تعتبر اللغة العربية من أهم اللغات المتداولة على كوكب الأرض إلا أنها أصبحت مهددة في المنبع من خلال غياب السياسات اللغوية الصحيحة في مستوى التعليم والمنهج وطرق تدريسه وعدم مواكبة التطور بمنهجية وتجربة واضحة للمناهج التعليمية ومن يقوم بتعليمها ما أدى إلى تحول مادة اللغة العربية إلى مادة مخيفة للطلاب في جميع المراحل الدراسية .. في هذا التحقيق نناقش مسألة عزوف الطلبة عن مادة اللغة العربية.. والحلول الممكنة.
يقول الطالب نشوان الربيدي في المرحلة الثانوية إن اللغة العربية أصبحت مملة في دراستها بسبب المنهج الذي أصبحنا غير قادرين على هضمه وفهمه وكل ما يهمنا هو درجة النجاح حتى نرتقي إلى الصفوف التالية وقال كيف نلام على هذه الدرجات الضعيفة ومن يقومون بتدريسنا يشكون من صعوبة هذه المادة وأنها أصبحت مادة تعجيزية للطالب والمدرس معاٍ.
المدرس يشرح لنا القواعد النحوية ويعطي أمثلة عليها ونفاجأ في الواجبات المنزلية أن التدريبات اللغوية الموجودة في المنهج أصعب مما تم شرحه هذا ما قاله الطالب يزن في الصف السادس من المرحلة الأساسية حيث عبر عن غضبه بصورة مضحكة فقال: إذا كان المدرس الذي يقوم بشرح المادة لا يستطيع أن يجيب لنا على جميع الأسئلة فكيف بنا نحن الطلاب.
ولا يقتصر الأمر على الطلبة في هذه المراحل بل تطال هذه الصعوبة طلاب الجامعات حيث يؤكدون عدم ارتياحهم لمادة اللغة العربية بسبب عدم إلمامهم بها منذْ المراحل الدراسية الأولى في المدرسة وخاصة في النحو العربي لذا بدوا متساهلين بشدة فهمهم للغة العربية.. في مرحلتهم الدراسية الجامعية.
تقول فردوس علي -معلمة لغة عربية- إن المناهج التي تم تطويرها مؤخراٍ تصعب علينا نحن فما بالك بالطلاب خاصة وإننا لم نحظ بتدريب وتأهيل يواكب التطور في المناهج بل أننا نقوم بتدريسها على نسق الأسلوب الأول فبعض الطلاب وإن لم يكن أغلبيتهم أصبحوا يملون من هذه المادة للقصور في توصيل المعلومة إليهم وفهمها الفهم الصحيح سواء من قبل الطالب أو المدرس وفردوس كمعلمة عربي تشكو من تعقيدات المنهج الذي لا يحمل في طياته -حد قولها- أي معنى للوصول إلى الارتقاء وهذا ليس في اللغة العربية فحسب بل في كل المواد الدراسية التي أعدت بشكل مفاجئ لم يسبق التحضير الجيد لمواكبة العصر الحديث.
ضعف الكادر
ويرى مفتاح الزوبة -مدرس اللغة العربية بجامعة صنعاء- أن أغلب الطلاب في جميع المراحل الدراسية يجدون صعوبة في مادة النحو العربي والأسباب من وجهة نظره عديدة منها المنهج الدراسي الذي يعتمد على التلقين وليس التطبيق وغياب مهارات الطلاب اللغوية وضعف مستوى كثير من الكادر التربوي وعدم إلمامهم بطرائق تدريس اللغة العربية ذات الخصوصية فنجد الأستاذ يعتمد كليا على طريقة قاعدة نحوية يليها أمثلة وبعض الجمل القياسية ثم يفاجأ الطلاب بالتمارين والتدريبات المنزلية أنها أصعب مما يتصورون وكذا الحال مع الامتحانات التي دائما ما يصفها الطلاب في جميع المراحل بالمعقدة.
ومن هذه الزاوية يحث الزوبة على ضرورة أن تعاد طريقة تقديم النحو للنشء بشكل أسهل فالوسائل الحالية لا ترقى إلى مستوى القرن الواحد والعشرين وقال: لا يعجبني شعور بعض المعلمين في المراحل الدراسية بالاكتفاء بما عندهم فهذا لا يعد معلما سواء كان في مادة العربي أو غيرها من المواد الأخرى بل يجب عليه أن يلجأ إلى تطوير وتأهيل مستمر لا يتوقف لأن المعلم واللغة العربية منظومة متكاملة تحتاج إلى تطوير.
وحسب مفتاح الزوبة فإن ما يتعلق بتعليم اللغة العربية في ذاتها ومنظومة المنهج نفسه والمعلم والأدوات التي تدعم اللغة العربية فإن كل ذلك يمر بعقبة عدم الكفاءة فلابد من تسهيل اللغة العربية فكل الطلبة يشتكون من صعوبة النحو واللغة العربية
النحو وتعقيداته
الدكتور عبدالباسط عبد الرقيب عقيل رئيس دائرة تطوير مناهج العلوم الإنسانية واللغات في مركز البحوث والتطوير التربوي يقول: إن منهج اللغة العربية وخاصة النحو له أهميته في بناء قواعد اللغة كونه منشأ الصعوبة في اللغة العربية والأصل أن تدرس اللغة في إطارها الثقافي ونحن لدينا النصوص حيث يعتبر القرآن الكريم من أفضل ما ينبغي أن نعتمد عليه في فهم المعنى وإكساب القواعد اللغوية كونه نصاٍ مقدساٍ وفهمه في إطار تراكيبه وهو أكثر النصوص وضوحا ويفند أسباب شكوى الطلبة من النحو والتي يراها في عدم معرفة وظيفة اللغة في إيصال المعنى بسهوله وهنا لدينا إشكالية من جهة الطلاب حيث أصبح الطلاب يدرسون القاعدة بعيداٍ عن التطبيق.
وإعادة الأمر إلى الموروث السابق الذي قال إنه أضيفت له بعض قضايا المستجدات والتي تتعلق بكيفية بناء المنهج وكيفية تطويره وهذه الإشكالية التي نلامسها خاصة وأنه بعد الوحدة اليمنية مباشرة تم تطوير كتاب اللغة العربية وفق مهارات معينة حيث كان الـ(edc) هو من يتكفل كجهة خارجية تابعة لوكالة التنمية الأمريكية بتأليف مناهج الصفوف الأولى حتى الصف التاسع.
التطور الحزين
ويرجع عقيل ذلك القصور إلى فترات سابقة وهنا يقول: للأسف تم تطوير تلك الكتب وظلت دون تقويم أو تجريب منذ عام 1991م إلى الآن ولم يتم تطويرها على أساس نتائج التجريب لأن الأصل في المنهج أن يجرب في الميدان ثم بعد ذلك تستطلع آراء عينة من المعلمين وكذلك التلاميذ في معرفة مكامن الصعوبة لأن النحو بنيته منطقية غير أننا نسينا أن المنهج لابد أن يكون مرجعاٍ للطالب ولأسرته وهذه من بعض الأخطاء التي وقعنا فيها. وقال: كان بالإمكان تلافي تلك الأخطاء ولكن للأسف عندما يوكل الأمر إلى غير أهله في قضية البناء والتراكم المعرفي لتحديد ما هو الخطأ وما هو الصواب لتعزيزه وتلافي الأخطاء هنا تكمن المشكلة حيث أصبح (clb) يقوم بتطوير أي منهج وبمعزل عن الجوانب المؤسسية والكوادر التخصصية ولكن القضايا الحزبية أحيانا تتدخل فيما تراه مناسباٍ وهذا ما يوقعنا في كثير من الأخطاء التي يترتب عليها التطوير المنتظم القائم على أساس التدفق في التجارب المتوالية لأي منهج.
مقاصد وأهداف
وحذر رئيس دائرة تطوير مناهج العلوم الإنسانية من خطورة التعاطي مع اللغة العربية لأنها وعاء تحمل القيم فيما تريد أن تغرسه في أذهان التلاميذ فالكل يتهافت على هذه المادة كلا بحسب مغازيه وأغراضه ومقاصده وأهدافه. وقال: ما تمر به اللغة في بلادنا الآن وفي قضايا تطوير المناهج بشكل أشبه بالعشوائية لأن القضايا التراكمية والتنظيم من أهم أدوات رقي الشعوب.
وأكد حاجة المعلمين إلى تطوير وتدريب مستمر لمواكبة التطوير الحاصل في المناهج لأن أي تطوير يستهدف عنصراٍ من عناصر النظام التعليمي ولا يطال هذا التطوير بقية العناصر الأخرى فإن هذا التطوير الجزئي يعتبر تخريباٍ غير منظور للتنمية والسياسة القومية.
ونسبة إلى خطورة ما يجري في حقل التعليم يعمل كل قطاع فيها تعليما مستقلا وهذه من أخطر السلبيات التي تؤثر على النظم التعليمية.
عدم اكتراث
فيما يتحدث مفيد الحالمي -عضو المجلس الدولي للغة العربية- عن أسباب كثيرة تكمن وراء خوف الطلاب من مادة اللغة العربية منها ما يتعلق بالطلاب أنفسهم ومنها ما يتعلق بالمعلم حيث إن الطلاب والأجيال الجديدة لا تعطي اللغة العربية حقها من التقدير والاحترام والاكتراث .. بل قد يصل الأمر إلى حد الاحتقار منها والانتقاص من مكانتها العظيمة.
ويْحمل معلمي اللغة العربية تبعات هذه القضية لأنهم -حسب قوله- هم أهم من يقع على عاتقهم مسئولية تمجيد هذه اللغه وإبراز مكانتها وأهميتها .. وغرس حبها في نفوس النشء والطلاب .. وهذا الحب هو المقياس الحقيقي في تقييم كفاءة معلمي اللغه العربيه من عدمها . فإذا كان الطلاب يحترمون لغتهم الأم ويعشقونها فهذا هو الدليل القطعي على جدارتهم وتميزهم .. أما اذا كان الواقع خلاف ذلك فما هذا إلا نتيجة بديهية لتدني مستوى المعلمين الذين يصبحون في هذه الحاله أحد الأسباب الرئيسية التي تصيب اللغه العربية في مقتل وبحدة فيها تقريع للذات يقول: ولكم يفزعني عندما أصارح نفسي بتلك الحقيقه التي تقول إن ثمة معلمين مافتئوا يعانون من أخطاء لغوية فادحة.
وقال: يزداد ألمنا أكثر عندما نرى أن اللغة العربية أصبحت من أبغض المواد الدراسية لدى الطالب وهذا أمر له وقعَ قاس على المشتغلين باللغة الذين تربطهم بهذه اللغة علاقة حب وثيقة.. لكن في حال التسليم بهذا الزعم فإن المسئولية تقع على المؤسسات التعليمية التي يجب أن تضطلع بدورها الحيوي والهام في سبيل صون هذه اللغة التي تعد أكثر لغات العالم ثراء. ويستدرك بالقول: أود الإشارة إلى أن الطلبة لا يكرهون كل أَقسام اللغة بل يقتصر البغض على علم النحو نظراٍ لما يتخلله من صعوبة نسبية.
فؤاد سالم باربود -نائب مدير عام التوجيه التربوي بوزارة التربية والتعليم- يعتبر اللغة العربية من المواد الأساسية التي ينبغي أن نحافظ عليها ونهتم بها لكن الإشكالية من وجهة نظره تكمن في المدارس لأنه تم إهمال المعلم وتدريبه على المخرجات والكفايات الأساسية التي ينبغي أن يمتلكها في الميدان حيث إن مخرجات مدرسي اللغة العربية من جامعة صنعاء وغيرها من الجامعات مخرجات ضعيفة وهزيلة لا يمتلك المتخرج الحد الأدنى من المقومات الأساسية لهذه المادة وبالتالي لا يتمكن من إيصال المعلومة الصحيحة إلى الطلاب وتشويقهم لهذه المادة.
ويتحدث باربود عن خلل بين المخرجات والمدخلات حيث نجد أن مخرجات التعليم ضعيفة بالإضافة إلى: أن وزارة التربية والتعليم لم تقم بدورها الأساسي في الفترة الماضية من تدريب وتأهيل لهذه المخرجات ونحن حاليا نتحمل في الوزارة عبء العمادة تأهيل هذا الكادر التربوي وبدأنا الكثير من البرامج مثل نهج القراءة المبكر وجرب في محافظتين على مستوى الجمهورية وبأكثر من مديرية في محافظات الجمهورية وأصبحت هناك نقلة نوعية في مستوى الطالب بالإضافة إلى بعض التدريبات الكافية للموجهين ليتم عن طريقهم تدريب المعلمين لمعالجة الضعف الموجود.
إعادة التأهيل
وأبدى نائب مدير عام التوجيه قلقا مضاعفا خاصة مع غياب نسب وإحصائيات واضحة وقال: مع ذلك النسبة مفجعة حيث نجد أن بعض المحافظات يصل فيها نسبة تحصيل مادة اللغة العربية أفضل من البعض الآخر بسبب وصول الإشراف التربوي والتوجيه التربوي إلى هذه المناطق دون الأخرى لكن الغالبية المستوى فيها أدنى وهذه المشكلة التي نلامسها لا زالت قائمة في كثير من المديريات على مستوى الجمهورية.
ويرى أن الحل يكمن في إعادة الصياغة والتدريب والتأهيل ابتداء من الالتحاق بالجامعة حيث تكون المقومات الأساسية للمادة المطلوبة موجودة في كلية التربية وكذلك يجب على وزارة التربية والتعليم ممثلة بقطاعاتها المختلفة أن تؤهل وتعيد تدريب وتأهيل هؤلاء المعلمين الذين يعتريهم كثير من الضعف في مادة اللغة العربية.