«توتال» وشركاؤها يستأنفون نهب الغاز اليمني

 

الثورة / وكالات
بالتزامن مع تصاعد الأزمة الأوكرانية، تسارعت خطوات شركة «توتال» الفرنسية لاستئناف إنتاج الغاز المسال وتصديره من «قطاع 18» في منطقة صافر النفطية شمالي محافظة مارب، بعد توقّف دام سبع سنوات.
وخلال الأسبوعَين الماضيين، أجرت الشركة عدّة لقاءات مع وزارة النفط في حكومة الرئيس المنتهية ولايته، “الفار” عبدربه منصور هادي، في باريس ودبي، في سبيل إعادة الإنتاج. كذلك، جمعت «توتال» كلّ الشركاء في «الشركة اليمنية للغاز المسال»، وهم «هنت» و«اس كي» و«هونداي» و«كوجاز»، في الإمارات التي لا تزال تخضع منشأة بلحاف الغازية اليمنية لسيطرتها منذ عام 2017م.
وجرى الاتفاق في هذا الاجتماع على إعادة الإنتاج والتصدير والتسويق من «قطاع 18»، الذي تتجاوز احتياطاته الغازية 10 تريليونات قدم مكعّبة، تستحوذ «توتال» وشركاؤها على أكثر من 7 تريليونات منها، وفق اتفاقيات أبرمتها مع الحكومة اليمنية عام 1996م، أي قبل إنشاء مشروع الغاز المسال بعشر سنوات، وهو ما عرّض عدداً كبيراً من المسؤولين اليمنيين السابقين للمساءلة القانونية لاحقاً من قِبَل النيابة العامة في صنعاء، بتهمة الإضرار بمصلحة البلاد وتحرير عقود واتفاقيات لشركات أجنبية بناءً على بيانات غير صحيحة ومضلِّلة.
وعلى مرّ تلك السنوات، مارست «توتال» الاحتكار مع شركائها، واعتمدت خلال الفترة الممتدّة بين عامَي 2009 و2014م، أدنى المؤشّرات لبيع الغاز المسال اليمني كمؤشّر «هنري هوب» الأمريكي، بقصد التهرّب من أيّ مطالبات بتعديل الأسعار التعاقدية التي اتّفقت عليها مع الحكومة اليمنية في تسعينيات القرن الماضي (أقرّت سعر 3 دولارات فقط لكلّ مليون وحدة حرارية، بينما كانت تبيع بسعر يُراوح بين 10و15 دولارا).
هذه السياسة الاحتيالية نظرت فيها نيابة صنعاء، ووجّهت وزارة النفط منتصف عام 2014م بالاحتفاظ بحق اليمن في التعويض الكامل من «توتال» وشركائها الأمريكيين، عن الكميات التي تمّ بيعها بأسعار تقلّ عن المؤشّرَين الآسيوي والأوروبي.
وقُدّرت تلك الفوارق بـ8 مليارات دولار، بالإضافة إلى خسائر اليمن المترتّبة عن فواقد النفط الخام والغاز البترولي المسال ورسوم المنبع، التي تعمّدت الشركة وشركاؤها تسليمها لشركة «هنت» الأمريكية التي انتهى عقدها في اليمن مطلع عام 2005م، وآلت جميع أصولها لمصلحة شركة «صافر» الحكومية.

الغاز المسال
مع ذلك، فإن «توتال» لا تزال تسيطر على منابع الغاز المسال، وترفض أيّ إشراف على عملياتها الإنتاجية، وسط شكوك في تعمّدها سحب كميات كبيرة من الغاز خلال الفترة الممتدة بين عامَي 2009 و2014م، بعدما تبيّن قيامها بسحب أكثر من 8 ملايين طن عام 2013م، بما يخالف الاتفاقيات والعقود الموقّعة معها.
وفي هذا الإطار، اتّهم رئيس مركز «مداري للدراسات الاستراتيجية»، حسن العبيدي، مطلع الشهر الجاري، الشركة الفرنسية بـ«محاولة نهب 3 تريليونات قدم مكعّبة من الغاز المسال خارج الاتفاقيات”.
وأشار إلى أن «الشركة التي تستحوذ على 51 % من حصة بلحاف في شبوة، أخفت تلك الكميات الكبيرة في مكامنها ولم تعلن وفرتها».
وشدّد العبيدي، وهو مهندس بترول، على أن «أيّ عملية لإعادة تشغيل المنشأة مرفوضة، ما لم يُعِد البرلمان تعديل الأسعار والمصادقة على الاتفاقية السابقة».
كذلك، تؤكد وثائق حصلت عليها «الأخبار» قيام «توتال» بعملية نهب منظَّمة للغاز المسال اليمني، وتبيّن أن قيام الجانب الفرنسي بزيادة القدرة الإنتاجية من 5.3 مليون طن سنوياً إلى 6.7 مليون طن بما يخالف الاتفاقيات، بهدف زيادة عائدات الحكومة اليمنية من مبيعات الغاز، كان وهمياً ليس إلّا.
وفي حين أن إجمالي موارد الحكومة من هذه المبيعات خلال سنوات ما قبل الحرب لم تتجاوز 1.1 مليار دولار، بلغت خسائرها في النفط الخام والغاز الطبيعي والبترولي ورسوم المنبع خلال الفترة نفسها 2.7 مليار دولار.
كما أن عوائد اليمن من تصدير الغاز المسال خلال الفترة الممتدّة من عام 2009 حتى عام 2014م، لم تتجاوز 5 % من الإيرادات العامة.
وكان تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الصادر عام 2014م أفاد بأن كمّية الصادرات من الغاز المسال بلغت 1243 تريليون وحدة حرارية بريطانية خلال الفترة الممتدّة من عام 2009 حتى عام 2013م، على أساس متوسّط سعر للمليون وحدة حرارية بريطانية بلغ 11.7 دولار في السوق العالمية، لتبلغ قيمة المبيعات حوالي 14.5 مليار دولار، في حين لم تتجاوز عوائد الحكومة اليمنية منها 787 مليون دولار، أي ما يساوي 5 % فقط من قيمتها، مقابل 95 % لـ«توتال» وشركائها.
وأرجع متخصّصون ذلك إلى الأسعار التعاقدية القديمة التي رفضت «توتال» كلّ الطلبات الحكومية الهادفة إلى تعديلها، مصرّة على تحديد حصة الحكومة اليمنية من صافي أرباح المشروع بعد استقطاع 50 % من إجمالي الدخل كنفقات رأسمالية وتشغيل للشركة المشغّلة.
ووفقاً لخبراء نفط، فإن أيّ محاولة لإعادة إنتاج الغاز المسال وتصديره حالياً، في ظلّ توقّف إنتاج النفط من القطاع النفطي نفسه (18صافر)، ستكون لها أضرار بالغة على الاحتياطات النفطية، فضلاً عن أنه في حال استئناف العملية من دون إعادة النظر في الأسعار التعاقدية واستعادة الحقّ السيادي اليمني على القطاع المذكور، فسوف تواصل «توتال» الفرنسية نهب الغاز اليمني، مستغلّة حال الانقسام السياسي والاقتصادي الذي يعيشه اليمن.

قد يعجبك ايضا