محمد بن الهادي النعمي (ق10هـ) صاحب قبة بني خضير

 

إعداد/ الحاج/ عبد الله بن أحمد بن يحيى الأهنومي

هو السيد العلامة الأصولي والزاهد العابد جمال الدين محمد بن الهادي بن عبد الله النعمي، والذي يبدو من خلال ترجمة تلميذه المهلا بن سعيد النيسائي (صاحب الشجعة) ومن تاريخ بناء القبة عليه – في قرية القزعة في مديرية المفتاح من محافظة حجة – أنه عاش في آخر القرن التاسع وأول القرن العاشر الهجريين.
هذا العالم والزاهد لم تذكره المصادر إلا بترجمة يتيمة في بعضها، ومنها ما ورد عنه في طبقات الزيدية، التي ذكرت أنه مقبور في القبة التي أنشئت عليه في جبل بني خضير من أرض الجبر، وهو ما يتطابق مع الكتابة الأثرية التي لا زالت موجودة على القبة العامرة ذات الزخرفة البديعة والكتابة الأثرية الحافلة بقرية القزعة الجبر الشرقي مديرية المفتاح محافظة حجة، وقد بينت هذه الكتابة – وهي من أقوى المصادر التاريخية – أنها أنشئت بتاريخ 936هـ بعناية شعبية عكست تواجد المحبة والتشيع لهذا الزاهد العالم العابد في قلوب مشائخ جبل بني خضير (الجبل –الجبر- الشرقي اليوم)، وقد نصّت على بعض أسماء المشائخ وهم الفقيه جمال الدين مسلم بن يحيى الأحمر الأقطعي الصايدي الخارفي الجُبَري، والشيخ محمد بن فرحان بن محمد ابن شهر، والشيخ طاهر بن أحمد بن سعيد سوار، والشيخ جمال الدين حسام بن شكر، كما كان القائم على عمارتها ولَدُ صاحب الترجمة السيد الأمجد شمس الدين، وكذلك بعناية السيد بن محمد بن صلاح عيشان، والسيد الفاضل صلاح الدين بن شمس الدين بن قاسم بن علي[1].
هذه الحفاوة بإنشاء هذه القبة ذات الطراز الرفيع على هذا العالِم بجهد شعبي اختياري تبين مدى الاحترام الذي كان يأخذ بمجامع قلوب أهل هذه البلاد نحو علمائهم من أهل البيت الأكرمين، وتبين كيف نجح هؤلاء العلماء في فرض احترامهم بالعلم والزهد والعبادة والانقطاع إلى الله عز وجل.
تميّز هذا العالِم بأنه كان عالما كبيرا من علماء أصول الدين وأصول الفقه، وقد تتلمذ عليه أحد أعلام القرن العاشر الهجري، وهو العلامة المهلا بن سعيد النيسائي (جد آل المهلا الساكنين قرية الشجعة) والدُ وزير الإمام شرف الدين بن شمس الدين (ت 965هـ) وقاضي قضاته عبدالله بن المهلا بن سعيد (ت 1028هـ)، وأبرز رجال الحركة العلمية في بلاد الشرفين آنذاك[2].
ورغم أنه ورد في طبقات الزيدية ما يشير إلى أن القاضي العلامة عبد الله بن المهلا تتلمذ على صاحب الترجمة إلا آن هذا ورد سهوا، والصحيح كما هو فيها أيضا أنه – أي العلامة عبدالله بن المهلا – تتلمذ على ابن المترجَم له وهو العلامة السيد الهادي ابن جمال الدين محمد بن الهادي الملقب الوشلي والمقبور في الشجعة وليس على والده، لأن والده صاحب الترجمة كان قد توفي قبل عام 936هـ الذي هو عام إنشاء القبة على ضريحه المبارك، بينما ذكرت الطبقات أن عبد الله بن المهلا بن سعيد ولِد سنة 950هـ؛ الأمر الذي يشير إلى صحة أنه تتلمذ على ولده، إذ كيف يتتلمذ عليه بعد موته بحوالي14 سنة في أقل الأحوال، كما يرجح ذلك أنهما (أي ابن المترجم وعبدالله بن المهلا) سكنا في قرية واحدة وهي هجرة الشجعة.
تميّز صاحب الترجمة المقبور بقبة بني خضير (القزعة) بأنه كان عالما أصوليا (عالم بأصول الدين وأصول الفقه)، وقد قرأ عليه المهلا بن سعيد بعض الكتب التي كانت مدرس الطلاب آنذاك، ومنها (الغياصة)، و(الخلاصة) للرصاص، و(شرح الأصول) للسيد مانكديم، و(المنهاج) للقرشي، و(عيون المسائل) للحاكم[3].
ويتبين من خلال سلسلة تلامذته وتلامذتهم أنه كان على معرفة علمية أصولية جليلة، انتقل أثرها إلى أولاده وإلى آل المهلا الذين صارت لهم شهرة علمية فائقة ومتميزة ولا سيما في أصول الفقه التي جعلت الإمام القاسم بن محمد (ت1029هـ) مقيما في هجرة الشجعة زمانا لتحقيق علم أصول الفقه الذي عليه مدار الاجتهاد على العلامة شيخ شيوخ الأئمة عبد الله بن المهلا آنف الذكر[4].
أما قبته فهي شاهد كبير ودليل مادي بليغ على روعة الفن المعماري في اليمن، وعلى مدى مهارة اليمني وعلو معرفته في الهندسة المعمارية وتركيب الألوان، وعلى جمال ذوقه ودقته في الإنشاء واختيار الألوان، كما أن ما ورد فيها من كتابات وأعلام ومعلومات يعتبر مادة مهمة في تاريخ تلك المنطقة في هذه الفترة، وهذا أمر نتركه للمتخصصين في هذا النوع من الآثار والتاريخ.
هذا كله يشير لما وصل إليه اليمن من حضارة رائعة ورائدة سواء في مجال العلم الشرعي أو في مجال العلم والفن المعماري، ويشير إلى أننا لا زلنا بحاجة إلى دراسات كثيرة عن اليمن وتاريخه الحضاري الرائع، ولا سيما في المناطق ذات التواجد الزيدي.
هامش:
[1] مأخوذ من الكتابات المنقوشة على القبة المذكورة.
[2] مطمح الآمال للقاضي العلامة المجتهد الحسين بن ناصر المهلا (ت1111هـ).
[3] طبقات الزيدية للسيد الإمام إبراهيم بن القاسم بن محمد بن الإمام القاسم بن محمد.
[4] مطمح الآمال

 

قد يعجبك ايضا