ليس هناك أدنى شك لديًّ أو لدى أي عاقل من أبناء أمتنا العربية، أن شعوب أمتنا العربية أصبحت تجني النتائج السلبية، بل والكارثية لحالة التيه والضياع والخذلان واللا مبالاة إزاء قضاياها المصيرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والتي ظلَّت سائدة على مدى عقود مضت حتى اليوم نتيجة ما تعرضت وتتعرّض له الأمة من غزو فكري وحرب ناعمة أفقدتها توازنها وسلبتها القدرة على اتخاذ القرار والموقف الجماعي الصائب في أوقات الأزمات والمشاكل والحروب التي تتعرَّض لها بلداننا وشعوبنا العربية باستمرار جرَّاء المؤامرات والدسائس، التي ما برح يحيكها على الدوام الأمريكان والغرب والصهاينة ضدها.
على العموم، الحديث عن المآسي والكوارث التي تعيشها امتنا العربية في عصرنا الراهن مثلما هو الحديث عن المؤامرات والدسائس والمخططات الاستعمارية التي تحاك ضدها من قبل أعدائها الحقيقيين المتمثلين بالأمريكان والغرب واليهود الصهاينة، يحتاج إلى كتب ومجلدات..
لكن الذي جذبني للكتابة حول هذا الموضوع –أقصد الوضع المؤسف والمقلق لأمتنا في آن معاً- هو أنني وجدت مثالاً بسيطاً لحالة التيه واللا مبالاة من قبل شعوب أمتنا العربية إزاء قضاياها المصيرية وإزاء ما يعانيه أبناء جلدتها من مآسٍ وكوارث إنسانية في أكثر من قطر عربي نتيجة المؤامرات والدسائس، وخصوصاً فيما يتعلق بالعدوان على اليمن، والتي -باستثناء شعوب محور المقاومة- لم تبد معظم الشعوب العربية أي موقف رافض لما تعرَّض ويتعرَّض له اليمن أرضاً وإنساناً وحضارةً ومقدرات من حرب إبادة واحتلال وقتل وتدمير ممنهج وحصار جائر منذ ما يزيد على سبعة أعوام، وكأن الأمر لا يعنيها دينياً وأخلاقياً وإنسانياً لا من قريب ولا من بعيد.. ولكون المثال يعبِّر –حسب اعتقادي الشخصي- عن وضع وحال ما وصلت إليه شعوب أمتنا العربية، سأضعكم أعزائي القرَّاء أمامه هنا لتعرفوا هذه الحقيقة المرَّة، والذي أثناء متابعتي المستمرة لمنشورات الأصدقاء ومشاركاتهم في موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”، لفتت انتباهي – ذات يوم- مشاركة فيسبوكية لأحد المفسبكين العرب، وصلتني من خلال إعجابات ومشاركات الأصدقاء لها، والتي –ربما- تناقلها وتابعها الآلاف بل عشرات الآلاف من المفسبكين من أبناء أمتنا العربية، وبرغم أن مضمون هذه المشاركة الفيسبوكية لا يتعدَّى أكثر من مجرّد جملة واحدة –فقط- وضعها صاحب المشاركة حرفياً “انظروا إلى واقع شعوبنا العربية هذه الأيام”، لكن مضمون ومغزى الصورة الكاريكاتورية المرفقة بها يحملان الكثير والكثير من المعاني، بل جاءت الصورة أساساً معبّرة تعبيراً قوياً وصريحاً عن واقع الحال الذي وصلت إليه شعوب أمتنا العربية هذه الأيام، إذ أنها –أي الصورة الكاريكاتورية ذائعة الصيت- أظهرت خمسة من المواطنين العرب وهم يقفون متراصين كأسنان المشط في سهل ساحلي بمحاذاة البحر وكل منهم ماسك تلفونه بيده اليمنى باتجاه البحر كالقابض على جائزة قيِّمة أو كنز ثمين، وأنظاره لا تبارح شاشة التلفون اللمس خاصته، كونه بل كون خمستهم الظاهرين في الصورة في مهمة تصوير جماعي لحالة غرق أحد المرتادين للبحر من أبناء جلدتهم، والذي برغم أنه كان لحظتها يعاني سكرات الموت وهو يواجه مصيره المحتوم غرقاً في البحر، إلَّا أن أمله في النجاة ظل معلَّقاً بعد الله تعالى في أن يبادر أحد أولئك الخمسة الواقفين أمامه على اليابسة بمحاذاة الساحل البحري لإنقاذ حياته المهدَّدة بالموت غرقاً منذ اللحظة الأولى لسقوطه في شراك البحر وأهواله التي لا ترحم، ولكن دون جدوى، كونهم –أي المصورين- منهمكين عقلياً وحسياً في عملية تصوير وتوثيق مشاهد الحادثة المؤسفة والمؤلمة من بدايتها إلى نهايتها، دون أن يرق لهم جفن أو يتحرَّك لديهم ضمير لإنقاذ الغريق.