الإعلامي اليساري الكبير سعيد الجناحي المتميز بفكره وكتبه ومواقفه
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
يُعد المفكر والإعلامي والمناضل/ سعيد أحمد إسماعيل الجناحي، واحداً من أهم حملة الأقلام اليسارية الكبيرة في اليمن بشطريه الجنوبي والشمالي على حدٍ سواء، فتاريخ نضاله الفكري الممتد زمنياً لفترة سبعة عقود من الزمان، وممتطياً صهوة القلم والحرف والكلمة تشفع له بأن يُسمى “فارس الحرف اليساري الصلب” المتناغم مع مصالح وتطلعات الطبقات الفقيرة في اليمن، كالطبقة العاملة المتآخية مع شظف العيش للفلاحين الأقنان في اليمن السعيد..
لقد اختار المفكر/ سعيد الجناحي، الميدان الأكثر وعورة في طريق الخلاص من البؤس والحرمان في مضمار النضال الثوري للخلاص من النظام الملكي في الشطر الشمالي من الوطن، واختار كذلك طريق الكفاح المسلح (بالحرف والقلم) لمعاداة المحتل البريطاني وأعوانه من السلاطين والشيوخ والأمراء في جنوب الوطن، إنه طريق إيقاظ الوعي الجماهيري الذي تحوّل بشكل تدريجي إلى منهج ثوري هام في مسيرة الكفاح والنضال الوطني، وبذلك اختار اصعب الدروب الوعرة التي سار فيها قوافل المناضلون الأحرار في اليمن للتخلص في آنٍ واحد من مظلمتين، هي “النظام الملكي الإمامي لبيت آل حميد الدين” في شمال اليمن، ومظلمة “الاحتلال الاستعماري السلاطيني” في جنوب اليمن.
ولذلك اختار الانضمام طواعية إلى عضوية حركة القوميين العرب مع رفاق له وحتى من أقاربه من أسرته الأقرب، ومنهم عمه شقيق والده الرفيق/عبدالفتاح إسماعيل علي الجوفي الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي اليمني ورئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لفترة وجيزة، وعمته المناضلة الأستاذة المرحومة/ لطيفة إسماعيل علي الجوفي شقيقة والده، ومؤلفة كتاب بعنوان (فتاح وسنوات المعاناة.. الرعب والجرأة)، وهي زوجة المناضل الكبير/ فضل محسن عبدالله اليافعي الذي شغل منصب أول محافظ لمحافظة شبوه بعيد الاستقلال الوطني عام 1967م ووزير في عدد من الحكومات في زمن اليمن الجنوبي، ووزير التجارة والصناعة والتموين في أول حكومة بعد الوحدة اليمنية المباركة.
التقيت به مراراً أثناء تقلدي لمهامي الإدارية القيادية حينما شغلت منصب نائب وزير التربية والتعليم، ورئيس جامعة عدن، ومنصبي الحالي كرئيس وزراء لحكومة الإنقاذ الوطني وعاصمتها صنعاء، التقيت به مراراً لأني أحترم فيه نضاله وثقافته وتحليلاته السياسية العميقة، كيف لا؟ وهو المثقف الألمعي والمجتهد الإعلامي والمؤرخ الجاد الذي ألّف أزيد من ثلاثة عشر كتاباً مطبوعاً، وعددا آخر من مسودات الكتب التي لا زالت تنتظر من يساهم في طباعتها، وكذلك حينما ترأس صحيفة الأمل اليسارية في صنعاء في العام 1980م، وكنا مُنذ زمن السبعينيات ونحن في بدايات مراحل التلقي الثقافي والفكري والتنظيمي الأولى، كانت كتاباته الرصينة الجادة تطل علينا من على صفحات صحيفة 14 أكتوبر، والذي شغل منصب مدير تحريرها، ومدير تحرير مجلة الثقافة الجديدة، وكتاباته في صحيفة الثوري الناطقة بلسان التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية، ولاحقاً بلسان الحزب الاشتراكي اليمني، لقد ظل صهيل قلمه الحُر مدافعاً شجاعاً عن الوحدة اليمنية المباركة حتى في أكثر اللحظات انتكاسة وسوداوية في تاريخ الوطن العزيز، حينما تمرّد نفر من قيادات المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني على الشرعية الدستورية للجمهورية اليمنية وأعلنوا من مدينة عدن تمردهم الانفصالي المشؤوم، ولاحقاً تمّ وأد فكرة الانفصال إلى الأبد بإذن الله وبعزم الإنسان اليمني الوفي لقيم الوحدة اليمنية المباركة.
أتذكر أنه في آخر زيارة قام بها لمكتبنا في صنعاء وأهديته عددا من الكتب، وهي اجتهاد مِنّا في الكتابات السياسية في زمن العدوان السعودي – الإماراتي، كان مسروراً جداً بالإهداء، وقال إنها هدية ثمينة أستلمها منك يا دكتور، كيف لا؟ وهو الذي عاش حياته طولاً وعرضاً يبحر في فضاء الحروف والكلمات والأفكار النصيرة للفقراء والمعدمين، نعم إنه مثقف استثنائي في غزارة إنتاجه الفكري الثقافي والتاريخي إلى جانب نضاله الثوري كواحد من طلائع المناضلين السبتمبريين.
لقد مُنح العديد من الأوسمة والتكريمات في مسيرة حياته العامرة بالعطاء الثوري والفكري، أبرزها:
الميدالية الذهبية من منظمة الصحفيين العالمية في العام 1972م.
وسام 14 أكتوبر من الدرجة الأولى في مايو عام 1990م.
وسام الآداب والفنون من الدرجة الأولى في العام 1981م.
تلك الأوسمة والميداليات قد حظي بها الفقيد/ سعيد الجناحي من القيادات آنذاك عن جدارة واستحقاق لأدواره الإعلامية والكفاحية في سبعة عقود أمضاها في صراع عنيف مع الواقع، ومع أناس يكرهون النجاح بصوره المختلفة ويقفون عائقاً أمام المبدعين والمناضلين والمجتهدين في مختلف المجالات والأنشطة، لكن كان المناضل/ سعيد الجناحي قوي الشكيمة، عالي الهِمّة، امتلك مخزوناً هائلاً من الصبر والإرادة الفولاذية، ولهذا استحق بجدارة تلك المرتبة الرفيعة من الاحترام والتقدير من (الرفاق) والمناضلين المحيطين به ومن عاصروه في زمن النضال الثوري الصعب.
المناضل/ سعيد الجناحي شخص مميز بفكره وكتبه وسلوكه، بقي في وطنه اليمن العظيم وعاصمتها مدينة صنعاء، ولم يغادرها قط مُنذ الرشيقات والطلقات العدائية الأولى التي أطلقها الأعداء التاريخيون لليمن العظيم، و بمؤازرة من مرتزقتهم اليمنيين والخونة والسلبيين، صمد في صنعاء برغم احتياجه للعلاج خارج الوطن، صمد كغيره من المناضلين الأبطال من القادة التاريخيين للحركة الوطنية، أمثال المناضل الفقيد/ أبوبكر عبدالرزاق باذيب، والفقيد المناضل/ علي صالح عباد (مقبل)، والمناضل/ فضل محسن عبدالله اليافعي، والمناضل/ سيف صائل خالد قاسم، والمناضل فضيلة القاضي/ مصطفى عبدالخالق رئيس المحكمة العليا الأسبق في عدن قبل الوحدة اليمنية المباركة، والمناضل السفير/ عبدالعزيز بن علي القعيطي، والمناضل الفقيد/ ناصر صالح جعسوس وأخيه محسن، والمناضل الفقيد/ أحمد سالم القاضي، والفقيد المناضل/ أحمد صالح عبيد العولقي، والمناضل السفير/ محمد عبده الشطفه، والبروفيسور/ جعفر شوطح، والمناضل/ محمد عبدالله الخضر السياري، هؤلاء المناضلون الأبطال قدموا من جنوب الوطن وكان بإمكانهم الهروب إلى خارج الوطن ليتقوا شرّ أذى الصواريخ والقنابل المعادية، لكنهم صمدوا في صنعاء كما صمد الفقيد العزيز/ سعيد الجناحي رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان، إنّا لله وإنّا إليه راجعون..
تعازينا القلبية الحارة نكررها مرة أخرى لأسرة الفقيد/ سعيد الجناحي، وجميع محبيه وأنصاره وطلابه ومتشيعيه، وبرغم خسارة الوطن العظيم له ولأمثاله من المفكرين العظماء من اليمن العظيم، لكن نقول بأنه سيبقى سعيد الجناحي بفكره وكتاباته ومقالاته وكتبه وأبحاثه وروحه الطاهرة نبراساً مشعاً ستنير للأجيال المتلاحقة لمواصلة السير في طريق معركة الوعي إلى جانب قضايا شعبنا اليمني الواحد من المهرة شرقاً وساحل تهامة غرباً، ومن صعده شمالاً وحتى جزيرة سقطرى جنوباً.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
*رئيس مجلس وزراء حكومة الإنقاذ الوطني