الطفولة المنتهكة والتكافل الاجتماعي المفقود

عبدالفتاح البنوس

 

 

استوقفني أحد البرامج التلفزيونية لقناة الهوية الفضائية والذي تناول فيه مجموعة من النماذج الخاصة بمعاناة عدد من الأطفال من الجنسين، ممن يكابدون مرارة العيش ويتحملون أعباء الحياة ومتاعبها وهم في سن الطفولة، سن البراءة، حيث وجدوا أنفسهم أمام مسؤوليات أسرية لتوفير متطلبات أسرهم الأساسية وفي مقدمتها الغذاء والماء، البرنامج التلفزيوني الهادف جدا سلط الضوء على مناطق نائية في أطراف محافظة المحويت، ونقل الواقع المؤلم والمرير لأسر طحنها الفقر طحنا، طفلة دون العاشرة من عمرها تقوم بقطع مسافات طويلة منذ ساعات الصباح الباكر لجمع الحطب من أجل تأمين حاجة والدها المعاق ووالدتها وشقيقها من القمح، تصعد إلى أعالي الجبال غير آبهة بالمخاطر التي قد تتهددها في مهمتها الشاقة والخطرة، وكل همها هو الحصول على الحطب من أجل بيعه لشراء القمح لتأمين القوت الضروري لأسرتها، طفلة في عمر الزهور تركت المدرسة في الصف الثاني لا تمتلك القدرة على تحديد عمرها، لأنها لا ترى في ذلك أي أهمية، وكأن مهمتها ودورها في الحياة مقتصر على جلب الحطب وبيعه فقط .
وأخرى طفلة معاقة تقطع مسافة طويلة في طريقها للمدرسة متحدية للإعاقة في ظل ظروف معيشية واجتماعية تدمي القلوب، وطفل آخر يأتي إلى المدرسة التي هي عبارة عن منطقة صخرية مكشوفة وهو شارد الذهن مشغول التفكير في المهمة الشاقة التي تنتظره بعد خروجه من المدرسة، وهي مهمة جلب مياه الشرب من منطقة بعيدة على ظهر جسده النحيل، وكم هي مؤلمة جدا تلكم اللحظات التي اغرورقت فيها عيناه بالدموع وهو يجيب على تساؤلات المذيع الذي لم يتمالك هو الآخر نفسه فسالت دموعه حسرة على واقع الطفولة المر في اليمن، والذي ازداد مرارة وبؤسا وشقاء عقب العدوان والحصار على بلادنا وأبناء شعبنا من قبل تحالف البغي والإجرام الأمريكي السعودي الإماراتي الذي أوشك على دخول عامه التاسع .
واقع الطفولة في اليمن يحتاج إلى جهود رسمية وشعبية مكثفة من أجل تغييره ولو نسبيا وخصوصا في المناطق النائية التي لا أثر للطفولة فيها، المؤسسات الحكومية الرسمية وفي مقدمتها الهيئة العامة للزكاة وهيئة الأوقاف ووزارة الاتصالات و مصلحتا الضرائب والجمارك و معهم القطاع الخاص من رجال مال وأعمال وشركات ومؤسسات خاصة، معنية بالتحرك الجماعي الجاد والمسؤول لاستهداف المناطق النائية والوقوف على معاناة الأطفال والأهالي والإسهام في التخفيف منها في حدود المتاح من الإمكانيات، هناك من يتسابقون على بناء المساجد والتباهي بذلك والمداومة السنوية على الحج والعمرة، ولهؤلاء أذكرهم بالخطبة الأقصر حجما في التاريخ الإسلامي والأكثر أثرا في مضمونها للشيخ الجليل الراحل عبدالقادر الجيلاني والتي قال فيها ( لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع… وخير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع، وخير ممن قام لله راكع، وخير ممن جاهد للكفر بسيف مهند قاطع، وخير ممن صام الدهر والحر واقع، وإذا نزل الدقيق في بطن جائع له نور كنور الشمس ساطع، فيا بشرى لمن أطعم جائع ).
فالله الله في التكافل والتراحم وخصوصا ونحن مقبلون على شهر الرحمة والغفران والإحسان، الله الله في تلمس أوضاع بعضنا بعضا، من فتح الله عليه وأنعم عليه بالمال عليه أن يعي ويدرك أنه سيسأل عن هذا المال الذي استودعه الله عليه، الناس يعانون كثيرا ويجب أن نجسد قيم التكافل والتراحم فيما بيننا في إطار المدن والقرى والعزل والأحياء والشوارع وعلى مستوى الأسر ، لا يجوز أن نتفرج على معاناة من حولنا فليس ذلك من الإسلام، هذا إذا ما أردنا أن تتنزل علينا رحمات السماء، الهيئة العامة للزكاة تقوم بجهود مشكورة في هذا الجانب ولكن اليد الواحدة لا تصفق، ويجب أن تتضافر وتتكاتف الجهود من الجميع على مستوى الوطن عامة وعلى مستوى المحافظات والمديريات خاصة، وهي دعوة أوجهها للإخوة في هيئة الزكاة بمحافظة المحويت والميسورين من أبناء المحافظة وكل الخيرين لزيارة المناطق النائية في تخوم المحافظة للاطلاع على معاناة الأهالي هناك، وتقديم ما يمكن تقديمه من مساعدات ومعالجات تسهم في التخفيف من هذه المعاناة وخصوصا تلك التي يتجرع غصصها ويكابدها الأطفال.
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم وعاشق النبي يصلي عليه وآله.

قد يعجبك ايضا