الأستاذ / عُباد بن علي الهيّال رئيس الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف:
انتشار المواقع الأثرية والمعالم التاريخية يجسِّد الأهمية التاريخية والحضارية لبلادنا
بالمواقع الأثرية يضيِّع علينا حلقات تاريخية مهمة من تاريخنا.. وسيصعب فيما بعد سد هذه الثغرة
جميعاً العمل على حماية الآثار ومنع تهريبها والسعي إلى اقتنائها من عموم المواطنين
من نشر الوعي بين المواطنين ليقدِّروا القيمة التاريخية والحضارية للآثار وللمواقع الأثرية وضرورة الحفاظ عليها
أكد رئيس الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف الأستاذ عُباد بن علي الهيّال الأهمية التاريخية والحضارية لبلادنا من خلال انتشار المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في عموم المحافظات، وما تحتويه من آثار متنوعة لحلقات تاريخية مهمة في تاريخ اليمن. وشدد في لقاء أجريناه معه على ضرورة تكاتف الجهود من أجل حماية الآثار ومنع تهريبها والسعي إلى اقتنائها من المواطنين لوضعها في المتاحف الوطنية.
واستعرض الهيّال الأهداف التي تسعى الهيئة إلى تحقيقها والمتمثلة في مكافحة تهريب الآثار ووقف العبث بالمعالم والمواقع الأثرية وكذا العمل على اقتناء القطع الأثرية من أيدي المواطنين ووضعها في المتاحف الوطنية.
كما تطرق إلى أبرز الصعوبات والمعوقات التي تواجه الهيئة في هذه الظروف التي تعيشها البلاد، داعياً رأس المال الوطني إلى الإسهام في دعم الجهود الثقافية والحضارية والتاريخية لليمن، مشدداً على المواطنين في مختلف المحافظات الحفاظ على ثروتنا الأثرية والابلاغ عن أي عابثين
بها، فإلى التفاصيل:لقاء / خليل المعلمي
هل يمكن أن تعطونا فكرة عن الأهمية التاريخية، والمكانة التي تحتلها اليمن عبر التاريخ من خلال وجود الآثار في مختلف المناطق اليمنية؟
– أينما تلقي ببصرك في أي منطقة في اليمن ستجد المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في طول اليمن وعرضه من المهرة إلى صعدة، والمعالم الأثرية واضحة في الجوف ومأرب وصنعاء والمحويت وصعدة وإب وتعز.
فاليمن مليء بالآثار وغني بالمقابر الصخرية التي تحتوي على المومياوات وهي تتواجد في كل أرجاء البلاد، وبالأخص في الجهات الشمالية الغربية من العاصمة صنعاء، والبعض منها تتواجد في مناطق وعرة، والبعض منها تطالها أيادي العابثين نتيجة جهلهم بأهمية هذه المقابر، ونحن بحاجة إلى تنقيب مستمر لهذه المقابر وتطويقها فالمومياوات لها قصة في اليمن، وسنسعى بإذن الله إلى الحفاظ عليها.
ما هي أبرز المعوقات والصعوبات التي تواجه عمل الهيئة في هذه المرحلة؟
– مع أنه لم يمض وقت طويل على وجودي في رئاسة الهيئة، كنت أفضِّل أن يكون هذا اللقاء في مرحلة لاحقة نكون قد أنجزنا فيها شيئاً، لكن المبادرة إلى طرح الرؤى والأهداف المستقبلية والمشكلات التي تواجهنا قد تفيدنا فيما سيأتي في مستقبل الهيئة.
على كل حال الصعوبات والمعوقات التي تواجهنا في الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف تتمثل في أمور منها: انعدام الموارد المالية التي تعيقنا عن أداء أيسر المهام، فعلى سبيل المثال نحن لا نستطيع أن نخرج إلى المواقع التي تصلنا بلاغات عن وجود عبث فيها، لعدم وجود الإمكانية المالية لصرفها للأخصائيين الذين يتم تكليفهم بالنزول إلى هناك، والأمر الثاني أن اختصاصات الهيئة تتدخل فيها عدة مؤسسات مختلفة ما أضعف الهيئة وقلل من مكانتها وأعاقها عن القيام بأشياء كثيرة، فكل مؤسسة تريد أن تنجز أعمالاً خاصة بها تستعين بموظفي الهيئة، أضف إلى ذلك تداخل الاختصاصات بين الهيئة واختصاصات الجهات الأخرى، وعدم وجود فواصل واضحة تحدد عمل كل هيئة، هاتان هما المشكلتان الرئيستان اللتان تواجههما الهيئة.
زد على ذلك الغياب والترهل الوظيفي، والغياب مفهوم فنحن لا نستطيع أن نلزم الموظفين بالحضور وليست لدينا القدرة على أن نفي لهم بأجرة المواصلات، هذه بعض من المشاكل في حاليا.
ما الأهداف والغايات التي تسعون إلى تحقيقها في الأيام المقبلة؟
– هناك أهداف رئيسة نسعى إلى تحقيقها في الأيام المقبلة، الهدف الأول العمل على إيقاف واستنزاف الآثار اليمنية إلى خارج البلاد، والثاني كف أيدي العابثين والجهلة الذين يدمرون ويعبثون بالمعالم الأثرية والمواقع التاريخية، والهدف الثالث محاولة إعادة اقتناء الآثار من أيدي المواطنين، أما الهدف الرابع فهو إصلاح الوضع الإداري في الهيئة.
أود أن أتوقف عند مسألة الاقتناء على وجه الخصوص، فأنا واثق بأن المواطن اليمني لديه رغبة في التعاون مع الهيئة بإيصال المقتنيات والقطع الأثرية التي يجدها إلى الهيئة، وعلينا أن نبني علاقة ثقة بين الهيئة والمواطن، ولو عن طريق منح بعض المكافآت المالية السريعة في وقتها عند استلام القطعة ومنحه شهادة شكر وتقدير، هذا في أبسط الحالات.
في وقتنا الحاضر أرى أن جهود الهيئة وحدها لن تكون كافية، وكذلك جهود الدولة لحماية الآثار والتنقيب والمسح، فلا بد من وجود وعي كامل لدى المواطنين بالقيمة التاريخية والحضارية للآثار وللمواقع الأثرية، وضرورة الحفاظ عليها، وأن العبث بها يعتبر جريمة، وضرورة الإبلاغ عن العابثين بها.
ونحن ندعو عموم المواطنين في كل المحافظات والمديريات والقرى إلى لتعاون معنا لاسيما الوجهاء والقيام بتسهيل أمورنا، كما ندعو رأس المال الوطني من التجار والمستثمرين للإسهام في دعم الجهود الثقافية والحضارية والتاريخية لليمن في هذا الوقت العصيب، فلدينا العديد من البرامج والمشاريع، فهل سنرى منهم مبادرة لدعم الهيئة في إنجاز مرحلة من مراحل توثيق القطع الأثرية في المتحف الوطني بأيدي مختصين يمنيين دون انتظار الدعم الأجنبي الذي غالباً ما يكون زهيداً؟
وللتأكيد فأنا أريد أن أوجه نداءً حاراً لليمنيين بأن ينهضوا معنا للحفاظ على المواقع الأثرية والمعالم التاريخية لأننا هذه الأيام نشهد مرحلة من العبث تذكرنا بما حدث في أواسط التسعينيات حين كان الجهلة والعابثون يقصدون المساجد القديمة ويقومون بسرقة المصاحف القديمة والعبث بالأضرحة القديمة.
وهذه الأيام تأتينا بلاغات كثيرة من محافظات عديدة بأن الناس كل في منطقته يعمدون إلى الخرائب وإلى المآثر وإلى المواقع حالمين بالحصول على الكنوز، وهم بهذه الأعمال يضيعون علينا حلقات تاريخية مهمة من تاريخنا، سيصعب فيما بعد أن نسد هذه الثغرة، وأنا لا أستبعد أن يكون للعدوان يد في هذا العبث.
إن شبابنا يقدمون أرواحهم في الجبهات من أجل الحفاظ على الوطن، ونحن في المدن نعاني الأمرين من هذا الحصار وكل هذا من أجل الحفاظ على سيادتنا واستقلالنا، فأقل القليل أن ندعم هذه الجهود بالحفاظ على آثارنا والتعاون مع الهيئة بإهداء القطع الأثرية للحفاظ عليها في المتاحف الوطنية، والتجاوب السريع من قبل المواطنين.
ما حجم الأضرار والخسائر التي تعرضت لها الآثار والمواقع الأثرية نتيجة العدوان؟
– سبق أن أصدرت الهيئة العامة للآثار بالتعاون مع وزارة الثقافة كتاب “عاصفة على التاريخ” رصدت فيه المواقع الأثرية والمعالم التاريخية التي استهدفت من قبل العدوان بحيث تم نشر صورة للموقع قبل الاستهداف وصورة بعد الاستهداف لتوضيح الدمار الذي لحق بهذه المعالم، مع وصف مختصر للموقع، والكتاب غني وحافل بالصور.
هل تم ترميم ومعالجة الأضرار التي تعرضت لها هذه المواقع والمعالم؟
– المشكلة أن بعض المواقع تقع تحت أيدي العدوان رصدتها الأقمار الاصطناعية وقد طالتها أيدي العابثين، ويعلم الله إلى أين وصل العبث بها من قبل المرتزقة والعدوان، خاصة في محرم بلقيس، وقصة تمثال الوعل اليمني الذي عرضه أحد أفراد الأسرة الحاكمة في قطر وهو منهوب من مارب مثال واضح لما يجري لآثارنا من العبث، كذلك مدينة براقش الأثرية وسد مارب القديم وما نالهما من استهداف.
أما في المناطق المتاحة، فقد زارتنا قبل أيام مندوبة اليونسكو والتقينا بها في المتحف الوطني وبحثنا معها بعض المسائل التي لهم اهتمام بها ولنا اهتمام بها في الحفاظ على الآثار، لكن يبدو أن إمكانياتهم وأولوياتهم محدودة، فأولوياتهم تتركز على التوثيق، أما نحن فنبحث عن تمويل لإعادة ترميم هذه المواقع والمعالم، مثل إعادة إنشاء متحف ذمار الذي دمره قصف العدوان، والعديد من المواقع والمعالم التي تضررت مثل المتحف الوطني الذي تعرض للتشقق والتصدع والذي نبحث عن تمويل لترميمه وإصلاحه وهكذا الكثير من المواقع، والعديد من المواقع في الجوف مفتوحة وبحاجة إلى حراسة وتتعرض للنهب الشديد من قبل لصوص وتجار الآثار، فموقع معين مثلاً طالته أيدي اللصوص، فقد طالعتنا مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لدرع للملك المعيني “وقه إل” من ذهب خالص، ولا ندري هل تم تهريبه إلى الخارج، والعبث كبير جداً، لكن بالوعي والتكاتف إن شاء الله يتم إيقافه.
برأيكم ما أهداف العدوان من وراء استهداف المواقع الأثرية والتاريخية؟
– وهل يفهم الأعراب الحضارة والثقافة؟ فنحن مبتلون بهذا العدو الأعرابي الجاهل الذي لا يميِّز بين الناقة والبعير، يدفعه كبره وإمكانياته المادية وتحفزه عقدة النقص على ضرب أعز ما لدينا، فهو يستهدف الأماكن التي يرى أنه يوجعنا من خلال استهدافها، وإلا فما الذي جناه سد مارب القديم حتى بعد هذه المئات من السنين ليأتي هذا الأعرابي لقصفه، وما الذي جنته براقش؟، وما الذي جنته صنعاء القديمة حتى تستهدف في وسطها؟، وكذلك يستهدف الأماكن المحيطة بصنعاء حتى يضعضع منازل صنعاء القديمة وقد تأثرت عشرات المنازل والبعض منها يتم ترميمها.
وما الذي جنته زبيد وأضرحة الموتى؟، ما الذي جنته هذه الأماكن حتى تتعرض للقصف؟ فالعدو استباح دماءنا وأهلنا وأطفالنا، فلا يبالي بعد ذلك إزاء استباحة آثارنا.
هل من إنجازات ملموسة خلال العام الماضي؟
– لم يمض على تعييني في الهيئة سوى شهرين، كانت الهيئة خلال سنتين شبه مشلولة باستثناء بعض الأعمال هنا أو هناك، لأن الدعم المالي هو الحجر الأساس في العمل الأثري، أضف إلى ذلك تعاون الجهات الأخرى، فلا أستطيع أن أحدد ما الذي تم خلال الفترة السابقة، لأني لم أكن هنا.
عقد في شهر ديسمبر من العام 2020م المؤتمر الوطني الأول للآثار والمتاحف، ما أهمية هذا المؤتمر الذي يعقد لأول مرة وهل تم تنفيذ توصياته ومخرجاته؟
– لقد اطلعت على أدبياته والتي حملت الهم الأثري العام الذي نردده جميعاً، ونسأل الله أن يعيننا في الحفاظ على المواقع الأثرية والمعالم التاريخية.
ما دور الهيئة بصفتها جهة حكومية ومسؤولة عن هذه المواقع والمعالم الأثرية في التواصل مع المنظمات الدولية وإيصال صوت اليمن إلى العالم؟
– حين بدأ العدوان علينا انكفأت المنظمات الدولية عن الأعمال الأثرية التي كانت تقوم بها في اليمن، لكن يبدو أن هناك مؤشرات لعودة هذه المنظمات، وقد بدأت اليونسكو في التخاطب معنا، ونحن ننتظر ذلك، لكن ثمة نقطة مهمة تكون هي الأساس في التعامل مع المنظمات الدولية، نحن نبلغهم أثناء تواصلنا معهم أننا لن نقبل المعونات المشروطة التي تتدخل في صلب عملنا ولا نقبل أن نشركهم في ما نرى أنه يخل بسيادتنا واستقلالنا، وأنهم، إذا كانوا يريدون التمويل من أجل العمل الإنساني والحضاري فمرحبا بهم، وأظن أن منهم من يريد هذا ونحن لا نسيء الظن بكل من يأتي إلينا.
هل من تعاون بين الهيئة ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بالآثار من أجل الحفاظ على الآثار والمعالم الثقافية؟
– نحن نرحب بمنظمات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال وأبوابنا مفتوحة لها ونحن ندعوها للشراكة معنا في أي برامج تعمل على رفع وعي أبناء المجتمع وكذلك في أي أنشطة تقوم بها الهيئة سواء التوثيق أو الترميم أو التنقيب.
ويجب أن يكون التخاطب من قبل هذه المنظمات مع الهيئة مباشرة، لأن الهيئة هي المعنية بالعمل الأثري والحضاري في اليمن حتى ننسق جهودنا، والتعاون هو ما نسعى إليه على أن يقوم على أساس علمي وتحت مظلة الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف، وأن يكون التعاون ضمن اتفاقيات تكفل حقوق الجميع.
بالنسبة لتهريب الآثار: هل لديكم خطة لمكافحتها وهل هناك تنسيق مع الجهات الأمنية؟
– حينما تتلقى الهيئة البلاغات من قبل المواطنين أو من قبل السلطات المحلية في أي منطقة عن أي عبث يحصل في أي موقع أثري أو معلم تاريخي نقوم بإبلاغ السلطات الأمنية في تلك المناطق ونخاطبهم بحدوث عبث في موقع أو معلم في منطقة ما، ونظل في متابعة بخصوص القضية مع السلطة المحلية حتى يتم إيقاف ذلك، وفي حالة التهريب نقوم بإبلاغ الإنتربول الدولي وقد طرحنا هذا الموضوع على مندوبة اليونسكو حينما زارتنا، لكنها اشترطت أن تكون القطع المبلغ عنها موثقَّة ومرقَّمة لدينا، فكيف نصنع إذا كانت هذه الآثار يتم تهريبها في جنح الليل ومن المواقع الأثرية، لكننا أخبرناهم أن الآثار اليمنية لها أسلوبها الخاص وروحها الخاصة وموضوع استنزاف آثارنا مقلق ويبدو أن وراءه جهات خارجية ، وهؤلاء سيستهدفون ذاكرتنا التاريخية والناس في غمرة انشغالهم بالحروب والبحث عن الكنوز والكثير وفي غمرة انشغالهم بالبحث عن لقمة العيش والقوت الضروري.
هل هناك من كلمة أخيرة؟
-الحضارة اليمنية والآثار اليمنية هي حضارة إنسانية بكل ما في الكلمة من معنى وعلى اليمنيين جميعاً أن يحافظوا على هذه الآثار وعلى المواقع والمعالم التاريخية، وأن يوقفوا أيدي العابثين والإبلاغ عنهم، وكذلك نرسل أصواتنا إلى الخيرين في العالم آملين منهم العون في ذلك وأكرر شكري لقيادة صحيفة “الثورة” ومشرف الملحق الثقافي الصادر عنها، والعاملين فيها.