يحيى يحيى السريحي
سيطر الشعور بالخوف والرعب والضياع والتيه على الشعب الأوكراني خاصة وشعوب أوروبا عامة , والتي باتت اليوم مضطربة وتعيش لحظات رعب حقيقية وتذرف دموع غزيرة من فكرة تطور الحرب إلى حرب شاملة وحرب فناء نووي، حتى ولو كان الاحتمال ضئيل لكنه موجود , مشكلة روسيا مع أوكرانيا ليست وليدة الصدفة فالرئيس جورباتشوف سمح بإعادة توحيد ألمانيا بناءً على وعود من الرئيس الأمريكي بوش والمستشار الألماني هيلمت كول، بأن الناتو لن يتوسع شرقًا ، ومع ذلك لم يلتزم الأمريكان ولا الألمان بما وعدوا به وتوسع الناتو , حتى أن الناتو دعا أوكرانيا وجورجيا للتحضير لعضويته مع أن جورجيا إلى الهند أقرب منه إلى حلف الأطلسي , وطيلة الوقت كانت الولايات المتحدة مصممة على تثبيت أنظمة مضادة للصواريخ في بولندا ، بزعم إسقاط صواريخ إيرانية عابرة للقارات ، وقد عملت أمريكا كل ما بوسعها لإسقاط الحكومة الأوكرانية السابقة واختيار حكومة بديلة معادية لروسيا وموالية للغرب ، وتولت الحكومة البديلة المعادية لروسيا السلطة في كييف وسرعان ما أعلنت دول الناتو شرعيتها , ولأن روسيا تدرك خطورة التماهي مع أوكرانيا – المدعومة من أوروبا وأمريكا على أمنها القومي وحرص الناتو على ضم أوكرانيا لحلف الأطلسي وتزويده بالسلاح والخبرات والقدرات العسكرية ونصب قواعد عسكرية وصواريخ نووية على أرضه بما يمكنهم من تهديد روسيا ومحاصرتها – فكان لزاما على روسيا أن ترد بكل الطرق للدفاع عن نفسها بغض النظر عن التكاليف, ولأن الأمريكيين لا يعرفون شيئًا عن التاريخ الروسي وليس لديهم خبرة وطنية في الغزو الأجنبي ، فلا يمكنهم الهروب من حدود خطاب الحرب الباردة الخاص بهم، كما لا يمكنهم تصور التاريخ من منظور روسي , والأوروبيون عكس الأمريكان فهم يعرفون رعب الحرب على أراضيهم ، ويتذكرون جيدًا تاريخهم في مهاجمة روسيا , كما تعرف الدول الأوروبية عدد المرات التي تعاونت فيها لمهاجمة روسيا ولم تنجح أبدًا , أمريكا كعادتها أججت الصراع بين روسيا وأوكرانيا وأشعلت فتيل الحرب بين الدولتين وحرّضت الدول الأوروبية وأشركتها في الأزمة, وجُل ما تستطيع أمريكا القيام به هو فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا فهذا هو سلاحها الذي تجيد استخدامه لأجل أن تسطو على أموال روسيا كما هو عهدها, فكوريا الشمالية فرضت عليها عقوبات لأكثر من سبعين عاما , وهناك كوبا, وجمهورية الكونغو الديمقراطية , روسيا البيضاء , كوت ديفوار, وبورما, وإيران , سوريا, ليبيا, السودان, واليوم روسيا .. فأمريكا دولة لصة تسطو على ممتلكات الدول والشعوب تحت مسمى وذرائع تافهة كتفهاتها !!
ونتيجة لتدخلات أمريكا في شؤون الغير دمرت دولا وقتلت الملايين من الأبرياء وهجّرت الملايين من أوطانهم, الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مخرب للسلام العالمي , وما تعمله أمريكا من تأجيج التوترات في جميع أنحاء العالم من خلال شن الحروب وإثارة المواجهات والإطاحة بالحكومات، وإشعال الحروب والاضطرابات في العديد من البلدان والمناطق من اجل فرض هيمنتها وتنمرها على الدول، يجب أن يوضع له حد !! فأوكرانيا التي زجت بها أمريكا في أتون حرب ضروس مع دولة بقوة روسيا أكيد أن الخاسر فيها أوكرانيا , ولن يسمح الروس بوجود ما يهدد أمنهم القومي , وهذا ما صرح به وزير الخارجية الروسي لافروف، إن روسيا لا تقبل بوجود الأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا، ولقد حان الوقت لإعادتها إلى الوطن , وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “ناتو” ينس ستولتنبرغ إن الحلف لن يكون طرفا في النزاع بين روسيا وأوكرانيا ولن يرسل أي جندي إليها, وكذلك صرح الرئيس الأمريكي بايدن أن بلاده لن ترسل أيا من جنودها للقتال إلى جانب أوكرانيا, وهذا ما يفسر سبب استجداء الرئيس الأوكراني لشعوب أوروبا ومرتزقة العالم للقتال إلى جانب بلاده , وبات مؤكدا أن أمريكا وحلف الناتو ورطوه في حرب مع روسيا وأن اوكرانيا تركت وحيدة في مواجهة الدب الروسي الذي لا يرحم, وتستحضرني بالمناسبة أبيات شعرية للزهير بن أبي سلمى، حيث يقول :
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً
وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُككُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها
وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم
كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ