إعداد/ يحيى الربيعي
يتحقق الاكتفاء الذاتي عند توافر القدرة الإنتاجية لأي بلد على تلبية جميع احتياجات المجتمع الأساسية والثانوية، ومن مؤشرات تحقق الهدف ارتفاع متوسط دخل الفرد، وانخفاض نسبة البطالة والأمية في صفوف الأجيال.
الشهيد القائد «رضوان الله عليه»، عندما تحدث عن أهمية أن تحقق الأمة الاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري، اعتبر ذلك من كمال إيمان الأمة في مواجهة أعدائها، لأن امتلاك الأمة قوتها الضروري، هو ما يجعلها قادرة على المواجهة. وهو بذلك يضعنا أمام حقائق لم تبن على تقارير اقتصادية من هنا أو هناك، وإنّما حقائق نابعة من رؤية قرآنية.
كمال الإيمان
ويتساءل الشهيد القائد: “أليس من كمال إيماننا في مواجهة تهديد أعدائنا، هو أن نكون أمة مجاهدة؟ أليس من كمال الإيمان أن نكون أمة مجاهدة أن نكون أمة مكتفية معتمدة على نفسها في قوتها الضروري؟.. إذاً فيصبح القوت الضروري، يصبح الاكتفاء الذاتي للأمة من كمال الإيمان، من كمال الإيمان».
ويُبين أن «كمال الإيمان في مجال مواجهة أعداء الله مرتبط به تماماً ارتباطا كبيراً، الاهتمام بالجانب الاقتصادي ستكون الأمة التي تريد أن تنطلق في مواجهة أعدائها، وأن تقف مواقف مشرفة في مواجهة أعدائها قادرة على ذلك؛ لأنها مكتفية بنفسها في قوتها الضروري، في حاجاتها الضرورية».
ويجزم رضوان الله عليه بالقول: «إن من المعروف أن نقول للآخرين: إن عليكم أن تهتموا بالجانب الاقتصادي فتجعلوا الشعوب قادرة على أن تقف على أقدامها مكتفية بذاتها فيما يتعلق بقوتها الضروري؛ لتستطيع أن تقف في مواجهة أهل الكتاب، أليس هذا من المعروف؟».
ويضيف: «الجانب الاقتصادي بالنسبة للمسلمين مهم في أن يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم وبمسؤولياتهم أمام الله من العمل على إعلاء كلمته ونصرة دينه، ونشر دينه في الأرض كلها».
مطلب جوهري
وهو ما يعني أن تحقيق الاكتفاء الذاتي مطلب جوهري وملحّ في نواميس كل دول العالم، إذ تكمن أهميته في توفير الأمن الغذائي للمجتمعات، وتحصينها من الأزمات والمجاعات التي قد تحدث لأي ظرف.
ذلك أن الاكتفاء الذاتي هو السبيل إلى الاعتماد على النفس وتطوير الإمكانات الذاتية، والتقليل من الاعتماد على الخارج، ناهيك عن كونه يدعم استقلالية القرار السياسي والسيادي الوطني، ويمنع تدخلات الآخرين في الشأن الداخلي، ويحّد من تأثيرات الانتهازية والابتزاز التي قد تمارسها الدول المصدرة لبعض الأغذية الاستراتيجية كالقمح مثلا، وخاصة عند التفاوض حول مصالحها، أو مصالح حلفائها.
أما في أوقات الحروب، فتبدو أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي حيث يتعذر استيراد السلع من الخارج في حال المواجهة مع أعداء الأمة، وهنا يعطي الشهيد القائد قضية حصول الأمة على الاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري الأولوية الكبرى عن سائر الكماليات، حيث يؤكد– رضوان الله عليه- أن الخدمات الأخرى: «ضرورية، لكنها ليست إلى الدرجة من الضرورة التي يكون عليها قوت الناس…».
ويضيف: «المدارس نفسها في حالة المواجهة هل ستصبح ضرورية؟ بإمكان الناس في حالة الخطورة، وفيما لو ضربت مدرسة أن يدرسوا أبناءهم تحت ظل أي شجرة،أو في أي مكان آخر. المساجد كذلك لو ضربت بإمكانهم أن يصلوا في أي مكان.. لكن قوتهم هو الشيء الذي لا بديل عنه، لا بديل عنه إلا الخضوع للعدو، والاستسلام للعدو، وتلقي الضربة بدون أي حركة في مواجهة العدو».
ويُشير الشهيد القائد إلى أنه «لا يريد أعداء الأمة «أن نزرع؛ لأنهم يعرفون ماذا يعني أن نزرع؟ متى ما زرعنا ملكنا قوتنا، متى ملكنا قوتنا استطعنا أن نقول: لا، استطعنا أن نصرخ في وجوههم، استطعنا أن نتخذ القرار الذي يليق بنا أمامهم، فما دمنا لا نملك شيئاً لا نستطيع أن نقول شيئاً…».
حصانة من التبعية
ذلك لأن قضية تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي من القضايا الأساسية التي لها الأثر الحاسم في تحديد موقع الدول على خارطة التقدم والنمو بين مجتمعات العالم المتقدمة، بل إن تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي يعني الأمن الوطني.
ذلك أن أي ثغرة، أو ضعف في هيكل الأمن الغذائي يشكل خطراً كبيراً على بنيان الأمن الوطني بشكل عام لانعكاساته الخطيرة على كل نواحي المجتمع، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل لا يمكن الحديث عن الأمن دون الحديث عن الاكتفاء الغذائي، لأّن الاكتفاء يعني التخلص من التبعّية، فمن ملك غذاءه ملك حريته، ومن ملك غذاءه سَلِمَ أمن قراره من الوصاية والتدخلات في الشأن الداخلي للبلاد.
ويُعَد الاكتفاء الذاتي شرطاً أساسياً لتقليص حركة الاستيراد، والتقليل من الاعتماد على المنتجات الأجنبية، والبدء في الاعتماد على المنتجات المحلية وتحسين جودتها بهدف تحقيق عملية الإشباع المحلي بشكل تام، ثم التحول التدريجي إلى التصدير، وزيادة الطلب على العملة المحلية للدولة وارتفاع قيمتها.
وتُعزَى أهمية الاكتفاء الذاتي إلى إمكانية الاستغناء عن الاستيراد لاسيمّا في الظروف الحرجة التي قد تمر بها الدولة مثل حالة الحرب؛ حيث يتعذر إقامة علاقات اقتصادية مع دول أخرى.
مصدر قوة
وفي صيغة مبالغة قوية؛ عظم الشهيد القائد حاجة الأمة للاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري عن حاجة المصلي للوضوء، وأنّ الأمة أصبحت بحاجة الى الغذاء أشد من حاجتها إلى السلاح: «أصبح شرطا، أصبح أساساً، أصبح ضروريا الاهتمام بجانب الزراعة في مجال نصر الإسلام أشد من حاجة المصلي إلى الماء ليتوضأ به.. هل تصح الصلاة بدون طهارة؟ إذا لم يجد الماء يمكن أن يتيمم فيصلي. إذا كانت الصلاة لا بد لها من طهور بالماء أو بالتراب، فلا بد للإسلام، ولهذه الأمة التي تهدد كل يوم الآن تهدد، وتهدد من قبل من؟ تهدد من قبل من قوتها من تحت أقدامهم، من فتات موائدهم».
ويؤكد: «ما دمنا مفتقدين إلى تأمين غذائنا فلا نستطيع أن نعمل شيئًا، …،لا نستطيع أن نقف موقفًا واحدًا ضد أعداء الله، أصبحت حاجتنا إلى الغذاء أشد من حاجة المسلمين إلى السلاح، هل تفهمون هذا؟ حاجتنا إلى الغذاء أشد من حاجتنا إلى السلاح في ميدان وقفتنا ضد أعداء الله».
ويضيف: «الغذاء، القوت الضروري لا تستطيع أن تقف على قدميك وتصرخ في وجه أعدائك وأنت لا تملك قوتك، وإنما قوتك كله من عندهم».