
تجتاح الأسواق المحلية معاهد ومراكز تعمل باسم التدريب والتأهيل ورفع القدرات بمدربين يتكاثرون بصورة غير طبيعية محملين بقائمة طويلة من الخبرات الوهمية والشهادات المزورة.
ويأتي انتشار تجارة تسويق الوهم في ظل غياب تام للرقابة
الرسمية التي تنظم مثل هذه الأعمال المرتبطة بالتنمية
البشرية التي من المفترض أن تحتكم لمعايير وأسس
مهنية تحدد عملها وتشترط جودة أدائها
وربطها باحتياجات ومتطلبات
سوق العمل.
تتحمل الجهات الرسمية المختصة مثل وزارة التعليم الفني مسؤولية ما يجري من فوضى وعبث جراء التدفق الكمي لمعاهد التدريب والتأهيل والتنمية البشرية بشكل كثيف وخصوصاٍ العامين الماضين وهو الأمر الذي أحدث فجوة واسعة بين هذه المؤسسات والمكاتب التعليمية والأهداف التي من المفترض أن تحققها في الارتقاء بالكوادر البشرية في مختلف المجالات وتنمية القدرات والمهارات.
ويرى العديد من المتخصصين في هذا المجال أن هذه العملية تحولت إلى مصدر للاسترزاق على حساب المواطن في ظل غياب الجهات الرقابية المنظمة لهذه المؤسسات والمراكز والمعاهد التدريبية والتأهيلية الأمر الذي يدعو للالتفات لهذا المجال الحيوي الهام وضبط انتشار هذه المعاهد المتخصصة بالتدريب والتنمية البشرية سواء الحكومية أو الخاصة.
وبحسب أحد الأشخاص المتدربين والذي كما يقول انفق مبالغ طائلة وهو يتنقل من دورة لدورة ومن معهد إلى معهد باحثاٍ عن تعليم تأهيلي وتدريبي ينمي تحصيله العلمي الأساسي والجامعي ويطور مداركه ومهاراته في العلوم الحديثة والإنسانية والحياتية والتعليم التطبيقي لكنه لم يجد أي تحصيل تدريبي حيث لا تستطيع أغلب الجهات التي ارتادها تقديم ما يريده المتدربون وطالبو العلم والتأهيل وأغلبها تسترزق على حساب التعليم.
ارتباط
تعاني المؤسسات العاملة في مجال التدريب والتأهيل والتنمية البشرية الكثير من الاختلالات أهمها غياب جودة الأداء والمناهج والأساليب والوسائل التدريبية المناسبة والمتطورة وكذا عدم ارتباط أهدافها بخدمة المجتمع.
وطبقاٍ لخبراء فإن هناك ضرورة لإعادة ترتيب منظومة التدريب في اليمن من خلال العمل على دراسة واقع سوق العمل واحتياجاته ومتطلباته من التخصصات والبرامج الوظيفية والتدريبية .
وتفتقد اليمن للكوادر البشرية القادرة على استيعاب متطلبات العمل ولهذا تقتضي الضرورة ربط المادة التدريبية بسوق العمل وكذا حصول المتدرب على ما لا يقل عن 90% من مهارات واحتياجات الأداء .
ويرى أستاذ الإدارة بجامعة صنعاء الدكتور محمد المقبلي أن غالبية المراكز والمعاهد وحتى الجامعات تجدها عبارة عن محلات دكانية ومفرغة من المحتوى التعليمي لأن هدفها الأساسي هدف ربحي .
ويؤكد في هذا الجانب: لابد من إيجاد ضوابط تحكم مثل هذه المراكز والمؤسسات لأن مشاكلها كما يقول أكثر من منافعها .
ويشير الدكتور المقبلي إلى أن المخرجات كثيفة وبأعداد هائلة لكنها غير مؤهلة ولا تتناسب مع متطلبات سوق العمل والاحتياجات الإنتاجية للاقتصاد الوطني .
منظومة مختلة
يؤكد الخبير في مكتب العمل بالأمانة خالد الشميري أن هناك مشكلة تتمثل بمدربين يقبلون على أنفسهم تدريب مستهدفين دون معايير وأسس القبول للتدريب تخصصات بعيدة عن أهداف البرنامج دون مراعاة معايير الفروق المعرفية لدى المشاركين .
ويضيف: المهم دفع رسوم شهادة دولية – قد تكون مختومة سلفاٍ من جهات غير معتمدة أساساٍ أو من وكلاء تدريب .
ويرى أن الموضوع أصبح تجارة لأن بالنسبة للكثير المهم تخريج مدربين بالجملة بعيدين عن كل خصوصيات العمل التدريبي.
وهناك في هذا السياق بعد آخر لمشكلة التوظيف فالعديد من المنضمين الجدد إلى سوق العمل لا يملكون ما تحتاجه السوق من مهارات – ففي حين أصبحت القوى العاملة ككل أكثر تعليماٍ ومهارة مع مرور السنين فإن سوق العمل لم تتمكن من بناء القدرة الكافية لاستيعاب هؤلاء القادمين الأكثر كفاءة.
برامج
بحسب نتائج تقييمية لدراسة بجثية لخبراء وباحثين متخصصين فإن التدريب في اليمن يتطور بشكل كبير عكس مؤشرات وتقارير منظمات دولية والدليل على ذلك ارتفاع نسبة المدربين 500% في السنتين الأخيرتين .
وأبرزت النتائج زيادة نسبة البرامج التدريبية وزيادة قناعة الشركات الوسطى بالتدريب حيث كان التدريب سابقاٍ محصوراٍ على الشركات الكبرى أما في الوقت الحالي دخلت الشركات الوسطى في مجال التدريب حتى وصل الأمر إلى أن العرض أكبر من الطلب.
وبحسب مختصين في التنمية البشرية فإن هذا الأمر ينبغي أن ينعكس إيجاباٍ في تطوير الأساليب الحديثة بالتدريب حيث إن فكرة التدريب أن يتم تطبيقه في سوق العمل بالميدان حيث يرافق المدرب المتدرب ويكسبه مهارات أثناء ممارسة عمله وهذا يعمل على تحقيق أهداف الشركات حيث يصبح التدريب للتطبيق والتنفيذ وزيادة نمو قطاع الأعمال.
قصور
يرى خبراء أن هناك قصوراٍ واضحاٍ في فهم أساليب وطرق التدريب في اليمن وعجز الكثير من المؤسسات العاملة في هذا المجال عن تقديم أي إضافة نوعية تنعكس بشكل إيجابي على تطور الأداء في أغلب قطاعات الأعمال.
ويشير أستاذ إدارة الأعمال بجامعة صنعاء الدكتور شرف النمري أن التدريب الحاصل في اليمن فيه العديد من الإشكاليات والجميع يتعامل معه باعتباره مسألة غير ضرورية.
ويوضح أن التدريب لدينا إما تدريب شكلي وهو ما يتم في القطاع العام بغرض استهلاك بند في الميزانية مخصص للتدريب أو يتم عملية تبادل مع بنود أخرى تحتوي على مكافآت وحوافز.
ويقول: مع الأسف عملية التدريب والتأهيل تتم بشكل عشوائي وليست بغرض الاحتياج له في تطوير قدرات الكوادر البشرية.
ويؤكد الخبراء على أن تنمية الإنسان لدينا غائبة وهذه مشكلة كبيرة لأن الموازنة المرصودة لعملية التدريب تظل لنهاية العام ويتم التلاعب بها وتصفيتها بإجراءات تدريبية عشوائية لأجل إخلاء عهدة مالية مرصودة في المالية.
وتتضمن أهداف التدريب توصيل المعلومات وتغيير القناعات وتنمية المهارات وهو ما يتوافق مع مهام عديدة وليست فقط محترفي التدريب.
