حول وظيفة المال العربي وعاصفة البداوة!

عبد العزيز البغدادي

 

 

من الواضح أن المال العربي أو المسمى بالعربي قد حولته بعض العقول العربية من نعمة تدار به عجلة التنمية التي تنقل من يفترض أنهم أصحاب المال من حال البداوة والتخلف والجمود إلى حال اكتشاف الذات والدفع بها نحو تعزيز عوامل القوة وقد استخدمت كلمة (تعزيز) هنا بدلاً عن كلمة (امتلاك) لأن عوامل القوة موجودة ولكنها في حال كُمون أو مَوات ناتج عن ارتكاب أخطاء تاريخية كارثية أفرزها سوء استخدام القدرات سواء بفعل همجية التعامل معها أو من خلال الجمود العقلي واستسلام العرب أو الأعراب للتبعية المطلقة للمستعمر في نسخته الجديدة بحجة الحاجة الملحة للحماية أي حماية العروش من الشعوب وعدم الاستعداد للقراءة الواعية للتأريخ!!.
هذه الخواطر تشغلني كما تشغل الكثير ممن تهمهم أمور وطنهم الذي صار أقطاراً مجزأة مبعثرة متقاتلة متشاحنة وصار كل قطر منها وطناً مستضعفاً يعيش حالة تقاتل داخلي تكاد ناره لا تنتهي ، تُستخدم في تأجيجها الطائفية السياسية والمذهبية المتعصبة والمناطقية المقيتة والقبلية والعرقية وكل أسباب التشرذم والخلاف، ومن البديهي أن كل هذه الانتماءات مسألة طبيعية مرتبطة بالتكوين والوجود التاريخي والظروف الموضوعية ، لكن المشكلة تكمن في توجيهها لتصبح أداة صراع مستمر أشبه بمشروع استثماري دائم يستثمره تجار الحروب والأزمات والصراعات!، والأغرب أن محترفي هذا النوع من التجارة هم أنفسهم زعماء الطوائف والمذاهب ومشايخ القبائل التي تستثمر فيها هذه الأوبئة ، أي أنهم قد تمكنوا بقدرة قادر من أن يكونوا زعماء للطوائف وفي نفس الوقت مستثمرين لها ، والأفظع أن كل هذا يتم بتمويل عربي أو هكذا يسمى ، وهو مال أريد له وبه أن يكون تعبيراً قاسياً عن أبشع صور البداوة والهمجية في التأريخ الإنساني الأقرب اليوم إلى حالة التبلد، وهل يوجد أقسى وأبشع وأبلد من أن يقوم صاحب المال أو من يفترض أنه صاحبه بتسخيره في هدم بيته وتغذية كل قبيح ومحاربة كل جميل ، ولعل آخر الأمثلة على هذه البداوة التي يصعب وصفها ما تعرض له ويتعرض له وزير الإعلام اللبناني الأستاذ جورج قرداحي من حملة لا تكمن غرابتها في سببها التافه فقط وإنما في اعتذار رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بصورة تلغي أي فرق بين الدبلوماسية والمهانة لأمراء المال والكرامة المسلوبة ، وقد ذكرتني ملامحه وهو يعتذر بملامح سعد الحريري وهو يقرأ تصريح كتب باسمه في معتقله بأوامر محمد بن سلمان حول كونه حراً وليس معتقلاً ليثبت بالقول خلاف واقع الحال المزري.
وهذا الحال يشترك فيه رئيس الحكومة مع بعض زعماء الطوائف ومقاولي الحروب والمخدرات والأزمات داخل لبنان وخارجه ، ومن الواضح أن الهدف الرئيس للعاصفة الإعلامية السعودية الهوجاء ضد قرداحي هي محاولة الهروب إلى الأمام الذي يأتي ضمن أساليب التغطية على جرائم العدوان والحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها السعودية والإمارات في اليمن التي يعد وصفها بالعشوائية وصف دبلوماسي لم يكن الأستاذ قرداحي أول من أطلقه بل الأمم المتحدة وجو بايدن خلال حملته الانتخابية وعدد لا يحصى من الدبلوماسيين في العالم.
وجرائم السعودية المعلنة ضد اليمن منذ 26/ 3/ 2015 لم تكن إلا استكمالاً للجرائم السرية التي لا تحصى بحق هذا الشعب منذ تأسيس هذه المملكة الشريرة بدعم المملكة المتحدة ، وهذا ما يؤكده باستمرار جورج غالوي وأحرار بريطانيا وغيرهم ممن لا يخافون في الله لومة لائم ويحرصون على الكلمة الحرة حرصهم على الحياة!
كما أن لبنان يعاني أشد المعاناة من المال السعودي والتدخلات المشينة في شؤونه من خلال ممارسات من يسمونهم الطبقة السياسية أي طبقة تجار الحروب والسياسة زعماء الطوائف الذين وجدوا في الطوائف الوسيلة الأنسب للبقاء في مواقعهم السياسية باسم الطائفية لأن التعصب الطائفي يعمي القلوب والأبصار ويدمر الأوطان.
واليمن ولبنان ليسا سوى نماذج لامتدادات فعل المال المسمى بالعربي الذي طال الكثير من بلدان العالم ما جعل من ظهور النفط العربي تحت أقدام البدو كارثة عالمية من حيث حجم الجرائم التي يمولها والكوارث التي يتسبب فيها ،ومن يراجع ما تسببت به السعودية والإمارات منذ وجودهما في البلدان العربية من جرائم وبخاصة في اليمن يجد أنها جرائم يندى لها جبين الإنسانية ، ومعلوم أنهما دولتان وظيفيتان لا تمتلكان قرارهما لذلك فالمسؤولية تقع عليهما وعلى من يديرهما ومن يغطي على جرائمهما باستخدام الشرعية الدولية أو يصمت عن كل هذه الفظاعات!!.
للمال وجهان
وجهٌ يمزقُ وجه الظلام
ووجه يغذي حياةَ القبور

قد يعجبك ايضا