إسرائيل تلك الدولة التي لا تقهر، شعار رفعته أنظمة ونخب مصطنعة، تهدف لكسر إرادة المقاومة، وترسيخ الشعور بالهزيمة، وتبرير الاستسلام لذلك الكيان، والركون لإرادته والتطبيع معه، لكنه كان ومازال شعاراً مضللا، فمع أنه لا أحد ينكر قوة ذلك الكيان، لكنه -إن أردنا الدقة في التوصيف- ليس كياناً قوياً، كما أنه ليس كياناً ضعيفاً، إنما يمتلك نقاط قوة مؤثرة دون شك، لكنها تُخفي خلفها -وبإتقان شديد- كثيراً من نقاط الضعف، أو بلغة أخرى تُغلِّف بنقاط قوتها نقاط ضعفها فلا تظهر لكثير من الناس، لكن معركة سيف القدس نجحت في تعرية نقاط الضعف تلك لتبدو جلية واضحة، كما لم تبدُ من قبل.
فالتفوق في ميدان الطيران الحربي نقطة قوة كبيرة لقوات الاحتلال -دون شك- لكنها أخفت طويلاً مستوى الانحدار الكبير في امتلاك روح التضحية لدى جنودها، واستعدادهم لخوض مواجهة برية مع رجال المقاومة وأبطالها، لدرجة أن خطةً بُذل فيها كثير من المال والجهد والإمكانات تفشل فشلاً ذريعاً خوفاً من المخاطرة بأرواح الجنود في مناورة برية تهدف لإقناع المقاومة بأن اجتياحاً واسعاً لقطاع غزة في الطريق.
التفوق الاستخباراتي الصهيوني كبير دون شك، لكنه توصيف عام يخفي وراءه فشلاً كبيراً في العديد من جوانب ذلك المجال، فرغم الإمكانات التقنية العالية وطائرات الاستطلاع التي لا تكاد تفارق قطاع غزة، إلا أن النقص في الموارد البشرية الاستخباراتية كان كبيراً فيما يبدو، فرغم تلك القوة الكبيرة استخباراتيا إلا أن الاحتلال فشل في توقع تصرف المقاومة مع بداية المعركة، كما فشل في منع إطلاق الصواريخ، أو الحد من كثافتها، والوصول إلى مطلقيها.
أما التفوق الذي يظهره الكيان الصهيوني في نقاط القوة الاستراتيجية والعلاقات الدولية والحصانة البالغة من الخطر عبر امتلاك السلاح النووي؛ يخفي من خلفه ضعفاً خطيراً يتمثل في هشاشة البنية الجغرافية، حيث كانت المقاومة بإمكاناتها المحدودة قادرة على الوصول لغالبية فلسطين المحتلة، ووقف كثير من مرافق الكيان الحيوية كالمطارات والموانئ، حيث أخرج الاحتلال مجبراً مطار بن غوريون عن الخدمة ليبدو في حالة ضعف كبيرة، وأصبحت طموحات الاحتلال في أن يكون محطة رئيسية لتوزيع الغاز المُنتج في المنطقة العربية، وتصديره للغرب، في مهب الريح، حيث ستكون المقاومة في أي مواجهة قادمة قادرة على استهداف ذلك المشروع، والتأثير فيه.
كما أن تفوق الكيان الصهيوني في ميدان الإعلام والتأثير أخفى خلفه ضعفا واضحا في ترويج الرواية الصهيونية وإقناع الآخرين بها، ليكتشف الناس أنه رغم احتلاله الطويل وهيمنته شبه المطلقة في فلسطين المحتلة لم ينجح في تغيير قناعات فلسطينيي الداخل، أو تغيير هويتهم أو المس بها، ليتبدى واضحاً مظهرا جديدا من مظاهر ضعفه الحاد.
كما أن معركة سيف القدس وعبر نتائجها غير المباشرة نجحت في ترسيخ الانقسام الداخلي الصهيوني، والذي ما زال يتعزز رويداً رويداً، ليهدد مستقبل هذا الكيان، وهو ما تم التحذير منه وبوضوح من قبل العديد من قادة الاحتلال ومفكريه، الذين يرون أن كيانهم يُعاني من غياب القيادة الفاعلة، وهو ما يدفعنا للتنبيه إلى نقطة ضعف خطيرة يعاني منها الاحتلال، وكانت أحد أسباب معكرة سيف القدس، وإن لم ينتبه لها كثيرون، وهي فقدانه للمبادرة السياسية، فقد عجز هذا الكيان عن طرح أي مبادرات سياسية قادرة على حل الأزمة مع قطاع غزة، وظل على الدوام في مرحلة عدم الحسم معها لا عسكرياً ولا سياسياً، ما مكّن المقاومة من مضاعفة قوتها، في الوقت ذاته الذي تجد نفسها مجبرة على مهاجمة الكيان مرة بعد مرة، سعياً لحماية الشعب الفلسطيني وحماية مصالحه، وكسر الحصار الخانق عن غزة، والدفاع عن القدس، وكل ذلك كان بالإمكان تغييره أو التخفيف منه -من وجهة نظر المراقبين- لو امتلك العدو قيادة قادرة على طرح مبادرة سياسية مقبولة.
كانت تلك بعض نقاط ضعف الكيان، وما هي إلا أمثلة محدودة لكثير من نقاط الضعف الصهيونية المختفية خلف ستار وهمي من قوة مزعومة نجحت في كشطه المقاومة في سيف القدس ليتبدى ما خلفه من ضعف كبير.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني