القهر الحروب المتقطعة الفقر الجهل العصبية المناطقية والقبلية مجموعة كوابيس عاشها اليمن قبل الوحدة وكان ميلاد الديمقراطية والتعددية الحزبية بعد الوحدة بمثابة المنقذ من مخلفات الماضي وصولا به إلى أعلى آيات الرفاهية إلا أن أغلب الأحزاب في اليمن طبقت المقولة الشهيرة “اقرأ عن الديمقراطية تفرح .. جربها تحزن” فالأحزاب ــ بحسب مراقبين ومحللين وأكاديميين وأعضاء في مؤتمر الحوار ــ لم تجر أي انتخابات داخلية منذ تأسيسها لتغيير قياداتها وإن أجريت فهي صورية أيضا بعض الأحزاب تحولت إلى أوراق رابحة تستخدمها بعض الدول والشخصيات للعبث باليمن … بالمقابل قدمت بعض الأحزاب جملة من التبريرات تجاه بعض التهم ونفت عن نفسها التهم الأخرى على اعتبار أنها مجرد حديث يقال لا أقل ولا أكثر … التفاصيل في التحقيق التالي :
قامت ثورتي سبتمبر وأكتوبر لتخلع نظامي القهر والاستبداد الملكي في الشمال والاحتلال البريطاني في الجنوب وذلك على أمل أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ورغم الدماء التي سالت لأجل هذا الهدف إلا أنه تاه أمام زحمة الطامعين بالحكم وظلت الانقلابات العلامة الكاملة والسمة البارزة منذ ذلك الحين وحتى قيام الوحدة وبالتحديد عند صدور قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية رقم 66 في العام 1991م والذي انتظره الشعب كثيرا ليحقق آماله وتطلعاته إلا أن الأحزاب التي شكلت منذ ذلك الحين ـ رغم كثرتها ــ عجزت حتى اللحظة عن تحقيق أدنى متطلبات المجتمع فحسب الإحصائية التي أفادتنا بها لجنة شئون الأحزاب فإن عدد الأحزاب المقيدة رسميا في سجلات اللجنة حتى العام 2013م وصل إلى 38 حزبا سياسيا ولم يكن هذا الرقم هو كل الأحزاب في اليمن فهناك أحزاب تمارس عملها في الساحة السياسية وهي غير مسجلة في لجنة شئون الأحزاب ــ حسب تصريح سكرتير رئيس اللجنة بجاش المخلافي ــ
المرفوض لا المفروض
وأبدى عدد من المثقفين والشباب امتعاضهم واستياءهم مما تقوم به الأحزاب وما تقدمه للمجتمع واتفقوا على أن الأحزاب السياسية في اليمن لم تعمل على تحقيق الحلم الذي كان ينتظره اليمنيون وكل ما قامت به أنها عملت جاهدة ــ بقصد أو بغيره ـ على جلب الويل والخراب لمجتمعها وأجبرتهم على السير وفق قائمة طويلة من السلبيات بدءاٍ بزراعة الفرقة والشتات وانتهاء بالفساد الذي ينخر في جسم مؤسسات الدولة فقد وصل المجتمع اليمني إلى حال لا يحسد عليه حيث الشحناء والبغضاء تدك ” مداميك ” المجتمع والأسر في آن واحد ووصل الحال إلى أن الأخ يخلع عباءة الود التي كانت بينه وبين أخيه فما بالنا بأواصر المجتمع ككل الأمر الذي أصاب المجتمع بالشلل وعمل على تعثر نهوضه في كافة المجالات اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا, ولم تقف سلبيات الحزبية عند هذا الحد فسياسة المحاصصة والإقصاء والتهميش التي تبنتها الأحزاب قد عمقت الفساد داخل مؤسسات الدولة وذلك بإجبارها للكفاءات على ترك الوطن أو العمل في القطاع الخاص وإضافة إلى هذا اتفق هؤلاء على أن الأحزاب لا تمتلك أي برامج وطنية تعمل من خلالها والدليل أن الفقر والفساد والبطالة تجتاح البلاد والله يستر من القادم ـ حسب تعبيرهم ـ
المعروف في كل بلاد الدنيا أن النظام الديمقراطي من جانب حزبي يعني الأحزاب وفق نظم وقواعد قانونية واضحة وانتخابات داخلية تقام كل فترة محددة لاختيار قياداتها بما يمكنها في الأخير من تقديم الخدمات الشاملة لأعضائها وتحقق تطلعاتهم كما هو حال الأحزاب في الدول المتقدمة ــ كأمريكا مثلا وبعض دول أوروبا ــ أما في اليمن فالديمقراطية تختلف تماماٍ عن العالم فلا انتخابات دورية ولا خدمات تقدم للشعب “ولا هم يحزنون” فعلى مدى 24 عاما وهو عمر الديمقراطية باليمن لم تجر الأحزاب انتخابات لاختيار قياداتها خصوصا العليا منها كما هو مفترض وإن قامت بها بعض الأحزاب فهي صورية والدليل أن نتائجها غالبا تبقى في خانة ” كما كنت ”
ولقراءة الوضع عن كثب قمنا بعرض الموضوع على عدد من الناشطين والمحللين السياسيين والإعلاميين وأعضاء في مؤتمر الحوار الوطني وأيضا على بعض الأحزاب وكانت البداية مع والمحلل السياسي جمال الحمادي المستشار الإعلامي لرئيس قطاع التلفزيون الذي يقول” بداية إذا ما نظرنا إلى الجانب الديمقراطي داخل الأحزاب فهي لم تقم بإرساء نماذج الديمقراطية في داخلها والذي تكون من عن طريق الانتخابات الداخلية كي يحدث تغييرات في هرم السلم القيادي ويعطي ” وير جع الحمادي ذلك إلى جملة من العوامل أبرزها سيطرة بعض الجهات وبعض الأشخاص على قرارات الأحزاب مستغلين التمويل الغير منظور الذي يقدمونه وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يلعب الممول المالي للحزب دور الممول للإعلان فهو لن يدفع أي أموال ما لم تكن محققه لأغراضه التجارية ( السياسية ) وهنا يغيب مبدأ وإمكانية التغيير الديمقراطي داخل هذه الأحزاب أما فيما يخص ما تقدمه الأحزاب للمجتمع الذي لم يرِ منها إلا الويل والخراب ـ حسب تعبيره ــ يقول الحمادي ” الأحزاب الموجودة على الساحة فئتين الأولى عبارة عن أحزاب سلطة نشأت وترعرعت في كنف ودعم السلطة وإمكانياتها المادية وغيرها أما الفئة الأخرى فهي عبارة عن أحزاب مرهقة ومنهكة أثقلت كاهلها الفترات السابقة من العمل الحزبي السري الشاق والملاحقات القمعية بالإضافة إلى ضعف عوامل الاستمرارية سواء على الصعيد المعنوي أو غيره كالأحزاب القومية أو اليسارية أو قوى اليمين وهذا ما جعل الأحزاب غير قادرة على النهوض وتقديم ما كان يحلم به المجتمع ”
أما فائزة المتوكل عضو مؤتمر الحوار الوطني في مكون الحكم الرشيد فلا تؤمن بوجود الديمقراطية عند بعض الأحزاب وليس الكل وتدعم حديثها بالقول ” مثلا في مؤتمر الحوار كنا نقوم بعقد جلسات حوار لحل بعض القضايا وفي الختام نصل إلى رؤية واضحة ومتفق عليها من الجميع لكن الغريب في الأمر أنه يأتي البعض في اليوم التالي وقد غير رأيه حسب ما يريده حزبه وأعتقد أن هذا الوضع يتنافى تماما مع مبادئ الديمقراطية التي تدعيها الأحزاب لذا أدعو كل الأحزاب أن يتركوا مساحة كبيرة لأعضائهم لترسيخ قوائم وأعمدة الديمقراطية القائمة أصلا على مبادئ الحكم الرشيد لأن الأحزاب يمكن أن تكون مشروع دولة وتنمية وعدالة ” وتضم المتوكل صوتها إلى صوت الحمادي في الجزئية التي طرحها ناشطون وشباب ومهتمون وهي أن الأحزاب إلى الآن لم تقدم للمجتمع ما يصبو إليه من عدالة اجتماعية وحياة كريمة ”
إعلان براءة
بعض الأحزاب أحجمت عن الإدلاء برأيها في الموضوع لكن البعض الآخر منها أبدى رأيه جملة من التبريرات لبعض التهم ونفت التهم الأخرى فهذا الدكتور عبده غالب العديني أمين الدائرة السياسية للتنظيم الوحدوي الناصري يقول متحدثا عن حزبه ” إن أساس تشكيل الأحزاب يقوم على الديمقراطية وذلك من خلال انتخابات دورية يقوم بها الحزب لاختيار قياداته ونحن في التنظيم الوحدوي قمنا حتى الآن بأربعة مؤتمرات وتم فيها انتخاب قيادات للحزب وكان للشباب نصيب الأسد منها وكذا المرأة فقد حصلت على أكثر من 30% في المناصب سواء في الإدارة العامة أو في الفروع ” ويعلل العديني عدم تقديم الأحزاب للمجتمعات شيئا سوى السلبيات بالقول ” إن المشكلة ليست في الديمقراطية ولا في الأحزاب جل المشكلة تكمن في أن من يحكمون لا يؤمنون بالديمقراطية الحقيقية وهذا ما أدى إلى عرقلة عملية التنمية ” وعن تأثر الأحزاب بالقوى الخارجية وتعليماتها يقول ” أعتقد أن هذا الكلام غير مقبول ونحن نرفضه جملة وتفصيلا لأنه يعد تقليلا من شأن القوى السياسية في اليمن والتي قدمت ـ ولا تزال ـ تضحيات كبيرة في سبيل الديمقراطية وإرساء قواعدها ”
أما زيد الشامي رئيس كتلة الإصلاح البرلمانية فكان له رأي آخر في العلمية الديمقراطية داخل الأحزاب يقول ” الناس أبناء بيئتهم فأحيانا يتمسك الناس بقياداتهم لخوفهم من التغيير ” ويرجع الشامي سبب خوف الناس من التغيير إلى العمر القصير للديمقراطية في اليمن كونهم لم يعتادوا هذا الأمر ويضيف ” نحن بحاجة إلى ديمقراطية حقيقية ونزيهة نلبي من خلالها تطلعات الشعب لا أن تصل الأحزاب إلى السلطة وتنسى كل القيم والمبادئ الديمقراطية وتمارس طقوسها الخاصة بها بعيدا عن الصالح العامة للشعب”.
أخيراٍ
يقولون ” المتهم بريء حتى تثبت إدانته ” فهل ثبتت إدانة الأحزاب في كونها أحزاب صورية شكلية تبحث عن مصالحها الضيقة ولا تعي ما الديمقراطية ولم تقدم للمجتمع سوى المتاعب وهي السبب في كل ما يحصل في البلد¿ أم أن التبريرات التي قدمتها بعض الأحزاب كانت كافية لدرء هذه التهم¿!