3.433 هكتاراً من الأراضي الصالحة للزراعة يزرع منها 2.919 هكتارا، يحتل القات 64%
مديرية ذيبين- عمران.. مقومات الطبيعة ومعوقات الأنظمة السابقة في ميزان الثورة الزراعية
لا يزال المشوار طويلا على درب نشر الوعي التنموي في أوساط المجتمع ويتطلب وقوف الشركاء بجدية
مقومات نهوض زراعي كبيرة يكبتها القليل من مشكلات نقص الوعي
الحراك الجهادي والثورة الزراعية يحدثان تحولا كبيرا في إعادة حالة السلم إلى المديرية
تراجع زراعة العنب إلى 450 هكتار من 637.5 هكتار خلال عامين وزحف شجرة القات
الثورة/ يحيى الربيعي
في جولة استطلاعية قامت بها صحيفة “الثورة” في بعض قرى وعزل مديرية ذيبين – محافظة عمران – كإحدى المديريات النموذجية المختارة من اللجنة الزراعية والسمكية العليا في المجال الزراعي- برفقة الأخ مدير مكتب الزراعة والري بالمديرية المهندس نجيب أبو ضربة، تعرفنا إلى الكثير من نقاط القوة المتمثلة في توافر مقومات إحداث نهضة زراعية غير عادية في نطاق هذه المديرية الواقعة في قاع مترامي الأطراف، يمتد من حدود ريدة إلى الجوف، فضلا عن الوديان والجبال العامرة بالمدرجات الزراعية، إلا أن هناك القليل من المشكلات التي تقف حجر عثرة أمام إحداث هذه النهضة.
على سبيل المثال لا الحصر، أن وجدنا الثروة الحيوانية على الرغم من الفرص المتاحة نسبياً للنمو وزيادة تربية الماشية وبالتالي زيادة الإنتاج الحيواني، إلا أن المستويات الإنتاجية تسير بمعدل منخفض لا تتفق كما في المقومات الطبيعية المتوفرة في مناطق المديرية المترامية والغنية بمقومات الزراعة والري معا، من توافر المياه الجوفية إلى أبعاد من فوارة طبيعية ما بين 20-10 مترا، وما بين 200-70م في الأماكن المستنزفة، وتوفر 3433 هكتارا هي مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بأنواعها الطينية والطمية والرملية يزرع منها حوالي 2.919هكتارا.
تنتشر الأراضي الزراعية في الأودية والمدرجات الزراعية، وتتميز بمظاهر تضاريس أهمها القيعان والوديان التي أشهرها وادي ورور، ووادي ذي بين ووادي سنوان، ووادي مرهبة، ووادي قاع الشمس بني جبر ومجموعة من المدرجات الزراعية التي تقع بين الجبال وجوانبها وهي ذات تربة خصبة وتتشكل بنسبة %42 من إجمالي مساحة المديرية.
ويزرع منها 1585 هكتارا بالحبوب، يليها في المرتبة الثانية العنب بمساحة 637.5 هكتار مقسمة على العزل الثلاث وتعتبر بني جبر أكثر العزل زراعة للعنب، وفي المرتبة الثالثة تأتي محاصيل الخضروات بمساحة نحو 463 هكتارا، ورغم أن نسبة المساحة المزروعة بالقات سوى %4.5 من إجمالي المساحة المزروعة، إلا أن تلك المساحة تعتمد على مياه الآبار كمصدر رئيسي للري، لكنه للأسف أخذ في العامين الماضيين بالتوسع على حساب المحاصيل الزراعية الغذائية حيث زحفت شجرة القات على زراعة العنب فقط فأجبرتها على التراجع إلى 450 هكتارا، بالإضافة إلى ما تمتلكه المديرية من مساحات رعوية وصخرية ينتشر فيها الغطاء النباتي والقليل من أشجار السدر المعمرة والكثير من أشجار الأراك التي تنتشر بقوة في وادي هران وأجزاء من شوابة وغيرها كالذرح والأثل، كما تنتشر بعض الحشائش والنباتات الجبلية والعطرية والطبية وتتغذى عليها الماعز والضأن.
الإهمال والإفراط
يلي ذلك كارثة الإفراط غير المعقول في سقي شجرة القات عن طريق الغمر مقرونا بمنتهى العشوائية والارتجال إلى درجة أن من يمض هذه الشجرة يصاب مباشرة بالانفتاح في المعدة، هذا في الظاهر، وما خفي كان أعظم، ناهيك أنك لم تعد تجد في مضغ شجرة القات طعما ولا رائحة، ذلك لأن كثرة الماء والأسمدة والمبيدات جعلها هي المذاق الطاغي، والمشكلة أن العشوائية والارتجال ظاهرة موجودة مع المحاصيل الأخرى مما يزرع في المديرية من بطاط وعنب، وهما المحصولان اللذان احتلا المرتبة الثانية في قائمة مزروعات معظم عزل وقرى المديرية التي زرناها، وخاصة بني جبر: العنب ثم البطاط فالقات، ووادي ورور، ووادي هران، ومزرعة الاقتصادية اليمنية، أما شوابة- وهي المديرة الأوسع في المساحة الزراعية- فالغالب (ثلثين بثلث) بين القات والبطاط، وشيء قليل لا يذكر من العنب.
هنا، ولأول مرة سأجد نفسي في صف الدفاع عن هذه الشجرة، ولأن دفاعي هنا هو دفاع في الأصل عن صحة الإنسان كمستهلك، والمياه كمورد حياة لا غنى للإنسان عنه من الاستنزاف، والتربة كبيئة حاضنة من التملح، وفوق كل ذلك فساد ضمير واسع النطاق ومرتبط بحلقات سلعة القيمة بدءاً من تاجر المدخلات من الأسمدة والمبيدات الموردين بصرف النظر عن المهربين.. إلى غياب الإرشاد الزراعي.. إلى طمع المزارع والمقوتي (البائع) في تحصيل الربح السريع والمتكرر.. إلى ضياع وإهدار غير متناه في وقت المستهلك خاصة أولئك المفرطين في تناول هذه الشجرة.. إلى آخر نقطة في الحلقة وهي التأكيد بالأرقام والإحصائيات أن هذه الشجرة سيطرت على أكثر من 85 % من الأراضي الزراعية ومصادر المياه ناهيك عن الإمكانات المادية والبشرية التي تذهب هدرا على طول حلقات هذه السلعة.
ويعزى ذلك إلى عدم إعطاء الاهتمام الكافي لهذا القطاع الإنتاجي الزراعي الحيواني، من حيث الاستثمارات وإنشاء المزارع المتخصصة في المحاصيل الزراعية وتربية الماشية أو من حيث مجال ونوعية الإرشاد الزراعي والخدمات البيطرية المتاحة والمقدمة للمحتاجين لها في مناطق الحراك الزراعي والحيواني بالإضافة إلى غياب التوعية بأهمية الزراعة والحفاظ على الثروة الحيوانية وإظهار فوائد بتوفير الاكتفاء الذاتي والأمن في الأولويات الثلاث الغذاء والملبس والدواء، وهي الفوائد التي لا تتوفر لأي بلد لا تهتم سلطاته ومجتمعاته بالزراعة وتربية وتسمين الثروة الحيوانية، والسعي في زيادة الإنتاج والحفاظ على الجينات المحلية الأصيلة على مستوى كافة البذور الزراعية وأنواع الحيوان، ناهيك عن تخاذل خطط التنمية وحجم الاستثمار الضئيل الذي ساد في العقود الـ5 الماضية في هذا المجال، مما عكس حالة عدم الاهتمام الكافي للاستفادة الكاملة من هذه الثروة العظيمة من خلال العمل على إنتاج المواد الغذائية الهامة كاللحوم والألبان ومشتقاته والبيض وغيرها.
التدخل الحالي
وفي سبيل تجاوز هذه العثرات يجب وضع استراتيجية متكاملة للموارد المائية تأخذ بعين الاعتبار ضرورة الحفاظ على التوازن بين الكميات المسحوبة من المياه والمخزون منها مما يضمن ترشيد استخدامات المياه والحفاظ على المورد للأجيال القادمة، كما أن توزيع المياه على الاستخدامات المختلفة يجب أن يجري على أسس اقتصادية تضمن تحقيق أقصى مردود للمجتمع في إنعاش جانب تحقيق الاكتفاء الذاتي وتأمين الغذاء، وفي مجال الزراعة والثروة الحيوانية يتطلب الأمر توسيع دائرة حراك الثقافيين، وفرسان التنمية، وفرسان البحوث، والمرشدين الزراعيين والصحة الحيوانية، للتوعية بهدى الله، وبالعمليات الزراعية عقب جمع وتحليل المعلومات واستقصاء الخبرات المحلية والعمل على خلق مفهوم مشترك بين العلم والخبرة في مسار تصحيح مسارات العمليات الزراعية بما يحقق وجود أساليب وطرق ومعالجات زراعية مناسبة سلسلة القيمة لكل محصول وما يناسبه من تربة وكمية ماء…إلخ.
وهنا صارت الحاجة ملحة إلى توفير سياسات محدودة وعملية مدروسة وواعية لتفعيل هذا القطاع الهام ضمن استراتيجيات قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى يتم تنفيذها بوفق خطط مرحلية متتابعة ومترابطة وتحمل طابع الاستمرارية في النشاط البحثي والإنتاجي الهادف إلى تطوير تقنيات وآليات العمليات الزراعية، وطرق وأساليب العناية بالثروة الحيوانية، وبرامج وأدوات التسويق الأمثل داخليا وخارجيا، وتحريك عجلة الصناعات التحويلية وحسن استغلالها في توفير الاحتياجات الحقيقة للفرد من الغذاء والبروتين الحيواني، والمساهمة في تحسين حياة الفرد في الريف والمدينة.
وهذا ما سعت وتسعى إلى تحقيقه الثورة الزراعية التي انطلقت مطلع العام 2020م، بقيادة اللجنة الزراعية والسمكية العليا ومؤسسة بنيان التنموية بالتنسيق مع شركاء التنمية في الوزارات الحكومية وهيئات ومؤسسات القطاع العام والخاص، والصناديق، وهي الثورة التي أخذت على عاتقها مهمة النزول إلى المجتمعات المحلية بهدف اشعال فتيل الثروة المجتمعية من خلال استنهاض قدرات وطاقات المجتمعات المحلية انطلاقا من حقيقة أن الإنسان هو غاية التنمية وصانعها.
أول فتيل اشعل في مسار هذه الثورة المباركة، هو ايقاد شعلة الطاقات الشبابية وانعاش واستنهاض الطاقات الطوعية في نفوس الأنقياء منهم، فكانت الحصيلة فوق المتوقع لقوة ما حظيت به فكرة الثورة من استجابة منقطعة النظير وصلت حد التدافع للشباب من كل حدب وصوب، في أرجاء اليمن السعيد، هذا الحماس القوي حماس مؤسسة بنيان التنموية في إنشاء أكاديمية بنيان للتدريب والتأهيل، وفتح أبواب من التدريب على آفاق قيام التنمية على هدى الله، وباشرت التدريب مع مجاميع من فرسان التنمية، الذين بدورهم انطلقوا إلى أوساط المجتمع فأحدثوا ثورة تنموية شاملة في كافة مجالات الحياة الخدمية والتنموية.
المتطوعون كانوا هم الفتية الذين انطلقوا بإيمان طوعي فوجدوا شعبا مضيافا، متعاونا، متجاوبا، شعبا هو منبع التكافل والتآلف والنكف والنجدة، وهو ميدان العانة والجايش، شعب مقدام ومبادر، فما كان منهم إلا أن عملوا على توسيع المشاركة الشعبية في التنمية من خلال التدريب والتأهيل بأهمية العمل الطوعي منطلقين في مسارهم من أساسيات التوعية بهدى الله النور الذي أزاح، بتعريف المفاهيم الصحيحة ودحر ضلالات المفاهيم المغلوطة، الغمة عن صدور حاول ران الفساد والإفساد أن يحول هذا الشعب الأبي من صانع للحضارات على مر العصور إلى مجرد كيانات خاملة متواكلة على العطاء والمساعدات من الخارج متآكلة متناحرة فيما بينها، فأعادت إلى النفوس عزتها وكرامتها واتكالها على الله.
نعم، وبفضل الله، تمكنت الثورة الزراعية- بإسناد ودعم من فعاليات ثورة الـ 21 من سبتمبر والسلطات المحلية بالمديرية واستجابة الوجهاء والأعيان في المنطقة من خلال النشاطات التوعوية عبر الدورات الثقافية ونشر الوعي من إيجاد حركة تغيير كبيرة في مستوى الوعي على المستويات كافة، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فكان من نتاج ذلك عودة السكنية والألفة بين الأوساط الاجتماعية في المديرية وتحولت الأنظار والجهود نحو مسارات جديدة ومغايرة لما كان سائدا ومألوفا، اتجهت الأنظار نحو الجهاد في الذود عن حرية واستقلال البلاد والتخلص من براثن الارتهان والوصاية كبديل عن ما زرعته أنظمة الخنوع من أزمات ونزاعات بين أبناء الأسر والقرى تحت بند سياسة “فرق تسد”، وتخلصت العزائم والأنفس الأبية من ذل العوز بالتواكل على معونات ومساعدات الغير، بالانطلاق إلى إحداث نهوض ملحوظ في مشاريع الاعتماد على الذات في المجال الزراعي والحيواني.
قيد التنفيذ
وفي هذا الاتجاه، أكد مدير مكتب الزراعة والري بمديرية ذيبين م. نجيب أبو ضربة أن المديرية انطلقت بالثورة الزراعية نحو مسارات التنفيذ العملي لتوجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي- حفظه الله- بضرورة تعزيز الاقتصاد الوطني وتحرير القرار الاقتصادي اليمني، من خلال تفعيل المشاركة المجتمعية والوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي تم تنفيذ عملية ذري القمح في وادي هران، ووادي شوابه حيث أكثر من 120 هكتارا، والذري في كل هكتار بما يعادل 4 أكياس عبوة 40 كجم نثرا، وبإنتاج متوقع6-5 أطنان في الهكتار الواحد 720-600 طنا في الموسم الشتوي الحالي، علما بأن نسبة مشاركة أحفاد بلاد في مشاريع زراعة القمح والعملية الزراعية بشكل عام وصلت إلى %20 شركاء، و%10 ملاك، قابلة للزيادة، علما بأنه تم توزيع 360 كيساً من بذور القمح المحسنة لعدد250 مزارعا في مديرية ذيبين محافظة عمران على هيئة قروض محسنة.
وأوضح أبو ضربة أن نسبة مشاركة أحفاد بلال في العملية الزراعية، وعلى وجه الخصوص في زراعة القمح وصلت إلى %20 يعملون كشركاء لملاك أراضٍ، و%10 حائزين أراضي زراعية، وبإجمالي %30.
وعلى صعيد آخر، أكد أبو ضربة أنه تم في هذا الموسم زراعة نحو 120 هكتارا بمحاصيل الثوم في وادي قاع الشمس- عزله بني جبر، وكذلك في وادي العقب بنحو6 هكتارات من الثوم، وتمت زراعة البطاط في وادي شوابة والذراع وقاهر والجدرة والحرجة وورور بنحو130 هكتارا، وكذلك وادي مركز المديرية وبني جبروعيال يحيى بنحو 70 هكتارا من محصول البطاط.
زراعة مائية
وفي زيارة قامت بها “الثورة” إلى حقل زراعي مائي، يمتلكه أحد مزارعي المنطقة، اعتبر مدير الزراعة بالمديرية الاهتمام بالزراعة بالمديرية من أولويات اهتمام قيادة المحافظة ومكتب الزراعة بالمحافظة ويأتي هذا الاهتمام ترجمة لتوجيهات قائد الثورة للوصول بالمحاصيل الزراعية إلى تحقيق الأمن الغذائي، مشيدا بجهود الزراعية العليا وبنيان في سبيل تحقيق النهوض بالزراعة، مؤكدا أن المجتمع المحلي في المديرية متجاوب وسيكون عونا وسندا لكل خطوة تسعى لزيادة الإنتاج الزراعي.
وفي حديث عن الزراعة المائية بالمديرية أكد أنها تعد لبنة أولى لنهضة زراعية تسهم في تخفيف استهلاك المياه وتعالج مشاكل استصلاح التربة وإنتاج منتجات زراعية نوعية وصحية، مشيراً إلى أهمية هذه التجربة الزراعية الجديدة بالمحافظة والتي تعد الأولى على مستوى اليمن.
ولفت إلى أن نجاح تجربة الزراعة المائية سيوفر 90 % من المياه وسيحد من الاستنزاف الجائر للمياه وسيعالج المشاكل التي تواجه استصلاح الأراضي الزراعية، وأكد حرص قيادة المحافظة على تقديم التسهيلات والاهتمام بالمزرعة المائية والعمل على تشجيع المزارعين للتوجه نحو هذا النوع من الزراعة.
ومع ذلك، لايزال المشوار في هذه المديرية طويلا وبحاجة ماسة إلى نشر الوعي في أوساط المجتمع الذي يبدو الجهل غير المقصود في تدبير الناس لأمور حراكهم الزراعي المتنامي بقوة، هو الغالب على الكثير من ساكنيها، وعلى كافة المستويات، مع أن الأمر لا يتطلب أكثر من وقفة جادة ومتأملة من جميع شركاء التنمية في الحكومة والقطاعين العام والخاص، لدعم ومساندة اللجنة الزراعية والسمكية في ما تقوم به بالشراكة مع مؤسسة بنيان التنموية والجهات الممولة في مسارات التوعية واستنهاض همم المجتمعات المحلية في سبيل إحداث تنمية مستدامة قائمة على هدى الله.
تصوير/زيد البكري