م قدمت أطراف وجهات محورية دولية هدية للجماعة عبر نافذة (الربيع العربي) فكان نظام البشير في السودان أيقونة للجماعة ونقطة تواصلهم مع أكثر من جهة، لتأتي سيطرة الجماعة على السلطة في مصر لتلقي بظلالها على بقية أقطار المنطقة، فبدت الأمور لحظتها وكأن الله سبحانه وتعالى استجاب لدعوات الجماعة التي فُتحت أمامها الطرق نحو قصور الحكم أو هكذا توهمت واعتقدت الجماعة التي لم تحسب حسابا سوى لكيفية وصولها لسدة الحكم وبعدها (ما بدا بدينا عليه)..!
استولى الإخوان على النظام في مصر وتونس، وبارك السودان هذه المنجزات وسعى البشير وإخوانه بكل حماس لإسقاط النظام في ليبيا وتمكين مصطفى عبدالجليل وجماعته من الحكم، فتعثرت المهمة فاستعانوا بالناتو وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا..!
الأمر أزداد تعقيدا في سوريا فحشدوا لها مرتزقة من 89 دولة ليناصروا جماعة الإخوان، وكانت تركيا وقطر مرجعيات سياسية ومالية للجماعة، غير أن سقوط الإخوان في مصر قلب المعادلة وأدرك الرعاة الدوليون للجماعة فشل الجماعة في إدارة الدول، فاستبدلوا على إثر هذا الإدراك الخطة (أ) بالخطة (ب) وهي تكريس استراتيجية (الفوضى الخلاقة)، فالأمر لدى هؤلاء الرعاة يهدف بالمحصلة النهائية إلى إفشاء سياسة الفوضى داخل المجتمعات العربية وتمزيق نسيجها الاجتماعي بهدف جعلها في دائرة الاحتوي والارتهان والتبعية..!